hit counter script

- نسرين بلوط - الجمهورية

"وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية": إعترافات الضمير الحي

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 06:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نسرين بلوط - الجمهورية
قد يستطيع الكاتب أن يسَيّس الأدب، ولكن هل يستطيع أن يؤدِّب السياسة؟ وتأديب السياسة ليس بمعنى إحالتها الى اللغة العربية لتنقيحها وبَهرجتها وترميم جُملها، بل المقصود به هو تأديب مسارها واختلالها المصرّ على مشاكسة عقول الناس البسيطة منها بل الذكيّة أيضاً... فأيّ مستحيل هذا! وأيّ جهد لا مردود منه!نبيل المقدم في كتابه «وجوه وأسرار من الحرب اللبنانيّة»، والصادر عن دار نلسن، حاول أن يبسّط لنا ما هو معقّد من خلايا الدماغ اللامرئية للسياسة. هناك الكثير ممّا خُفي أو توارى وراء تجاعيد متهدّلة من تاريخ الحرب الآثمة في لبنان، فقام هو بدور نبش خطوطها الدقيقة وقدّمها اعترافات صاعقة.

ذاكرة الحدث

الكاتب هنا لم يكن في موقع المسيّس أو المؤدّب، بل في موقع الناقل فقط لا غير، رغم أنّ هناك بعض الحقائق التي قد تكون ناقصة أو مبتورة إلى حدّ ما حسبما انتقد البعض، ولكن هل دسّ الكاتب يداً خفيّة ليغربل بعض الأحداث ويساهم في إبراز رأيه من دون قصد منه؟ وهل كان المقصود هو الحقيقة المجرّدة أم أنّه في لاوعيه بثّ بعض الرياح المعاكسة حتى تُحوّر جزءاً ولو صغيراً من ذاكرة الحدث؟

الكاتب يشدّد بأنّه يمتلك تسجيلات صوتيّة، هي بمثابة اعترافات تطبّق على عنق كلّ من يحاول التنديد بها، ولكن الصوت قد يخون صاحبه في أحيان كثيرة وينطق بالمعنى الذي يصدره اللسان ولا تصدحه الحقيقة.

لقد تناول نبيل المقدّم شخصيات من النخبة، أدّت دوراً بارزاً في الحرب اللبنانية وفي بلورة أحداثها. من القادة العسكريين: ابراهيم طنوس، نبيل قريطم، لطفي جابر، فهيم الحاج، أحمد الخطيب، شريف فياض، رياض تقي الدين، انطوان الدحداح، هشام جابر. ومن قادة الحزب: اسعد شفتري، فؤاد ابو ناضر، رياض رعد، شارل غسطين. ومن أهل السياسة: جوزف الهاشم، عصام نعمان، وعمر مسيكة.

الظاهر في الكتاب أنّ من صرّح فيه ورَوى، قد أفرغ ذاكرته في وعاء الإعتراف ورسم وجه الحرب مرآة لرؤيته، فجاءت عفويّة صادقة.

وصف الشخصيات

الملفت في وصفه لتلك الشخصيّات الحاضرة، مقدّمته عن العميد الركن د. هشام جابر عندما وصفه بـ»الحاضر في أضواء العسكر وظلال السياسة».

جابر الذي تأثر في طفولته بشخصية انطون سعادة، وتكدّر أشدّ الكدر لخبر اغتيال الرئيس رياض الصلح، نشأ ليكون جادّاً في قراراته، يعطي الوزن لآرائه، ويؤمن بأنّ سمعة الإنسان هي الحياة. وبرأيه، يكمن الشموخ بذاتيته بأنّه لم يلوّث يديه يوماً بدم الأبرياء.... ونأى عن عالم المازوخية الدامي.

ثمّ لا يلبث أن يؤجّج نبيل المقدم فضول القارئ بمقدّمته عن «أسعد شفتري» الذي اختصر كلّ ذكرياته الأليمة بكلمات حارقة: «رائحة الموت ما زالت ترافقني حتى اليوم».

وهنا لا يمكن أن نستعرض كتابات دوستويفسكي أو نيتشه عن الجريمة وأسبابها والفلسفة الوجودية لها. فكما قلنا، نحن لا نستطيع أن نؤدّب السياسة، بل نستعرض فصولها. فكما جرفتنا إلى القاع الدامسة من الهلع والحروب، نستطيع أن نجرفها «ذهنيّاً» إلى قاع الخطيئة الكبرى.

وعندما يأتي الكاتب عند ذكر «جوزف الهاشم»، السياسي والشاعر أيضاً، يرتكز قوام كلامه عن تأثّره العميق بالإمام علي بن أبي طالب، لأنّه بدوره مزج الأدب بالسياسة، والفكر بالفلسفة.

كتاب «وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية»، تهدّج بأصوات أبطاله الذين باحوا بما استطاعوا... ولكن تبقى هناك خفايا كثيرة، تضجّ بها صدورهم، لأنّ الإنسانيّة تطغى أحياناً على السياسة، والروح في آخر مطافها ترسو على ميناء الضمير فقط لا غير. فهي من الضمير وإلى الضمير تعود.

  • شارك الخبر