hit counter script

مقالات مختارة - أنطوان العويط

أسمّي الشعب لا المجتمع المدني!

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 09:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أنطوان العويط

فيما يستعدّ اللبنانيون إلى ملاقاة جلسة انتخاب الرئيس بعد شغور كرسيّه لأكثر من سنتين، تتضارب المشاعر والقراءات لا حول الحدث على أهمّيته فحسب، بل في شأن المآل الذي وصلت إليه الجمهوريّة والوطن.
كثر سيهلّلون ولو اختلفت الأسباب. وكثر سيسخطون. إنها قواعد اللعبة في كلاسيكّية الربح والخسارة. إلا ان السؤال الأدهى يبقى ماذا عن الجمهورية وماذا عن الوطن؟
السؤال المطروح ليس بريئاً. ليس بهدف استيلاد الجدل الغريزي من ناحية أو دفن الرؤوس في الرمال للتعمية من ناحية أخرى. إنه سؤال محدّد، عابر ومتجاوز لحسابات الأشخاص والسياسات والأهواء، فيظل سهولة معيبة فيتناول موضوع الجمهورية الممرّغة بتراب مفرداتها "الوطنية" و "الدستورية" و" الميثاقية"، ولبنان الوطن – الفكرة الذي بات في الوجدان العام مرادفاً للصفقات والمصالح الصغيرة لاغير.
السؤال ليس بريئاً نعم، في الوقت عينه لا يتوجّه إطلاقاً إلى الطبقة السياسية القائمة وفواصلها، وقد أسقطت كافة المسلّمات. فها هي القيم تشهد مع هذه الطبقة انهيارات متتالية ومهزلة مهينة، بحيث تم طمس كل خط أحمر أمام الفجور البياني والمباشر والفاضح فيتنا ولقضايانا الوطنية واستحقاقاتها في سوق عرضها وطلبها.
السؤال موجّه إليك أيتها القارئة والقارئ، وإلى كل مواطنة ومواطن خارج كل توصيف وظيفيّ. أسباب الخوف على الجمهوريّة والوطن كثيرة، متنوّعة، خارجيّة وداخليّة، إقليميّة ودوليّة...وأيضا محلّية. ألم تتلمّسوا بعد غياب الرؤية وفقدان القادة، وسط هشاشة كيانية ووجودية بالشكل والجوهرالمعاشيْن بألم واحباط؟!

لا يخفى على أحد السبب الحقيقي الذي دفع بشعبنا إلى خسارة حضوره في الجمهوريّة التي نشأت من أجله. لربّما ضلّ شعبنا سبل الجمهوريّة ونسي جوهرها، فضاعت. ولربّما لميعد هنا كمن يهواها في العقل والروح والتدبير. جميعنا فرّطنا بالوزنات الكبرى التي سعى إليها رجالات عظام في تاريخنا الطويل. في تلك المظلّة المهيبة من السلام والانفتاح والابداع، والمحبة المحبة. وهي رسالة الوطن – الفكرة في ذاتها، ولذاتها، قبل أن تكون رسالة إلى الشرق والغرب معاً، بل إلى العالم أجمع.
فلماذا يتنكّر أهل لبنان لفكرةٍ كيانيّة مشرقة احتضنت يوماً هذه الأرض كلّها، جاعلة من سمائها سقفاً للحضور المادي والمعنوي لشعب حقّق التلاقي بين إرث الديانات السماوية، وبين قيم التجديد والانفتاح والحداثة؟!
هذا السؤال الكبير،هوالذي يتعين على شعبنا بالإجابة عنه، بوضوحٍ لا لبس فيه، ولاإبهام. لبنان الفكرة برمّته معني بهذه الإجابة.
وأسمّي الشعب، وأسمّي المواطن، وأتحاشى الإشارة إلى " المجتمع المدنيّ". أتعمّد الأمر بقسوة. لا تشفّياً، بل غصة وحرقة. الواقع إني أقول ذلك بالشغف والأمل. بالحلم المتطلّع إلى دور مفقود. فلا التنهدات تطعم خبزاً ولا الارتجال. لا النزول البريء والهزيل إلى الشارع أو ذاك المقرون بالشبهة. وبطبيعة الحال، لا التورًط في اللاشيء من أجل اللاشيء.
معادلة الشعب بسيطةٌ للغاية. لكنها في الآن نفسه جوهريةٌ وخطيرةٌ للغاية. أن يستعيد شعبنا المبادرة هو الجواب. ليس من دورٍله خارج هذا الدور. ولا خلاص له ولجمهوريته ووطنه إلا به.
وأقصد الشعب الذي استوطن الوهاد والوديان، وجعل الجبال سقوفه الشاهقة. الشعب الذي تعامل مع الطبيعة، فلاحةً وزرعاً، آخذاً من الصخر المفتَّت على يديه صلابةً،وعارفاً أنيرى في وجه هذه الأرض وجه الله.
وأقصد الشعب الذي برهن يوماً ان لبنان أكثرمن وطن. هو تجسيد متكامل لطريقة في الحياة وحباً لها. انه مفهوما لإبد اع ال لبناني، والمجازفة اللبنانية، والطموحات اللبنانية، والأناقة اللبنانية، وكلها في مزيجها الخاص ونكهتها المختلفة، كوّنت الحلم اللبناني.
وأقصد الشعب الذي، بين الأصالة والانفتاح، وبين التاريخ والحداثة، وبين الرومانسيّة والواقعيّة، كان جعل التميّز دربه والريادة طريقه والحرّية موطنه. الحرّية التي طاب لها أن تجد مبتغاها وملاعبها مع النسور، جاعلة من لبنان الوطن – الفكرة المكان الذي تطلبه روح الله لإقامتها.
لقد خرجت الطبقة السياسيةعلى هذا الدور، جاعلة شعبنا وجمهوريته ووطنه في ظلمة العالم. لقد أعمت الكثيرين منهم أمجاد الدنيا وفسادها المستطير، فأوقعوا شعبنا في الخطر الوجوديّ الكبير. شتّتته مال دسائس وأغوتهم شياطين الثروات والكراسي والمناصب والأمجاد. اندفعوا وراء صغائر متنكرين لحقيقتهم كلبنانيين. بُثّت الفرقة في صفوفهم، وكثرت الضغائن، فتفرقوا جماعاتٍ وشيعاً. ولاشيء يوقف إكمال هذا التي هال وطنيّ إلا الشعب.
فيا أيّها الشعب، من يجمع تشتّتك. من ينظّمه. من يرفده بالرؤية المدروسة والموضوعية والمتواضعة. ومن يقرنه بالاستراتيجية وآليات التنفيذ؟!
ويا أيّها الشعب، أنت لست بحاجة إلى انقلاب أو ثورة. فقط استعد المبادرة من خاطفيها. شكّل تلك القوة الطالعة من حالة لبنانيّة، مجتمعيّة وثقافيّة وأخلاقيّة، عامة، ووطنيّة، وصاحبة برنامج عمل مشترك مدنيّوديمقراطيّ.
وعندها، فلنسمّ هذه القوة ما شئت. مجتمع مدنيّ أو غيره. لا يهم. فقط استعد المبادرة.

  • شارك الخبر