hit counter script
شريط الأحداث

متفرقات

هل تتحقق طموحات العرب بالسفر إلى الفضاء؟

الأحد ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

عندما أطلق مانوك مانوكيان وسبعة طلاب لبنانيين «جمعية الصواريخ اللبنانية« بدا كل شيء كحلم؛ حلم أكبر من هذا البلد الصغير إلا أنه، ولو لبرهة، جعل من هؤلاء اللبنانيين رواداً في مجال الفضاء في العالم العربي على الرغم من الميزانية المحدودة.

وبعد تجارب عدة والحصول على اهتمام العديد من الأفراد وحتى وزارة التعليم التي منحتهم بعض التمويل، حقق صاروخ «أرز-4» الذي أطلق عام 1963 نجاحاً كبيراً لدرجة أنه تم الاحتفاء به عبر طابع بريدي رسمي. ووصل هذا الصاروخ إلى ارتفاع 145 كلم ما وضعه على مقربة من الأقمار الصناعية على المدار المنخفض.

إلا أن هذا الحلم لم يتكلل بالنجاح لأسباب مختلفة من بينها أن التجربة انتهت عام 1966 بشكل كارثي مع إطلاق صاروخ في البحر المتوسط هبط على مقربة من سفينة تابعة للبحرية البريطانية.

في الستينيات، انتهى حلم فريق من اللبنانيين بالوصول إلى الفضاء، ولا شك أن الحرب حالت دون أي طموحات جديدة. غير أن دولاً عربية أخرى وضعت برامج فضائية أيضاً.

لطالما اعتبرت غالبية الدول العربية أن استكشاف الفضاء ليس مسألة وطنية ذات أهمية كبيرة، لا بل ترف باهظ الثمن ما جعلها تركز اهتماماتها وجهودها على إطلاق الأقمار الصناعية للاتصالات بشكل خاص. 

وغالباً ما ترسم وكالات الفضاء الوطنية ملامح البرامج الفضائية، ويبلغ عددها 6 في العالم العربي: الوكالة الفضائية الجزائرية التي تأسست في يناير 2002، والمركز الملكي للاستشعار البعدي الفلكي في المغرب الذي تأسس في ديسمبر 1989، والهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء في مصر التي تأسست عام 1994، والمركز الوطني للاستشعار عن بعد في تونس الذي تأسس عام 1988، ووكالة الإمارات للفضاء التي تأسست في يوليو 2014 ، ومعهد بحوث الفضاء في السعودية.

غير أن هذه الوكالات الفضائية تقوم بشكل أساسي بتشغيل الأقمار الصناعية لا إجراء الأبحاث لاكتشاف أو تجربة تقنيات فضائية موجودة أو جديدة ولا تدريب رواد الفضاء للسفر (باستثناء الإمارات). وكأننا بعيدين كل البعد عن التجربة الوحيدة عام 1987 مع مركبة الفضاء الروسية «سيوز م 3» التي حملت على متنها رائد الفضاء السوري محمد A’13 في سياق تعاون علمي في مجال الفضاء بين سوريا والاتحاد السوفيتي أو حتى عن تجربة الأمير سلطان بن سلمان من السعودية الذي اعتبر أول رائد فضاء عربي ومسلم في التاريخ يشارك في رحلة إلى الفضاء بتاريخ 17 يونيو عام 1985.

في ظل غياب أية نية وكذلك غياب التمويل والمهارات، تجد الدول العربية أنفسها بعيدة لسنوات ضوئية عن حلم غزو الفضاء، إلا أن دولة واحدة عربية كسرت النزعة الشائعة بالاهتمام بتكنولوجيا الأقمار الصناعية فقط للتركيز على استكشاف الفضاء وإطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ؛ هذه الدولة هي الإمارات العربية المتحدة.

وهنا يخبرنا يوسف حمد الشيباني، مدير عام «مركز محمد بن راشد للفضاء«: لعلّ الهدف الأساسي من دخول دولة الإمارات عصر الفضاء هو بناء جيل من العلماء والمهندسين، ينتجون ويبتكرون معارف جديدة تساهم في تقدم العلوم والتكنولوجيا. إن علوم وأبحاث وتقنيات الفضاء عالم واسع ومتنوع، تدخل فيه اختصاصات جمّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر تستخدم فيه علوم الهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والبصريات وغيرها».

ويضيف: «عدد كبير من الاكتشافات العلمية والإنجازات التكنولوجية في القرن الماضي كانت مرتبطة بالفضاء. إن تأسيس جيل الغد من العلماء الإماراتيين سيشرّع الأبواب لتنمية وتطوير قطاع تكنولوجيا الفضاء وقطاعات أخرى على السواء».

لا شك أن قطاع الفضاء الإماراتي يشمل مختلف مجالات الاستخدامات الفضائية المعهودة في دول أخرى مثل الاستشعار عن بُعد والاتصالات الفضائية، بالإضافة الى تأسيس منصة متكاملة لصناعة الأقمار الصناعية. ويبقى أن ما يميّزه، على حد قول الشيباني، هو «امتلاكه العناصر الأساسية لاستدامة نمو القطاع. وتشتمل هذه العناصر على فريق عمل متمكن من المهندسين الإماراتيين الذين يمتلكون مهارات صناعة الفضاء وتقنياته، ومشاريع فضائية طموحة ومن أبرزها «مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ«، أول مسبار من نوعه يدرس المناخ على كوكب المريخ على مدار اليوم وعبر الفصول والمواسم بشكل مستمر ومشروع «خليفة سات«، أول قمر صناعي إماراتي يصنّع على أرض الدولة بكفاءات إماراتية».

وتعزى استدامة وتطور قطاع الفضاء الإماراتي إلى استراتيجية واضحة ترتكز على رؤية الإمارات 2021 والاستراتيجية الوطنية للابتكار. ويشرح لنا الشيباني أن «المحور الأساسي هو بناء قطاع فضاء متكامل ومستدام، يساهم في تنويع الاقتصاد الوطني. أضف إلى ذلك، تنمية كوادر إماراتية متخصصة في علوم وتقنيات الفضاء لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية، وتطوير بنية تحتية عالية المستوى من مختبرات ومرافق، ناهيك عن تنمية البحث العلمي على مستوى الدولة».

ولعل أبرز مشروع في هذه الاستراتيجية هو «مسبار الأمل« الذي لن يكون فحسب أول مسبار عربي في الفضاء، بل سيقدم باقة واسعة من البيانات والمعلومات للمجتمع العلمي العالمي حول كوكب المريخ ويفتح آفاقاً لاكتشافات علمية وتقنية حديثة تخدم الإنسان وحياته.

من خلال هذه الاستراتيجية، تعمل الإمارات على تطوير رأسمال بشري محلي إلا أنها أيضاً تحتاج إلى تعاون مع اللاعبين المخضرمين في هذا المجال. وبالتالي، وقّعت وكالة الإمارات للفضاء اتفاقيات عدة مع وكالات الفضاء في عدد من الدول على سبيل المثال روسيا، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. ويرى الشيباني أن «هذه الاتفاقيات تفتح آفاقاً ومجالات مختلفة من التعاون خصوصاً أنها تبرم بين جانبين رسميين، حيث ستستفيد مختلف الجهات مما نصت عليه». كما أشار إلى أنه في مجال الفضاء، «التعاون الدولي أمر إيجابي ومشجّع، ويعود بالنفع على الجميع، ونحن على ثقة بأن الوكالة تقوم بما يلزم من حيث نسج الشراكات الدولية، بما يخدم تطور ونمو القطاع في الدولة».

ولا يخفى أن البلاد تتطلع إلى المستقبل وعلى تواصل دائم مع الدول التي لديها قطاع فضاء فاعل من دول الخليج المجاورة والدول العربية، رغم تأكيد الشيباني أنه «في الوقت الراهن لا يوجد مشاريع مشتركة».

يبقى أن مجال الفضاء ليس سهل المنال ويحمل الكثير من الأسرار ويحتّم أيضاً الكثير من التحديات التي يعدد الشيباني لنا بعضها: أهمية الحفاظ على المدار الفضائي وسبل حمايته من الحطام، وتوفير المناخ العام للوصول إلى الفضاء ليتمتع الجميع بحقوق متساوية لإطلاق وتنفيذ أنشطته السلمية في الفضاء الخارجي؛ أمرٌ يحتم «إيجاد إطار مستدام للنشاط الفضائي، وذلك يتطلب اتخاذ خطوات سريعة مع نمو التوجهات الفضائية وتوسعها وتنوعها».

تحديات كثيرة لم تقف بوجه الإمارات العربية المتحدة التي قد تحمل المنطقة العربية بأكملها نحو فضاء جديد محفوف بالمفاجآت؛ طموحات محلية بأبعاد إقليمية لا بد أن تترجم في المستقبل إلى برامج فضائية عربية من أجل تنسيق وتعاون أفضل. تعاون قد يتجسد إذا تمّ تلبية الدعوات التي أطلقها كثيرون بغية إنشاء وكالة فضاء للدول العربية شبيهة بوكالة الفضاء الأوروبية التي قد تضع مجدداً المنطقة العربية على الخارطة العلمية والتقنية والثقافية والتعليمية وتجعلها تتطلع نحو مستقبل أفضل لجيل الشباب القادم.

(باميلا كسرواني - المستقبل)

  • شارك الخبر