hit counter script
شريط الأحداث

- راكيل عتيِّق - الجمهورية

بيت واحد يجمع جمال باشا، سامي الصلح، رياض سلامة... و30 ألف كتاب!

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٦ - 06:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

راكيل عتيِّق - الجمهورية
بيوت تراثية كثيرة محا الزمن جمالها ورمزيّتها أو هدمها أصحابها أو باعوها من أجل «التجديد» أو حاجة مالية. بيوت تراثية قليلة حافظت عليها وزارة الثقافة وفق المعايير والإمكانات. لكن من النادر إيجاد منزل أثري حافظ عليه مالكه، وحوّله من غير قصد إلى متحف ثقافي فنّي مميّز، كما أنّه اتّخذ إجراءات تمنع ورثته في المستقبل من بيع المنزل أو تشويه هويّته. منزل تطلّ مشارفه من برمانا على جزء كبير من الساحل اللبناني. بُنِي في الـ1865 على أساس فندق، شهد على أحداثٍ كثيرة، وزاره وسكنه العديد من الشخصيات التاريخية. وهو اليوم مُلكٌ للكاتب رمزي توفيق سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.منزل رمزي توفيق سلامة رابضٌ في منطقة برمانا في المتن منذ عهد المتصرفية، تدخل إليه اليوم لترى أنه يحمل جزءاً كبيراً من التاريخ بشكله وبنيته وبما يحويه. ممرات المنزل طويلة وسقفه عالٍ لأنه بُنِي كفندق في الأساس.

أجراس قديمة، «جران كبة»، محادل، ساعات، هواتف، مكتب، طاولات، أواني وأكسسوارات عاج، خزائن، أسلحة،... أغراض أثرية وقديمة كثيرة تملأ الطابق الأول من المنزل وتشكّل أثاثه.

ولا تخلو أيّ غرفة منه من مكتبة على طول الحائط من الأرض إلى السقف. لكنّ اللافت أنّ معظم هذه الأغراض لم يرثها الكاتب رمزي سلامة مع المنزل، بل هو مَن قام بِجمعها.

الحكاية من 1865

تمّ بناء هذا المنزل على أساس فندق صغير خلال عهد المتصرّفية بين سنتَي 1865 و1867 وتمّ تكبيره في مرحلة ثانية. كان فندقاً من الدرجة الأولى، وأُنشئ فيه أوّل ملعب تنيس خاص وما زال موجوداً لغاية اليوم.

يتألّف المنزل-الفندق من 3 طوابق إضافةً إلى قبو، مساحة كلّ طابقٍ منها ألف متر، ويبلغ طول «كوريدور» الطابق 50 متراً. وتضمّن الفندق 26 غرفة كبيرة قبل أن تمّ إقفاله نهائياً كفندق أواخر السبعينات.

بنى الفندق الألماني سلمولر الذي كان متواجداً في لبنان من أجل تأسيس فرعٍ للجمعية المسيحية «Quakers» أو «friends»، وكان متزوِّجاً من امرأة أثيويية. رُزِقت زوجة سلمولر بثلاث بنات، وأورث الوالد ابنته «فيغا» هذا الفندق، الذي عُرِف باسم «فندق سلمولر».

عام 1892 تمّ توسيع الفندق وتسميته «سيدرز أوتيل»، وبقي ملك السيدة فيغا ليتل لغاية عام 1953، حين اشتراه توفيق سلامة اللبناني المغترِب الذي يعمل في أفريقيا، ولم يسكنه بل تركه كفندق بإدارة أحد الأقارب.

وورث رمزي توفيق سلامة الفندق عن والده خلال الثمانينات، وأعاده كما كان في الأساس، فقد تمّ خلال مرور السنوات تجديد شكله كي يكون «مودرن».

شخصيات تاريخية... مرّت من هنا

نزل في الفندق شخصيات تاريخية مهمة، وذلك موثّق من خلال الدفاتر أو الصُور، منهم جمال باشا السفاح خلال حكم السلطنة العثمانية، الذي كان مارّاً من أمام الفندق فعلّقت «ميسز ليتل» علم ألمانيا على شرفة الفندق بما أنّ والدها ألماني رغم أنها متزوّجة من إنكليزي. فسأل جمال باشا عن سبب رفع علم ألمانيا (حليفة الدولة العثمانية في وجه «الحلفاء») فأخبروه، ومرّ ونزل في الفندق.

ومن خلال تلك الزيارة استطاعت السيدة «ليتل» التي كان يناديها أهل برمانا بـ»الست فيغا الانكليزية» أن تؤمّن من خلال وساطة جمال باشا رجوع شقيقتها بونفيس وزوجها بعدما كان الألمان قد قاموا بنفيهما إلى أورفا واحتلوا فندقهم، كما استطاعت تأمين التموين اللازم قبل بداية الحرب. وبعد الحرب العالمية الثانية كانت قد كبرت في السن وكان متراكماً عليها الكثير من الديون فاضطرت أن تبيع الفندق.

وحسب دفاتر الفندق، نزل في الفندق الجنرال شارل ديغول حين كان كوموندور، الكاتب الألماني الشهير كارل فريدريش ماي Karl Friedrich May الذي اشتُهِر بقصص الرحلات، وكتب أحد كتبه خلال تواجده في المنزل حوالى سنة 1890.

ومن الكتاب والشعراء الذين نزلوا في الفندق بولس سلامة 1965-1972، سعيد عقل وادوار صعب خلال السبعينات. وسكن رئيس الحكومة الراحل سامي الصلح لفترة في الفندق بعد ثورة 1958. وفي إحدى المرات حين كان صاعداً إلى برمانا من بيروت، تمّ وضع المتفجرات على أحد مفارق المكلس لاستهدافه، لكنها أصابت سيارة أخرى ما أدّى إلى وفاة العائلة المتواجدة في السيارة.

كما كان يتردّد إلى الفندق في الأربعينات، رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون والجنرال جميل لحود. ونزل في الفندق أواخر عام 1958 عدد من الضباط الأميركيين حين رسا أسطول أميركي على الشاطئ اللبناني.

أمّا قبو المنزل الحالي الممتلئ بالأغراض الأثرية القديمة وبالتحف فكان في الأساس اسطبلاً للخيل والعربات، وخلال الستينات تحوّل الاسطبل إلى ملهى «تروبادور»، وكان أهمّ ملهى ليلي خلال تلك الفترة في برمانا وقصدته شخصيات كثيرة، من بينها: العميد ريمون اده، فرقة «مسرح الساعة العاشرة»، ملكة جمال الكون جورجينا رزق، الفنان الياس الرحباني وغيرهم.

مكتبة فردية من 30 ألف كتاب

يكتب رمزي توفيق سلامة الروايات التاريخية باللغة الفرنسية ويهوى الرسم، وله 6 روايات ونحو 350 لوحة بعضها موجود في أوروبا. يقرأ كثيراً منذ صغره، والكتب الكثيرة التي يملكها تراكم عددها مع السنوات من دون قصد أو سابق تصوّر وتصميم، فكان يشتريها لقراءتها وليس لتجميعها أو بهدف ترتيب مكتبة. وفي فترات لاحقة، خلال الثمانينات قرّر إنشاء مكتبة وتكوينها كي تسمح له بإجراء الأبحاث من دون أن يُضطر أن يلجأ إلى مكتبات خارجية.

اشترى الكثير من الكتب من فرنسا ومن أناس يريدون رمي الكتب الموجودة في منازلهم، كما يملك مجموعات نادرة، فيمكن أن تجد في مكتبته الضخمة «المؤرشفة رقمياً» كتباً من أعوام 1860 و1870، كتاب ديني سرياني قديم جداً «مخيّط» وكتاب آخر مخطوط عمره حوالى 500 سنة، كتاب عن بعلبك من سنة 1748... الأرشيف الكامل لعدد من الصحف اللبنانية وغيرها.

ويقول رمزي توفيق سلامة لـ»الجمهورية»: «لم أكوّن المكتبة بهدف تجاري، وفي المستقبل سيُحافظ عليها أولادي ومن الممكن أن أبني مبنىً صغيراً خاصاً بها كي تصبح مكتبة عامة».

أما عن وجوب إدراج المنزل ضمن جردة وزارة الثقافة للبيوت التراثية، فيقول إنّ «وزارة الثقافة لم تسأل عن المنزل، وأنا بنفسي وبقرارٍ مني أدرجته كبيت تراثي من دون أن يدرجوه هم. فلن ينهدم هذا المنزل وأولادي مقتنعون بذلك، كما سأقوم بتدبيرٍ أو «سيستام» معيّن، يمنعهم من تغييره، فيمكنهم العيش فيه والاستفادة منه من دون بيعه أو تغيير هويّته أو هدمه». يتناول سلامة في رواياته تاريخ لبنان أما رسوماته فموضوعها كلّها الطبيعة، ويقول «عندما أكتب أتعب لأنني أصف الإنسان، عندما أرسم أرتاح لأنني أرسم الطبيعة، والطبيعة لا تكذب».

ساحة لشهداء المجاعة

يقوم رمزي سلامة حالياً بإعداد كتابين، الأوّل عن فترة المماليك والثاني عن فترة الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى. وعن اختياره هذا النوع الكتابي أي الرواية التاريخية يقول «التاريخ اللبناني غير دقيق لذلك اخترت هذا النوع الكتابي.

هناك مسايرة في التاريخ لتركيبة البلد والتركيبة السياسية. التاريخ لا ينقل الحقيقة، فمثلاً إنّ الفكرة السائدة عند الجميع عن سبب المجاعة الرئيس في لبنان خلال الحرب العالمية الأولى هي الجراد، إلّا أنّ التجويع كان مبرمَجاً وساهم به العثمانيون بحصارٍ بري والانكليز بحصارٍ بحري».

وفي هذا الإطار يعلن عن أخذ الموافقة من بلدية ومحافظ بيروت لوضع نصب على طريق الشام قرب السفارة الفرنسية، كتذكارٍ لشهداء المجاعة، بعد طلبٍ تقدّم به سلامة مع الجامعة اليسوعية، ويقول «لغاية اليوم لا تذكار لـ200 ألف شخص توفّوا خلال المجاعة».

النصب سيكون مبدئياً عبارة عن شجرة أوراقها ذابلة تحتها هياكل بشرية وعندما تتمّ إضاءتها تظهر وراءها كلمات تعبّر عن المجاعة.

  • شارك الخبر