hit counter script

أخبار محليّة

الراعي: للعيش في أنوار الحقيقة والأمل رغم كل شيء

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 18:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

رعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي لقاء عن كتاب "وسط الفوضى: مقاومة مسيحي في الشرق"، للكاتبة الفرنسية ايزابيل ديلمان، نظمته جامعة سيدة اللويزة ومكتبة انطوان في قاعة عصام فارس في حرم الجامعة - زوق مصبح، في حضور العميد بيارو سليمان ممثلا الرئيس العماد ميشال سليمان، روجيه عازار ممثلا رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب العماد ميشال عون، وزير العمل سجعان قزي، النائب جان اوغاسابيان، جان العلم ممثلا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الوزراء السابقين سليم الصايغ وليلى الصلح حماده ومروان شربل، العميد الركن علي حسن ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، والمطارنة بولس عبد الساتر، طانيوس الخوري، حنا علوان، بولس روحانا، سمعان عطاالله وجوزف نفاع، رئيس اساقفة كينشاسا الكونغو الكاردينال لوران موزينغا، الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الأباتي بطرس طربيه، رئيس جامعة اللويزة الأب وليد موسى، نائب رئيس الجامعة سهيل مطر، مجلس المدبرين، رئيس مجلس ادارة مكتبة انطوان سامي نوفل، المستشار الإعلامي في القصر الجمهوري رفيق شلالا، السيدة منى الهراوي، السفير شربل اسطفان ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات وفاعليات.

استهل اللقاء بالنشيد الوطني، القى بعده رئيس الجامعة الأب موسى كلمة اشار فيها الى انه "على الرغم من عيشنا جميعا، في وسط الفوضى، ورغم الأزمة التي تعصف بنا، والحرائق التي تلتهب في جوارنا، ورغم الشلل والفراغ، ها نحن مع رجل يقاوم: إنه غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. سيدنا، لن أرحب بكم، فنحن كلنا في بيتكم. هذا البيت هو البيت الذي أسستم، منذ أكثر من 38 سنة. وها هو اليوم، بشفاعة مريم، وبفضل الخميرة التي سكبتم في أرضه، وببركة رهبانيتنا المارونية المريمية، يقاوم. هو أيضا، يا صاحب الغبطة والنيافة، يتابع طريقكم في المقاومة: مقاومة الجهل والتخلف والفساد والانحطاط".

وأضاف: "اليوم، نحن في حضرة كتاب جديد، يختصر شخصية بطريركنا العظيم بأبعادها المتعددة، روحية ووطنية وثقافية. إنه، كتاب تاريخي موسوعي يقدم صورة متكاملة عن أوضاع مسيحيي الشرق، وعن تطلعات أبينا البطريرك، وعن المقاومة التي تستند الى الموقف، لا الى السلاح، والى الإيمان، ولا الى السياسة".

بعدها القت الكاتبة ديلمان كلمة قالت فيها: "لم اكن اعلم وانا احضر مداخلتي لهذا المساء، ان القراءات البيبلية لليتورجيا المارونية تتحدث في هذا الوقت عن مرحلة انتهاء الأزمنة. انها مرحلة الآلام والخوف والارتباك والضياع والقسوة. انه وقت طويل من الفوضى التي وجدنا فيها. وقت الحروب حيث نقف في مواجهة بعضنا البعض وحيث الكره ينتصر. وقت يقول لنا فيه الكتاب المقدس ان الحب يبرد في كل مكان".

وأضافت: "لقد وجدت في انجيل متى الذي تمت قراءته يوم الأحد الماضي تناغما تاما مع العنوان الذي اخترته لكتابي والذي تضمن عددا من المقابلات مع صاحب الغبطة: "في قلب الفوضى"، هذه الفوضى التي وجدنا فيها، او ليس هذا وقت الآلام، ووقت حمل الصليب؟. ولكن هذا الوقت وقت النهاية، هو ايضا وقت البداية ووقت الزرع. ومن هم متيقظون قد فهموه فعلا".

وتابعت: "في مساري، هناك بالتأكيد خيارات علي اتخاذها يوميا: خيارات ملحة، وخيارات اخلاقية، بالطبع: اخلاقية العمل واخلاقية المسؤولية. منذ ثلاثين عاما، ويوما بعد يوم، وانا ازاول هذه المهنة التي هي اقرب الى "المراسلة الخاصة"، لأنني متأكدة أن الروح القدس موجود في كل مكان وهو يقودنا على طريقنا المهني، والخاص والروحي. ومنذ ثلاثين سنة وانا اعمل لكي تسمع الاصوات التي تحمل رسالة قوية. وبدءا من الأم تريزا التي لم تكن قد اعلنت قديسة بعد، والتي التقيتها في ايلول عام 1986 في مانيلا في الفيليبين، والتي كانت تكافح بضراوة من اجل اعادة الكرامة لافقر الفقراء، وللمتروكين الى جانب الطرقات والى اولئك الذين تحولتم الحياة بالنسبة اليهم مجرد تكية ينتظرون فيها الموت، وصولا الى الدالاي لاما الذي وجدته -قبل ان ينال جائزة نوبل - في ليماشال براديش شمالي الهند، هذا المكان الذي قدمه له نيهرو بعد نفيه خارج التيبت سنة 1959. حيث تقاسمت ثلاثة اسابيع من حياة هذا الراهب البوذي، الدالاي لاما الرابع عشر، تينزين غينتزو "بحر الحكمة" وكنت محاطة من قبل حكومته في المنفى واقاربه: ابنة اخته، وشقيقته جيتسن بيما. ولقد تم الترحيب بي وكأنني من العائلة البوذية الكبيرة، إلا أنني لم أصبح بودية لأنه كما قال الدالاي لاما نفسه خلال مقابلاتنا، وهو الذي يرفض اي تبشير، "لماذا علينا البحث خارج الإرث الروحي لإيماننا الأصيل؟".

وقال: "كذلك حققت لقاءات مع زعماء روحيين، وايضا مع زعماء سياسيين، غامضين أحيانا. وأستعيد بالذاكرة تحديدا معمر القذافي الذي قابلته في طرابلس في حزيران من العام 2000. لقد قابلته تحت خيمته بعد ايام طويلة من الإنتظار وسط صمت جليدي ساد ثكنة باب العزيزية حيث وجهت فيها مدافع الدبابات نحو السماء. لقد كان عنده هو ايضا اشياء يقولها عن بلده، ليبيا التي تخضع لحصارغربي منذ سنوات طويلة. لقد كانت المقابلة الأولى التي يجريها منذ عشرين سنة مع وسيلة اعلامية فرنسية كبيرة. وعندما تصافحنا لأول مرة، وهذه هي المرة الأولى التي اقول فيها هذا الكلام، شعرت في نظرته المشتعلة كنظرة الجمل الهرم، هو رجل الصحراء المحاط بحارسات مسلحات وكأنه يقول لي "انك تحت نظري" واجبته بنظرة متبادلة "انني لست بخائفة". وكمحترفة وهذا ما اتمنى ان اصل اليه، وبعدما شذبتني عدة مواقف، اعلم انه يجب علينا معرفة كيفية المواجهة بقليل من الشجاعة وبنظرة معينة وتحدي معين... من دون ان ننسى ابدا اليقظة الضرورية والا نستبعد الوضوح.

ولقول الحق، فإن شخصية زعيم الجمهورية العربية الليبية أقرب الى اللون الرمادي الداكن منها الى الشفافية التي تميز غبطة بطريرككم الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي. وفي خلال اللقاء، وكما نعلم جميعنا، نحن نشعر بكل جنب من هذه اللحظة، ولا سيما في الثواني الأولى... ولكن بالنسبة الى البطريرك، فلقد بدأت تباعا الشعور بالحضور، والوضوح لإنسان سأفهم في ما بعد انه هذه الذرة التي اصبحت رجل الله. ان الاستقامة تتدفق على وجهه والطيبة حاضرة بقوة في نظرته وارادته حديدية بامتياز. وبعد... متمكن جدا، وعميق جدا، أشبه بسر، لب قاس لعمق داخلي كثيف عليي الوصول اليه.
وهنا اقدم لكم اعترافا ثانيا. اليوم الأول من وصولي ظننت انني لن اصل الى هدفي لما يحمل غبطته من عمق متماسك. فما من تواصل ممكن وعميق من دون الدخول الى الباطن كبير، وإلا فإننا سنقع في ما هو مبتذل، الثرثرة والقاء الكلام، فنطفو ولا نغوص. ان اخلاقيات المسؤولية، مطلب مرتبط بنعمة العاطفة التي لولاها - وكما قال لي يوما التاريخي الكبير جورج دوبي- لا يوجد نقل. وللصدفة، ومع البطريرك، وفي عالم نعرف جميعنا انه يأخذ غالبا شكل الكذبة الكبيرة، حظيت بفرصة ليس ان اتقاسم الوقت مع احد اكبر اساقفة الكنيسة الكاثوليكية في الشرق ولكن ان اتقاسمه مع شخص صادق جعلته حياته شبه الرهبانية وابعاده التأملية رجل الواجهة".

وأضافت ديلمان: "إن البطريرك بروحانيته وثقافته العميقة، ومعرفته لواقع الأرض، تدعمهم حركة ديبلوماسية كثيفة حول العالم في خدمة السلام، يشكل جزءا من حفنة هؤلاء الرجال والنساء الذين، لأنهم اصحاب رؤية بعيدة، فهم من النادر ان يكونوا انبياء في وطنهم، يدفعون بالإنسانية قدما وهم يرفعونها من قلب الفوضى التي تهدد على الدوام كل مكان. ان قوة البطريرك الخاصة هي في ان يكون رجل ايمان صلب في الشرق، يشير الى حضور المسيحيين، حضورهم مع المسلمين، والى وجود لبنان على الساحة الدولية. وهو اينما وجد يجسد هذا التعايش الديني الإجتماعي الإسلامي المسيحي الفريد. اما ما يزعج البعض فهو ان البطريرك في حديثه يجسد ومن دون كلل - وهذا ما تأكدت منه في خلال الأسابيع الطويلة التي واكبته فيها- يجسد بشكل ملموس ما عبر عنه الأديب الروسي سولجينتسين بشجاعة قائلا: "إذا استبدلت الحقيقة بالصمت، فعندها يتحول الصمت الى كذبة".

وتابعت: "لقد سمعت النقاد طبعا، والانتقادات من كل نوع. لقد رأيت وجوها متجهمة. مهما حصل، انا احيي كل من حاول تخفيف عزيمتي لإتمام هذا العمل، لأنهم زادوني قوة. لكل واحد الحق في التعبير عن عدم موافقته ما دام لم يتجاوز عتبة تشويه السمعة. كثيرون ممن يعرفون البطريرك وقرأوا الكتاب قالوا لي إنهم تعرفوا الى غبطته اكثر وفهموه أكثر، وبعضهم أحبه أكثر. نحن في الغرب لدينا نزعة التحدث عن مسيحيي الشرق وكأنهم يشكلون فئة خاصة، اقلية، او حتى قبيلة غريبة، متناسين تماما معنى "الخميرة في العجين"، مع اننا اخوة من المهد نفسه، ونحن جميعنا مسيحيو الشرق.

إن شهادة البطريرك الراعي هي ذات اهمية قصوى بالنسبة الى أوروبا التي تشهد تمركز وتطرف الإسلام. لقد رأيت وسمعت هذا في خلال توقيعي للكتاب وتقديمي الإهداءات في فرنسا حيث هناك ترقب وتساؤلات مقلقة وحاجة الى ايجاد مفاتيح للفهم، وهذا ما يقدمه هذا الكتاب. اما بالنسبة الى الشرق الأوسط فلا يمكننا ان نستخلص سوى ان تحليل البطريرك منذ انتخابه في آذار 2011 تأكد بشكل قاطع".

وختمت ديلمان: "لم يفتكم واقع انني امرأة، بالتأكيد شجاعة، حازمة وملتزمة ولكنني لست راهبة. ولم انسى ابدا مقولة الكاتب هنري ميلر " كل انسان على طريق الرسامة". لا اتحدث العربية للاسف، ليس بعد، ولا السريانية، ولكن في الليتورجيا المارونية احب كثيرا هذه الحركة البطيئة التي يرسمها الكاهن بيديه قبل جمع الصدقات عندما يحيط بالكأس بيديه الإثنتين ويرفعهما مرارا كحركة حب تحمي قبل الإرتفاع. هكذا تحديدا يمكننا نحن سواء كنا مكرسين او لا ان نعتني ببعضنا البعض. بالإحاطة بالعاطفة وحماية من الوحشية والقسوة لكي نرتفع بشكل افضل ولا سيما من خلال حياتنا المهنية".

ثم القى الدكتور كريستيان لوشون، الباحث الفرنسي المتخصص في أوضاع الشرق ومسيحيي المنطقة، كلمة قال فيها: "ان هذا الكتاب الذي توقعه اليوم السيدة ديلمان هو رائع. إنها إمرأة قريبة من الشرق الأوسط. صاحب الغبطة أنتم البطريرك ال77 منذ وفاة البطريرك الأول مار يوحنا مارون عام 686، إنه هام جدا أن نفهم أن هذا الكتاب الذي يتضمن العديد من المقابلات مع غبطتكم، هو مهم جدا للفرنسيين وللفرنكفونيين، ليعرفوا أن لبنان هو هذا البلد غير الإعتيادي، هو هذا البلد الذي اتى نتاج تعاقب البطاركة، ولأنكم يا صاحب الغبطة تمثلون مجموعة البطاركة، ولأنكم رئيس بطاركة الشرق وهذا ما يخولكم التكلم عن الشرق، علما أنكم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق. وهناك أيضا، من بين الكلمات والجمل التي ذكرتها عنكم السيدة ديلمان أنكم دكتور في القانون المدني والقانون الكنسي. ولكم أيضا من الخبرة العميقة في العالم العربي".

وأضاف: "لقد ذكرت السيدة ديلمان في كتابها عنكم يا صاحب الغبطة، أنكم المدافع عن المسيحية، وما يلفت أيضا فيكم، أنكم تتميزون بالحوار مع الأديان الأخرى. تقولون: نحن مواطنون على أرضٍ هي ملكنا، نحن عرب". وهذا أمر هام ليس فقط لأبناء البلد، بل أيضا للفرنسيين والعالم. وهنا نكتشف كم أنتم متمسكون بهذه الأرض. وهناك آية من إنجيل القديس متى، تستشهدون بها دائما: "لاتخافوا ممن يقتلون الجسد، ولا يستطيعون أن يقتلوا الروح." وهو نداء نجدة وتشجيع للذين يعانون.

ونقرأ أيضا في هذا الكتاب أنكم راعٍ جريئ، وتحملون هم المسيحيين والموارنة حيثما وُجدوا. وتقولون: "إن في فلسطين 11 مليون ماروني". وتضيفون: "في سوريا 600 ألف ماروني، وهذا يدخل في إطار الحوار الديني. وتذهبون أبعد من ذلك، إلى أربيل، لملاقاة جزء من ال500 ألف لاجئ مسيحي في كردستان. لا يجب أن ننسى تحديدا، أن رهبانا من أديار كثيرة في الشرق الأوسط، ومن بينهم رهبان دير مار يعقوب، انفصلوا عن أديرتهم لمساعدة رهبان سوريا. هذا الحوار الإسلامي_المسيحي يتجسد في لبنان من خلال عيد البشارة، والذي أصبح عيدا رسميا في الدولة اللبنانية".

وتابع لوشون: "من خلال كتاب السيدة ديلمان، نقرأ عن جرأتكم في الشأن السياسي، إذ إنكم تنقلون الحقيقة، وترددون دائما أن المستوى السياسي في لبنان ليس على القدر المطلوب، ولا يجب أن يبلغ أرض الوطن." هذا كلام قوي. ومن ثم تذكرون أن معظم السكان هم على أبواب الفقر. أنتم منغمسون في الحياة السياسية، تماما كما أنكم منغمسون في الحياة الروحية. وما يلمسني من الداخل، كما يلمس الكثير من اللبنانيين، قولكم: "أصلي يوميا كي يتم انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. والكتاب يُظهر تماما ما تفكرون. تكلمتم عن داعش، وبالتالي تقدمون معادلة مقنعة، إذ تقولون: "الإرهاب هو عنصرية دينية، مدمرة". وتتكلمون عن تدنيس الأماكن المقدسة، وتقولون: "العدو الأكبر للمتطرفين هو هذا الإستعمال الخاطئ للدين"، وتقولون أيضا: "من هذا المنطلق نحن مسؤولون بعضنا عن بعض".

وختم: "التاريخ جعل من البطريركية المارونية سلطانا سياسيا، مع شعارها الخاص: مجد لبنان أعطي له. أنتم نفسكم نيافتكم، مثال المسيحية المشرقية التي أعطت المسيحية إلى بقية العالم".

وألقت الوزيرة السابقة حماده كلمة قالت فيها: "انه تشريف كبير لي أن يعهد إلي في الوقوف أمامكم اليوم في هذا اللقاء الجامع للإدلاء بشهادة فخرية حول كتاب أبصر النور، يكشف المحجوب عن مشكاة أنوار، محورها خير راع للمحبة والحوار والتلاقي. صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، خياركم لي جاء في إطار ما نجسده سويا من عيش مشترك عنوانه "الشركة والمحبة"، وانا أثمن لكم بكل تقدير واحترام وسعادة داخلية هذا الخيار، لأنه يثبت اقدامي على الطريق الذي نشأت عليه وحافظت عليه وهو يؤكد اليوم صحته وصوابيته... ولله الحمد والشكر على نعمته هذه. التحية أيضا لهذا الصرح الأكاديمي العريق الذي يمثل الأرضية الصلبة لهذا اللقاء من خلال مسيرته الحافلة ليس بالتربية والتعليم فحسب إنما بتربية الأجيال على الاستقامة الروحية والرعاية المميزة للحس الوطني وللارث الثقافي والفكري... تحية لجامعة سيدة اللويزة ولأسرتها الكريمة.

الكتاب موضوع هذا اللقاء يتحدث عن قيمته العالية فالشخصية رفيعة وتخليدها واقع ومؤلفته خبرة نادرة وأمانة وازنة لنقل فكر وافر ومفيض. لا شك أن العلاقة بين المسيحية والإسلام على مر القرون قد سادتها ألفة وتبادل إنساني وحضاري في أحيان... ومنازعات وتوترات خطيرة في أحيان أخرى. ومن المفيد المرور عبر الزمن حول موقع المسيحية والمسيحيين لدى الإسلام والمسلمين من خلال مجموعة من الشواهد منتقاة من المصادر الأم للدين ومن مواقف لنبي ولصحابة آثروا الحوار والجوار".

وتابعت: "وفقا للقرآن الكريم، فان المسيحيين هم اقرب الناس مودة للمسلمين، يقول الله تعالى في كتابه "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون". ويقول أيضا: "واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا".

إن أساس العلاقة التي بناها الإسلام مع المسيحية كان عنوانها المحبة والإيمان بالله. ومن منا لا يعرف إطلالة النجاشي ملك الحبشة وموقفه من الصحابة الذين هاجروا بأمر من النبي الى ارض الحبشة خوفا من قتل المشركين وقال لهم النبي بأن فيها ملكا صالحا. وإطلالة النجاشي كانت في رده وفد المشركين الذي طالبوه بتسليم المسلمين لهم لإعادتهم الى مكة، حيث أمن المسلمون بالبقاء في ارض الحبشة الى الوقت الذي يحلوا لهم ثم قال لهم بعد ان قرأ عليه جعفر بن ابي طالب آيات من سورة مريم عليها السلام، المرأة المخلدة في القرآن:{ ان هذا والذي جاء به المسيح ليخرج من مشكاة واحدة }.
والقليل منا يعرف ان النبي عليه الصلاة اقام صلاة الغائب على النجاشي عند وفاته.
والإطلالة الأهم وهي إطلالة النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) على وفد نجران واستقباله لهم داخل مسجده النبوي. تقول كتب السيرة بأنهم كانوا ستين راكبا قدموا على رسول الله، ودخلوا عليه مسجده حين صلى العصر وكانوا يضعون صلبانهم وحليهم، يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم): ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا يتهيئون الخروج فأذن لهم رسول الله الصلاة في المسجد، فصلوا الى المشرق، وصلى المسلمون من الجانب الآخر للمسجد. وولد ميثاق نجران ونصت الفقرتين 30 و18 منه على ان لا تغيير أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانية وان احرس دينهم بما أحفظ نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي وقال الآتي: ان أدخلهم في ذمتي وميثاقي من كل اذى ومكروه - وهذا هو المفهوم الحقيقي لكلمة اهل الذمة وليس كما اعتمدها المماليك والعثمانيون فيما بعد واتخذوها عذرا للتنكيل بالمسيحيين متناسين جوهرها ونحن كمسلمين معك عندما قلت:
Nous avons toujours refusé le statut de protégés
وحقك فانتم الاقدمون".

وأضافت: "لا ننسى موقف الامام الاوزاعي الذي نهر الوالي العباسي الذي استخدم العنف والقسوة مع المسيحيين لتحصيل الضرائب وقال جملته الشهيرة " فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة؟

واخيرا وليس آخرا، وثيقة السلطان محمد الفاتح تعهد فيها بعدم اكراه المسيحيين على دخول الاسلام بناء على تدخل شيخ الاسلام والبطريرك سويا ولكن في كل زمن هناك رجال نصروا الباطل وزهقوا الحق، انهم بعض المسلمين وليس الاسلام
Cet Islam que vous qualifiez de rigide votre Béatitude. Peut-être à cause de son côté temporel.

ألم يقل "ما أنزلت عليك القرآن لتشقى؟" وترك للمسلم لحرية اجتهاده الشخصي ورجال الدين للتفسير فقط.
صحيح أن الاسلام أتى دستورا متكاملا من مقاصده حفظ الدين واعتدال النفس والعدل مع الجار وحرية المعتقد لاهل الكتاب او لاهل الكلمة كما تفضلها غبطتك. نحن اهل كلمة وليس اهل كتاب.
ولكنه أنزل على عقول متحجرة، حياتها حروب متواصلة، منع عنها الاجتهاد خوفا من ارتدادها. واليوم اقول خوفا من فتاويها فاقتضى تنظيمها.
صاحب الغبطة، اسمح لي أن لا أشاركك الرأي في اعتبار الأول من ايلول 1920 تاريخا مجيدا ويوما سعيدا للبنانيين.

انه الحلم الماروني الذي تحقق كما قرأت في كتابك وكما قلته وبرأيي ترسيخا لدور فرنسا المستعمرة، كقوة متوسطية، وانا كابنة رياض الصلح لا أستسيغه بالرغم انه شكل حماية لبنان من الانضمام الى سوريا وبالرغم مما يقال ان جدي رضا الصلح كان على علاقة جيدة بالبطريرك الحويك حتى طلب منه التدخل لإعادة الشيخ كسروان الخازن الى لواء على صيدا محافظا بعد إبعاده من قبل المعتمد الفرنسي ليعبث هو طائفيا في الشارع الصيداوي هكذا كان الفرنسيون وهنا استدعي قولا لرياض الصلح الشاب الى الجنرال غورو نرحب بكم " زوارا عابرين لا غزاة طامحين "- كما انني ابنة دولة الامال المتساوية وارفض حتى ان يأتي يوم كما قلت غبطتك في الكتاب ان يأتي يوما يتصالح فيه السني والشيعي او يكون لهم الحكم ويصبح لبنان هذا البلد الصغير بلدا للمسلمين.. فانا ارفضه رفصا تاما ويكفيك اعلان هذه الدولة، دولة 1920 من شرفة المقر الرسمي للمفوض السامي الفرنسي وجعل علمها العلم الفرنسي وفي وسطه الرمز لأزلية لبنان الارزة الخضراء لكن تحويل الأراضي وشعوبها لم يكفي لتحويلها وطنا.
حتى جاء رياض الصلح وبشارة الخوري، وبين القومية اللبنانية والقومية العربية فصلوا عند الخيار، وبتروا عند الاستعصاء حتى حصلوا على الجلاء، فاعتز الوطن كرامة واستقلالا.

وما كان مخططا لتفتيت الوطن بات العروة الوثقى لوحدة الوطن فحق لنا يوم 22 تشرين الثاني 1943 ان يكون التاريخ الامجد لا تاريخ يعلو فوقه ولا حاضر يأتي بمثله - ولكنه اغتيل واغتيلت السيادة معه من الناصرية الى المنظمات الفلسطينية الى العدو الاسرائيلي الى الاحتلال السوري وحتى الى وجود النازح السوري المُهدد للسيادة اليوم وصولا الى داعش.. الاسلام في خطر: ازكوا نار التعصب من اجل التعدد فأضحوا تحت رحمة التطرف والمسيحية في تهجير مستمر، ذنبها انها آمنت بعروبة جذورها فقمعت عثمانيا والغيت فارسيا وكيف سيحيا لبنان بعدما اعطوه الطائف واخذوا منه الميثاق.
وفي الختام، نقل عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، هذا القول قبل 1200 سنة، روى نعيم بن حماد في كتابه "الفتن " ان الخليفة علي بن ابي طالب عليه السلام قال: "إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأ‌رض، فلا‌ تحركوا أيديكم ولا‌ أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا‌ يفون بعهد ولا‌ ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى،وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يأتي الحق، الحق من يشاء". وهذا ينطبق على اصحاب الدولة الاسلامية. اليوم، ترى ما الذي جعله يتحسب لهم في تلك الايام. وفي الاخر تحية للمؤلفة ونعْم الحرف ونعْم الموضوع وعذرا اذا اطلت الحديث.. ابقاكم الله دائما اعزاء في وطنكم، منارة في امتكم، صامدين في ارضكم".

الراعي
وفي الختام كانت كلمة للبطريرك الراعي قال فيها: "أطيب كلمة على قلبي هي كلمة الشكر. ولذلك ستكون كلمتي كلها شكرا. أولا شكرا لجامعة اللويزي ومكتبة أنطوان التي رتبت هذا اللقاء الجميل حول كتاب السيدة إيزابيل ديلمان. شكرا لكل الذين تكلموا بدءا برئيس الجامعة، على الكلمات اللطيفة تجاهي شخصيا. شكر كبير للسيدة ديلمان، وأشكركم سيد كريستيان على تشريحكم لهذا الكتاب وقد وضعتم إصبعكم على النقطة الأساسية. شكرا لصاحبة المعالي السيدة ليلى الصلح حمادة، وأقول لك الآن، إن العمل الخيري والإنساني الذي تقومين به، نسميه "مقاومة مسلمة في لبنان والشرق الأوسط في قلب الضجيج".

وأضاف: "أود أن أعبر لك عن شكري وإعجابي سيدة ديلمان. أشكرك على كلمتك وعلى كتابتك لهذا الكتاب الذي يضم مقابلات طويلة معي، بهدف نشره في الوسط الفرنكفوني والعالم، حتى أن رئيسنا العام قرأه في البرازيل. أردت من خلال هذا الكتاب شرح ضرورة الحضور المسيحي في الشرق، والحقيقة الموضوعية للحروب الجارية في سوريا والعراق واليمن وفلسطين. وكذلك قيمة لبنان كمجتمع تعددي، ودوره بين الدول الشرق أوسطية، حيث أن أنظمتهم كلها دينية. لقد تبنيت بقوة قضيتنا اللبنانية المسيحية الشرق أوسطية. أنا معجب بقدرتك الإستثنائية على الاستيعاب، وبثقافتك الواسعة في عالمنا الشرق أوسطي.

في خمسة فصول وتسبقها مقدمة شاملة عني أنا شخصيا، شرحت كل شيء عني تقريبا في 262 صفحة، مكتوبة بأسلوب جميل وسريع ومكثف ومباشر. إنها هندسة منظمة من خلال سؤال وجواب، ومصممة بشكل جيد، مع حب ووفاء. يمكنني القول إن هذا الكتاب يخرج من الأعماق".

وتابع: "في قراءة جديدة للكتاب، نلاحظ أنك أحببت استعمال كلمة "مقاومة"، إذ كنت لدى رؤية الكلمة محتارا، وإذا أردت استبدال هذه الكلمة، ومن دون تغيير كل شيء، وفقط لأقول عما أفكر، أود استبدالها بكلمتي "نور" و"أمل"، بشهادة مسيحي شرق أوسطي. وهاتان الكلمتان تظهران في كل من هذه الفصول الخمسة، وسأتكلم عن عناوين الكتاب: عنوان الفصل الأول: "الشرق المسيحي"، وهو الشرق الممزق بالحروب ونتائجها المأساوية، وبخاصة بسبب الظلامية واليأس.

والفصل الثاني والذي يحمل عنوان: "لبنان بلد الرسالة"، يظهر للبلدان المجاورة، كبلد الأمل والنور، بفضل ثقافته التعددية وهويته الديموقراطية، ولتميزه في العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين.

أما الفصل الثالث فيحمل عنوان: "الحرب في الشرق الأوسط"، وقراءتي لهذا الفصل ومن خلال الأسئلة والإجابات، تظهر ان الدعوة إلى المقاومة تبقى راسية على النور والأمل.

والفصل الرابع بعنوان "الكنائس الشرقية"، وهي حقا روح المجتمع ودول الشرق أوسطية من خلال رسالتهم، ومؤسساتهم. هذه الكنائس تشكل مورد النور والأمل.

وأخيرا الفصل الخامس عنوانه: "المسار الروحي"، هذا العنوان ومضمونه لا يمكنهما أن يكونا إلا تأسيسا للنور والأمل".

وختم الراعي: "هذا هو إذا تفسيري لكلمة "مقاومة"، لتجنب كل حيرة وضياع، وكل الأحاديث المدونة في هذا الكتاب، كانت موجهة جميعها إلى شعبنا في لبنان، للعيش في أنوار الحقيقة والأمل بالرغم من كل شيء. شكري الحار لك سيدة ديلمان وإعجابي الكبير بعملك هذا".

وبعدها وقع الراعي كتابه ثم التقطت الصور التذكارية.

نوفل
وعلى هامش اللقاء، أكد رئيس مجلس ادارة مكتبة انطوان سامي نوفل ان "الكتاب لقي رواجا لافتا على الرغم من انه موجه للفرنكوفونيين، ويطبع للمرة الثالثة منذ اصداره". وقال: "انه كتاب يتيح التعرف اكثر الى شخصية البطريرك الراعي والى مواقفه في مختلف الميادين. اسلوب الكاتبة واضح وشفاف وهو موجه الى كل شرائح المجتمع وليس الى الملتزمين او المهتمين بالشؤون الدينية فقط. لقد نقلت ديلمان بموضوعية ما لمسته في اقامتها في لبنان ومن خلال مواكبتها للبطريرك الراعي، فنقلت الواقع وعرضت لمواقف وآراء غبطته ورؤيته لما يحدث من حولنا وللفوضى السائدة في هذا الشرق". 

  • شارك الخبر