hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - احمد زين

المشاركة بانتخاب الرئيس خيار أم إلزام؟

السبت ١٥ تشرين الأول ٢٠١٦ - 07:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير
لا يزال جمع شمل النواب في قاعة الجلسات لانتخاب رئيس الجمهورية متعذراً، رغم التداعيات الخطيرة الناجمة عن عصيانهم متذرعين بأن النائب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز ربط وكالته هذه بقيد أو شرط من قبل منتخبيه، كما جاء في المادة 27 ـ دستور وبحصانة نيابية تسمح لهم بالإقدام على ما يريدون ويشاؤون باستثناء التلبس بالجريمة.
فهل خيار «تصغير» النواب لصلاحياتهم كما هو حاصل اليوم ينطبق على ما جاء في الدستور؟
بصرف النظر عن مفهوم التمثيل النيابي، يتبين ان المشترع الدستوري قد أشار إلى حق النائب بالتغيب عن الجلسات العامة، فعندما نص في المادة 34 على ان اجتماع المجلس لا يكون قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه، فبهذا النص يكون قد افسح في المجال ضمناً لتمكن النائب من التغيب عن حضور الجلسات.
هذا يعني ان الدستور لم يترك مسألة عدم المشاركة في الجلسات من دون أحكام، بدليل ان المشترع لم يأخذ بشرط وجوب توافر الأكثرية لانعقاد الجلسة في كل ماهيات الجلسات إذ قال باستثناءات، وبالتالي فإن مفاعيل المادة 34 ليست عامة، مثال ذلك ما جاء في المادة 49 ـ دستور الذي فرض انتخاب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين وبالتالي وتلقائياً يكون النصاب لجلسة الانتخاب الثلثين على الأقل.
انطلاقاً من المعطيات السابقة، يمكن التوقف عند المادتين 73 و74 ـ دستور وأول ما يلفت النظر فيهما انهما مندرجتان في الفصل الأول الذي حمل عنوان «انتخاب رئيس الجمهورية»، وما يلفت النظر في ذلك ان المشترع قد تجنب أي ذكر بالأرقام للعدد الذي يجب توافره لانعقاد الجلسة رغم ان الفصل بكامله يتعلق بعملية انتخابية، فهل قصد المشترع من ذلك اعتماد المادة 34 أو المادة 49؟ وما قصده من ذلك «التجاهل» يا ترى؟
بصرف النظر عن النواحي الشكلية وبعض المبادئ الدستورية التي يمكن تناولها في مثل التساؤل المطروح، فإن المادة 73 حددت موعد اجراء الانتخاب بدعوة من «رئيس المجلس قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل وشهرين على الأكثر». أما إذا لم يَدعُ رئيسُ المجلس، فقالت: «ان المجلس يجتمع ـ في مثل هذا الاحتمال ـ حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس». ولم يأتِ على ذكر المادة 49، انما خاطب النواب مباشرة بضرورة «الاجتماع حكماً» في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية.
وتتكامل نية المشترع هذه بما جاء في المادة 74 التي استبدلت النصاب المطلوب لعقد الجلسة بمخاطبة المجلس وليس النواب أو رئيسهم كما جاء في المادة 49 فنصت على التالي: «إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون ومن دون دعوة من رئيسه» المنوط به حصراً الدعوة لعقد الجلسات. وهو ما يشير إلى ان المشاركة في جلسة الانتخاب لا تخضع لخيار ولا لأحكام أخرى جاءت في النصوص الدستورية. وهذا لا يمس بتمثيل النائب للأمة جمعاء ولا بمنع ربط وكالته بقيد أو شرط، باعتبار انه يجري عملاً باحكام الدستور ولا يخرق صلاحيات احد، وإذا حصل ذلك فيكون استثناء يحصنه النص ودائماً عندما تصادر المهام من المعنيين بممارستها يسقط التمثيل ذاته كونه لا يعود من مبرر له بشهادة أصحابه.
يتبين من تلك المقاربات ان الدستور لم يترك للنواب اللجوء إلى خياراتهم في التعامل مع نصاب الجلسات، فأولاهم هامشاً يلجأون به إلى خياراتهم التي لا يدخل فيها ما أشار إليه الدستور عندما خاطب المجلس وبتشديد على اجراء الانتخاب؛ فما معنى ان ينص الدستور على «الاجتماع حكماً» في وقت حدده هو بوضوح أو ان «يجتمع المجلس فوراً»؟ أليس في ذلك استثناء للنصوص الأخرى التي تعتبر أقوى ما استثنيت منه وفق أصول التفسير؟ فلماذا التمسك بنص يولي النائب وكالة عن الأمة وعدم جواز ربط وكالته بقيد في الوقت الذي لا يتمسك فيه نواب امتنا بنصوص دستورية واضحة لا تقبل لبساً بعد ان عمد المشترع إلى الخروج عن المادة 49 في المادتين 73 و74. أليس من معنى لهذا الخروج يا ترى؟
نعم هناك من هو متهم بخرق الدستور عندما تتعطل جلسات مجلس النواب وصلاحياته لأي سبب كان، ففي هذا وما يجري على مستوى انتخاب الرئيس قضاء على «التمثيل» وبالتالي «الوكالة»، والأمة لم توكل أحدا من أجل القضاء على المجلس الذي لا يتبلور «التمثيل» إلا في داخله وعندما تنتفي الاعمال يسقط التمثيل ولا يعود من مبرر له، فلا أحد يوكل لآخر ضرب عنقه بالسكين. ان التمثيل يكون بتفويض الاختيار، وعندما تنعدم إمكانية ذلك، تصبح الأمة جمعاء من دون تمثيل. 

  • شارك الخبر