hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

خيط وتساؤلات ابو عكر

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

امسك ابو عكر خيطه وراح يحركه فتحرك المارد فيه وخرج من قارورة نفسه، شعر بانه يمتطي حصانا قاده الى مكان خضرة، الى مكان شابه جنينة جدته المزروعة بكل انواع الفواكه حيث اشتهى ان يأكل من رمانتها رمانة، كان كل شيء جميلا هناك يذكر بالفردوس. فخيط مارده مربوط بعربة نارية.
ثمّ قاده الخيط الى فوق النجوم، فرأى الارض نقطة مضيئة جميلة في وسط الفلك الشاسع الذي كان يعج كواكبا واجساما غريبة، ولو انّ يدا لم تدله وتبلغه بانّ النقطة المضيئة التي رآها هي الارض التي تستضيف الحياة ومنها تخرج كل القصص، لما كان قد تعرّف عليها.
وارخى خيطه الى ان اقترب منها اكثر، فلامس الغلاف الجوي. لفتته سماكة الطبقة المحيطة بالأرض والتي ابلغ بانها سموم تلفظها تنانين البشر، كانت تلك الطبقة تعكر صفو الرؤيا. لمح دخانا، فقيل له انّ الطمع يحرق البشر، فيتطايرون دخانا يهوم على وجه الارض. احسّ بحماوة الارض، فسأل لم؟ فقيل له انّ حرارة الطمع ازالت الجليد القطبي ووضعته في القلوب.
كان محزنا جدا رؤية الجليد القطبي يتصدع وينهار ويسيل متوجها الى البحار، فتجف الخزانات والينابيع التي تحكي قصص الارض. ارتادت المياه الشوارع واقامت في البحار، وراح البحر يستعد لإغراق البشر ومدائنهم بعد ان اختل نظامه وارتفعت حرارته وما عادت انظمة تبريده تعمل. كان البحر يستعد للانتقام من البشر ومن قوانينهم الوضعية غير المتطابقة مع نواميس الطبيعة عواصفا وفيضانات واكتساح للأراضي، راح يستعد كي ينهي قصص مدائن وحضارات. رأى كيف انّ الحياة على الكوكب صارت اقل جودة، وكيف كل شيء صار يباع ويشترى حتى المياه والهواء. حزن اذ عرف انّ الخير المشترك اضحى ثقلا مشتركا، بكى اذ علم بانّ ما من احد يحامي عن البحر والهواء والنهر والغابة والنبع والجدول، لانّ العام ليس ببساطة خاصا ولا يمت الى الفردية بصلة.
ارخى الخيط قليلا علّه يرى لبنانه من فوق، فعاينه كتلا اسمنتية غارقة في النفايات. غابت عنه الشواطئ، وقد فصل بينه وبين البحر حوائط اسمنتية كانت تتراجع احيانا لحساب المكبات او انهار الصرف الصحي. تآكلت جباله بفعل المقالع والكسارات والبناء العشوائي والمخالفات. كان وضع جبل اللبان مفزعا، فقد صار اجردا بشكل مبان.
ثمّ قرر ان يرخي خيط انخطافه اكثر فوجد اناس جماعته فيه قد تفرقوا فرقا وتمترسوا، كل في مكانه. وقد اقاموا على انفسهم آلهة، آلهة كانوا يسجدون لها في زمن التخلي عن الاله الواحد الاحد. كانوا يقدمون لتلك الالهة ابناءهم واحلامهم، وكانت الالهة التي عبدوها من خوفهم من اخوتهم ومن وهم. كانت غالبية قادتهم الروحية وغير الروحية تعيش في قصور من مرمر وعاج، كان زعماؤهم الروحيون في غالبيتهم منهمكين في خدمة مؤسساتهم التي تخدم نفسها. كانوا يتكلمون عن الاحسان والفقر والاخرة. هيمن على امكنة جماعته فكر الانقسام والتشرذم، فكر سيفضي الى التشلع يوما ما.
كان بلده في غربة عن نفسه وقادة جماعته يتسلون، والوحش كان قابعا على الابواب. شعر انّ اهله صاروا غرباء في ارضهم. فصاروا يفتشون عن وطن في كل المسكونة لا يجدوه. كانت مدنهم تسقط بقبضة الوحش الواحدة تلو الاخرى والرؤساء يتناحرون ويتسابقون على اقتناء المؤسسات، وما نفع المؤسسات اذا ما رحل الشعب؟
لم يعرف اهله انّ وطنهم هو هويتهم وقيمهم التي تغربوا عنها، ما عرفوا انه رسالتهم وارثهم التي استبدلوها بتذكرة سفر وبطاقة ممغنطة ولكنة اجنبية.
رمى ابو عكر خيط افكاره، لان نفسه تعكرت، والناس شوّهت الارض صورة الخالق كي تصير على صورتها. رمى ابو عكر خيط البحث عن الحقيقة وما عاد راغبا بإمساكه بعد اليوم، فقد كانت تلك النقطة المضاءة في فلك المجرة المظلمة بخطر بفعل ظلامة سكانها. رمى خيطه وما عاد راغبا بالتفرج على بلده يتصحر وعلى جماعته تندثر. اضاء شمعة في عتمة غرفته التي افتقرت الى كهرباء صارت من الماضي بفعل قرارات وسياسات فاشلة وصلى على نية رجائه. اضاء شمعة لأنه لولا الشموع القليلة والصلاة لم بقيت الارض نقطة نيرّة وحيّة في فلك المجرة الموحشة. ثمّ رغب ان يسأل كل من يعرف ان يضيئ شمعة كي تبقى الارض ونبقى، وتستمر الحضارة المهددة بفعل طمع وجشع البشر وسقوطهم، وكي يبقى اهله في هذا الشرق شهادة ويتغيّر قادتهم فتصير القابهم صفات واقوالهم افعال، فيندحر الظلام وتسود انوار الشموع عتمات السقوط.
 

  • شارك الخبر