hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - القاضي سهيل عبود - مدير معهد القضاء في لبنان

إخترت أن أكون قاضياً...

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كلمة بمناسبة احتفال قسم اليمين لستة قضاة انهوا تدرجهم في معهد القضاء، واصبحوا قضاة اصيلين.

أيها القضاةُ المتخرجون،
آثرتُ أن ابدأَ كلمتي، لا بتهنئةٍ تقليديةٍ تستحقونَها عن جدارةٍ، بل بعبارةٍ تتوافقُ مع مبادىءَ تحمِلونَها، ومع آمالٍ كبارٍ نعلِقُها عليكُم. فحوى العبارة، أَن القاضي عندما يحكمُ في الناس، فهوَ يحكُم على نفسِه ايضاً، فاذا كانَ الحُكمُ صائباً، كان قاضياً عادِلاً، واذا كان الحُكم غيرَ صائبٍ، كان قاضياً غير عادِلٍ، واقتناعي، واعتقادي، انكم ستكونون جميعاً من العادلين الصالحين. تلك هي تهنئتي لكُم، مزيجُ حقائقَ وأُمنيات.
وبعد،
أيها القضاةُ المتخرجون،
بعدَ ثلاثِ سنواتٍ من التدرجِ، والجُهد، والعملِ الدؤوب،
وفي هذا الزمنِ المُثقل بالرداءة،
زمنِ الفوضى، والفسادِ، والأزمات المتعاقبة،
زمنِ التساؤلِ الوجوديِ، عن بقاءِ وطنٍ أو ضَياعِه،
زمنِ شللِ مُعظمِ المؤسساتِ،
زمنِ الأزماتِ في كُلِ السلطات،
يُفترضُ بكل واحدٍ منكم أَن يعودَ الى ذاته، طارحاً على نفسه، في هذه المرحلةِ الجديدة من حياتِه جُملةَ اسئلةٍ هي :
هل كنتُ على حقٍ، وعلى صوابٍ، عندما اخترتُ ان اكون قاضياً؟ وهل حققَ القضاءُ ما كنتُ اصبو اليه، عندما بدأتُ التدرجَ، واثناءَه، وعندَ انتهائِه؟
وهل أَنني اريدُ حقيقةً وفعلاً، ممارسةَ مهامي القضائيةِ بكلِ استقلاليةٍ وتجرُدٍ وعدمِ ارتهان؟
وعندَ تحقُقِ هذه الأرادةِ، هل انا قادرٌ على هذه الممارسةِ في وطني لبنان؟
اسمحوا لي أن اُجيبَ عنكم، وباسم كلِ واحد منكم، بأنني عندما اخترتُ القضاءَ، فاِنني اخترتُ مِهنةً ساميةً وصعبة، واِن للصعوباتِ اثماناً، يُفترضُ تسديدُها وتجاوزُها،
لكنني ربِحتُ بالمقابل ِأحساساً انسانياً مُميزاً، متمثلاً في تحقيقِ العدالة ِورفعِ الظُلم، وفي البُعدِ عن العمل الروتيني، مع رَغبةٍ في الأستزادةِ العلميةِ، مترافقةٍ مع وجود انساني فاعلٍ في المُجتمع، ومُتفاعِلٍ معه.
واُضيفُ باسم كلِ واحدٍ منكم، أَن ارادتي في الأستقلاليةِ الحق، بدأت منذ اليومِ الأول لتعييني قاضياً متدرجاً، وستُرافِقُني في مراحلِ حياتي القضائيةِ المختلفة، من خلال التقيدِ بمُوجباتِ القضاءِ وسلوكياتِه،
واُضيف ُباسم كل ِواحدٍ منكم ايضاً، إن استقلاليةَ ممارستي لمهامي القضائيةِ في لبنان، ستكونُ مبنيةً على التزامي وقسمي، امام محكمةِ الحقِ والضمير،
بأن اكونَ حرا، وغيرَ تابعٍ لأي مرجعيةٍ، سياسيةٍ كانت، ام دينيةٍ ام حزبية...
وأن اقومَ بمهامي القضائيةِ بعلمٍ ونشاط، ودون محاباةٍ أو تأخير،
وأن ارتضيَ، امكانيةَ عدمِ مكافأتي على عملي، كما يجب، وعدمِ تحقيقِ كُلِ طموحاتي المحقة،
وأن أعتبرَ القضاءَ غايةً بحدِ ذاتِه، لا ممراً الى مناصبَ سياسيةٍ أو ادارية...
وأن أكونَ متسلحاً بقُدرةٍ ويقينٍ على مجابهة الخطأ، ولو كانت الأكثريةُ على خطأ، والأقليةُ على صَواب،
وأن أُعليَ الجانبَ الأنساني في عملي، مع اعطائِه ابعادَه المطلوبة.
وبالنتيجة،
انتم، وانتم فقط اصحابُ القرار، وانتم مَن وقفَ واقسم والتزم،
فلا تكونوا رماديين أومُحبطين أو يائسين،
فالمجتمعاتُ الأنسانيةُ جميعُها مرت بفتراتِ انحطاطِ وتشرذم وانقسامات،
وتبقى قِلةٌ مؤمنةٌ بالنجاح ومتسلحةٌ بالأمل، دونَ أن تُتَهمَ بمحاربةِ طواحينِ الهواء،
فلنكن من بينِ هذه القِلةِ، لكي يليقَ القضاءُ بنا، ونليقَ به،
ولتنعكسَ ثقتُنا بانفُسِنا، على ثقة مجتمعِنا بنا. ولنَعتبرَ ايضاً، اَن لا مكانَ لتطبيقِ مفهومِ النسبية في القضاء، فإما اَن تكونَ قاضيا نزيهاً ومستقلاً، او لا تكون قاضياً، فلا وجودَ لنزاهةٍ نسبيةٍ، أو فسادٍ مع تحفظ، ويقيني انكُم ستكونون من المستقلين النزيهين.

و اخيراً، وبعد،
عندَ وداعِ كلِ مرحلةٍ، تبقى الذكرياتُ،
ينظرُ المهندسُ الى الوراءِ فخوراً بما بناه،
ينظر الزارعُ الى الوراءِ، فيحلو الحَصاد،
ينظر المعلم والأستاذ الى الوراء، فيزهو بابنائه، ففي كلِ واحدٍ منهم جزءٌمنه، وفي كلِ جُزءٍ منه لمحاتٌ منهم،
ماذا نأخذُ وماذا يبقى؟
تبقى الذكرياتُ والأعمالُ، وحُسنُ مرافقةِ الضمير، الذي لا يتخلى عنا ولا نتخلى عنه ابداً.
زملائي الجُدد وابنائي، لقد شرفني لقائي معكُم في مرحلةٍ من مراحلِ ادارتي لمعهد القضاء.
عِشتُم، عاشَ معهدُ القضاء رائداٌ متجدداً، عاشَ القضاءُ اللبناني حراً مستقلاً، عاش لبنان.
 

القاضي سهيل عبود - مدير معهد القضاء في لبنان

  • شارك الخبر