hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - ربى منذر - الجمهورية

الحريري و«الخيار الصعب»: عون مرشحنا بعدما استنفدنا الخيارات

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ربى منذر - الجمهورية
ما انتظرته شريحة كبيرة من اللبنانيين لمدة سنتين ونصف السنة، فعله الرئيس سعد الحريري. فالأوراق خُلطت وخصم الأمس بات مرشح اليوم، بعدما دقّ ناقوس الخطر، وفرضت مخاطر الفراغ الرئاسي نفسها على الحريري، فقرّر بعد ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ثم رئيس توافقي وبعدها رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، اتخاذ الخيار الأصعب ودعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية على رغم اعتكاف بعض نواب كتلته من جهة، وما يتردّد عن رفض شعبي من جهة أخرى، لأنّه «بقي خيار واحد: العماد عون. هكذا بوضوح وبصراحة».غصَّ «بيت الوسط» أمس بنواب «المستقبل» وشخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية. وفيما حضر رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والوزيرين نهاد المشنوق ونبيل دو فريج، والنائبين محمد الصفدي وخالد الضاهر، كان النواب أحمد فتفت، عمار حوري، محمد قباني، ومعين المرعبي من أبرز الغائبين، على رغم بعض الهمسات التي تردّدت بين الحضور بأنّ الحريري طلب من جميع نوابه المشاركة حتى المعارضين منهم.

الحريري استهلّ كلمته باستعراض مخاطر الفراغ الرئاسي، واضعاً احتمالات ما كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليفعله لو كان مكانه في هذه الظروف، وقالها بكل وضوح إنّ عون كان آخر خياراته بعدما استنفد كل ما يملك من احتمالات مغايرة، موضحاً أنّ «خيارنا الأول، مرشّحنا الأول الدكتور سمير جعجع أو فخامة الرئيس أمين الجميّل أو أي ممثّل لـ«14 آذار»... لم يأت برئيس. خيارنا الثاني، مرشّح توافقي، وسطي، أيضاً لم يأت برئيس.

خيارنا الثالث: الوزير الصديق، لأنّه فعلاً بات صديقاً وسيبقى صديقاً بإذن الله، سليمان بك فرنجية، أيضاً لم يأت برئيس، فلا نصاب ولا أيّ محاولة حقيقية جرت من أيّ طرف غيرنا لانتخابه. بقيَ خيار واحد: العماد ميشال عون. هكذا بوضوح وبصراحة».

بخطوته أمس، رسَم الحريري الخطوة الأولى في مسار وصول عون إلى قصر بعبدا، خطوة لن تكتمل إلّا في جلسة 31 تشرين الأول بانتخابه رئيساً، خصوصاً أنها تواجه معارضين من الصف الأول، وفي مقدّمهم الرئيس نبيه برّي، مدعوماً من فرنجية والأحزاب القريبة من سوريا وبعض المستقلين، فيما لا يزال رئيس كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في «المنطقة الرمادية» مُبقياً الأمور مبهمة.

وفي وقت لم يستطع الحريري «أن يمون» على جميع نواب كتلته للحضور إلى «بيت الوسط» أمس، فكيف سيقنعهم بالتصويت لعون، بعدما جاهر أبرزهم بأنهم لن ينتخبوه رئيساً، ولم ينسوا بعد الحرب الضروس التي شُنّت في الماضي بين التيارَين وتكللت بكتاب «الافتراء في كتاب الابراء» الذي أصدره «المستقبل» رداً على «الابراء المستحيل» الذي كان التيار البرتقالي قد سبقه في نشره.

ولم يكد الحريري ينهي خطابه، حتى ارتفعت أصوات معترضة بدأت من «بيت الوسط»، أبرزها للسنيورة. فيما أعلن مكاري رفضه الصريح لعون، وأكد لـ«الجمهورية» أنّ «الورقة البيضاء هي تعبير عن الرأي، ونتمنى في حال فاز الجنرال عون تحقيق الأمور التي ذكرها الرئيس الحريري، وعندها لن نمانع في إبداء ندمنا على موقفنا، إلّا أننا لا نملك هذه القناعات، وأنا سأصوّت حسب قناعتي، أي ورقة بيضاء».

في المقابل، قال النائب سيرج طورسركيسيان لـ»الجمهورية» إنّ الحريري «أخذ الخطوة الاولى وأعتقد أنها صريحة وجريئة، ويجب البناء عليها». أمّا عن احتمال زيارة الحريري لبري، فقال: «بعد بكّير».

الحريري

وبعد سرد مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولاً إلى لحظة الفراغ الرئاسي ومبادرته بترشيح رئيس جعجع والحوار الأول مع عون وترشيح فرنجية. قال الحريري: «لا يكذّبنّ أحد على أحد ويقول إنّ أيّ حرب جديدة لا سمح الله هذه المرّة ستكون أرحم أو أسرع أو أقصر. يكفي أن نتطلّع من حولنا الى سوريا والعراق واليمن وليبيا، هذه البلاد التي صار أهلها لاجئين مشرّدين، إن لم يكونوا جثثاً عائمة على سطح البحر الأبيض المتوسط».

وشدّد على أنه «لو أردنا الإستسلام للغرائز وردات الفعل الهوجاء التي يتمنّاها ويراهن عليها خصومنا قبل المزايدين، لكنّا دخلنا في صدام أهلي دموي في 7 أيار 2008. لكنّي رفضت يومها كما أرفض اليوم حتى التفكير بمثل هذا الإحتمال».

وسأل: «هل فكّر أحد ماذا سيحصل بعد اشهر عدة عندما تجرى الانتخابات النيابية وتصبح الحكومة مستقيلة دستورياً، في غياب رئيس يقوم بالإستشارات ويكلف شخصاً بتشكيل حكومة جديدة؟ حينها نصبح بلا رئيس جمهورية وبلا حكومة، وماذا سيحصل لمجلس النواب عندما سيرفض نصف النواب في المجلس الجديد إذا لم يكن أكثر أن ينتخبوا رئيساً للمجلس قبل أن يتمكنوا من انتخاب رئيس لجمهوريّتهم؟ ماذا سيحدث حينها للجمهورية، بلا رئيس جمهورية ولا رئيس حكومة ولا رئيس لمجلس النواب؟ ماذا سيصبح بالدولة؟ بالمؤسسات؟ بالاقتصاد؟ بالأمن؟ بالناس؟».

ورأى الحريري أن «الحقيقة والواقعية والصراحة تفرض عليّ أن أقول لكم إنّ الخيارات اليوم ليست كثيرة. بقيَ خيار واحد: العماد ميشال عون. هكذا بوضوح وبصراحة. خصوصاً منذ ما تبنّى حلفاؤنا في «القوات اللبنانية» ترشيحه. لكنّ الأهم أنّنا نحن والعماد عون وصلنا في حوارنا أخيراً إلى مكان مشترك، إسمه الدولة والنظام.

هو لا يريد للدولة والنظام أن يسقطا، ولا نحن نريد لهما ذلك. واتفقنا بصراحة أنّ أحداً لن يطرح أيّ تعديل على النظام قبل إجماع وطني من جميع اللبنانيين على هذا الطرح». وأضاف: «هذا كلام ينطلق من إجماعنا الذي كتبناه في دستورنا، دستور «الطائف»، على أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربيّ الهوية والإنتماء، وأنّ جميع اللبنانيين يرفضون التجزئة والتقسيم والتوطين.

وفي حوارنا أيضاً وصلنا إلى اتفاق لإعادة إطلاق عجلة الدولة والمؤسسات ولإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد والخدمات الأساسية وفرص العمل، وفرصة الحياة الطبيعية للبنان واللبنانيين واللبنانيات. وأخيراً، وليس آخراً، وصلنا لإتفاق على تحييد دولتنا، الدولة اللبنانية، بالكامل عن الأزمة في سوريا. هذه أزمة نريد حماية بلدنا منها، وعزل دولتنا عنها، حتى إذا ما انتهت الأزمة واتّفق السوريون على نظامهم وبلدهم ودولتهم، نعود إلى علاقات طبيعية معها».

وقال: «بناءً على نقاط الإتفاق التي وصلنا إليها، أُعلن عن قراري تأييد ترشيح عون لرئاسة الجمهورية. هذا قرار نابع من ضرورة حماية لبنان وحماية النظام وحماية الدولة وحماية الناس، لكنّه مرة جديدة قرار يستند إلى إتفاق بأن نحافظ معاً على النظام ونقوّي الدولة ونعيد إطلاق الإقتصاد ونحيد أنفسنا عن الأزمة السورية»، لافتاً الى أنّ «هذا اتفاق يسمح لي أن أعلن تفاؤلي، بأنّنا بعد انتخاب رئيس الجمهورية، سنتمكّن من إعادة شبك أيدينا معاً لنقوم بإنجازات يفيد منها كلّ مواطن ومواطنة ولنُعزّز أمننا الداخلي ووحدتنا الوطنية في وجه كلّ الحرائق المشتعلة حولنا، ونعود لنجعل من لبنان نموذجاً للدولة الناجحة والعيش الواحد الحقيقي في منطقتنا والعالم».

وشدد على أنّ «العماد عون، وفق القواعد التي التقينا عليها مرشّح ليكون رئيساً لجميع اللبنانيين، وحارساً لسيادتهم وحريتهم واستقلالهم وخيارات الإجماع بينهم، لا خيارات الإنقسام، سواء جاءت من حليف له أو خصم إختار مواجهته.

وسيحرص، كما سنفعل نحن، على الانفتاح على كلّ القوى السياسية القادرة على دعم مسيرة بناء الدولة بمزيد من أسباب نجاحها»، موضحاً أنّ «ما نحن في صدده اليوم هو تسوية سياسية بكلّ معنى الكلمة.

لكنّني لن أختبئ خلف إصبعي، فأنا أعلم أنّ الكثير منكم غير مقتنع بما أقوم به، وبعضكم خائف من مخاطره عليّ، شخصياً وسياسياً، ويُشكّك، بناءً على تجارب الماضي، في نوايا «حزب الله» الحقيقية بعد إعلاني هذا، ويقول لي: هذه ليست تسوية، هذه تضحية بشخصك، بشعبيّتك، وربما بأصوات ناخبين لك في الانتخابات النيابية المقبلة».

وقد أكد الحريري أنها «مخاطرة سياسية كبرى، لكنني مستعدّ أن أخاطر بنفسي وبشعبيّتي وبمستقبلي السياسي ألف مرّة لأحميكم جميعاً، ولست مستعدّاً لأخاطر مرة واحدة بأيّ واحد منكم لأحمي نفسي أو شعبيّتي أو مستقبلي السياسي. نحن جميعاً، أنتم وأنا وكلّ واحد يقول: «لبنان أولاً»، وهو يعني ذلك! «لبنان أولاً» يعني لبنان أولاً، وليس سعد الحريري أولاً، يعني اللبنانيين واللبنانيات أولاً، وليس تيار «المستقبل» أولاً، يعني كرامة المواطنين أولاً ولقمة عيشهم أولاً وأمنهم واستقرارهم أولاً ومستقبل أولادهم أولاً، وحماية الدولة والنظام أولاً، وحماية لبنان... أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً».

وأشار الحريري الى «أنني أخاطر من دون أيّ خوف، لأنّ خوفي الوحيد هو على لبنان، عليكم أنتم، على مستقبل أولادنا. ولو كان هدفي الشعبيّة لكان الأمر أسهل بكثير أرفع صوتي، وألوّح بإصبعي وأحقن الشارع، بالتحريض الطائفي والمذهبي الرخيص»، مؤكّداً أنها «لن تكون المرة الأولى ولا الأخيرة التي نفتدي فيها الوطن والدولة والاستقرار بمصلحتنا السياسية والشعبية.

سنسمع المزايدين قبل الخصوم يقولون: أيضاً تضحية جديدة. ولكن نحن في كلّ مرّة ضحّينا من أجل الدولة والنظام والوطن والناس، لم نسأل إلّا عن رضا الله وتركنا الحكم للتاريخ علينا.

بوصلتنا أنّ التاريخ والشعب اللبناني أنصفا الرئيس الشهيد رفيق الحريري على كلّ تضحياته وصولاً إلى أكبرها وآخرها لأجل الوطن. وعندما تكون نجل الذي ضحّى بحياته من أجل وطنه وشعبه، لا تسأل عن ثمن التضحيات، مهما كبرت أو كثرت».

ومساء، زار الحريري ضريح والده وضريح اللواء الشهيد وسام الحسن وأضرحة رفاقهما الشهداء، وقرأ الفاتحة عن أرواحهم.

  • شارك الخبر