hit counter script

مقالات مختارة - ألان سركيس - الجمهورية

التاريخ الذي قَلَبَ المعادلات

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ألان سركيس - الجمهورية
ستة عشر عاماً مرّت على نداء بكركي الشهير في 20 أيلول 2000. يومها كان المسيحيون يشعرون بإضطهاد يوازي اليوم شعورهم بالتهميش. في تلك المرحلة كانت ثلاثية الحرية والسيادة والإستقلال مسيحيّة بامتياز، على رغم بعض الأصوات الإسلامية الخجولة التي كانت تخرج بين حين وآخر مطالِبة بتصحيح العلاقات اللبنانية- السورية وتطبيق اتفاق «الطائف».في منطق الدول، هناك أيام قد تُغيّر مسارَ التاريخ، فلا شيء مسلّمٌ به. لكنّ الوجود السوري حينها كان من المسلّمات «الوطنية»، والأصوات المطالبة باستقلال لبنان كانت تجابَه بالتخوين وإلصاق تهم العمالة لإسرائيل، ولم يكن للمسيحي في تلك المرحلة، بعد سجن قائد «القوّات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ونفي رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، صوتٌ سوى صوت بكركي وبطريركها الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.

وعلى رغم أنّ العين لا تقاوم المخرز، خرجت بكركي في 20 أيلول 2000 بندائها الذي قلب الطاولة رأساً على عقب. البعض سمعه مباشرة، فيما تناقله البعض الآخر سائلاً: «هل سمعتم بيان المطارنة والبطريرك صفير؟»

كثرٌ لم يستوعبوا وقتها حجم الموقف الذي خرق ما ثبّته الوجود السوري من مقدّسات، وأسقط معه كلّ المحرّمات، حيث طالبت بكركي صراحة بخروج الإحتلال السوري بعدما خرج الإحتلال الإسرائيلي في 25 أيار من العام نفسه.

بدّل نداء بكركي مسار الأزمة اللبنانية، وبات ما قبل 20 أيلول 2000 ليس كما بعده، وقاد البطريرك صفير معركة التحرير وسط التخوين، وبقيت بكركي المرجعية التي تواجه سلطة الوصاية.

دروسٌ وعبرٌ كثيرة تستوقف اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً انطلاقاً من نداء بكركي، وأولى تلك الخلاصات أنّ الدور المسيحي لم يُفقد والوجود المسيحي لم ينتهِ. فالدور يُنتزع وليس هبة من أحد، لكن مَن يصنعون الدور هم الرجال الذين يقفون موقفاً صامداً، والأهمّ أنهم يملكون رؤية ولا يساومون على المبادئ.

أما العمل السياسي فيحتاج الى متابعة، وإلى قوّة سياسية موجودة على الأرض، وهذه القوّة لا تتمثّل فقط في الأحزاب أو الشخصيات والوزراء بل في ديناميكية ميدانية، وهذه المعادلة طبقها جيداً صفير وتابعها من خلال تبنّيه «لقاء قرنة شهوان» لاحقاً برئاسة المطران يوسف بشارة والذي انطلق في نيسان 2001، ما أربك السلطة حينها.

في المقارنة بين الأمس واليوم، وعلى رغم إبعاد الزعماء الموارنة وإقصاء المسيحيين عن الحكم بعد اتفاق «الطائف»، كان المسيحي يشعر بالقوة وبالأمل بقيادة صفير، وكانت بكركي محجّاً لكلّ القوى السياسية، ما يعني أنّ الإضطهاد لا يُفقد الإنسان دوره، بل إنّ التقاتل على السلطة بين المسيحيين وغياب الرؤية يؤدي بهم الى الهلاك.

الموضوع لا يتعلّق بوجود كمّي أو عدديّ او حتى نوعي، فنداء أيلول الذي أسّس لإستقلال 2005، ما كان ليحصل لولا وجود قيادة استندت الى جذورها التاريخية، ما يدلّ على أنّ أيّ حركة سياسية في غياب قيادة موحّدة ستؤول الى الفشل، لأنّ هذا المنطق السياسي يحكم كلّ الحركات التحرّرية والثورية العالمية وليس الأمر حكراً على لبنان فقط.

بعد إنتفاضة الإستقلال عاد عون من منفاه وخرج جعجع من السجن، لكنّ المسيحي لم يستعد دوره، لأسباب عدّة أبرزها تدفّق المال والسلاح الى بعض التيارات والأحزاب اللبنانية الإسلامية، وتعوّد المسلمون على فكرة الحكم من دون المكوّن المسيحي، فيما يشكو المسيحيون من تراجع دور بكركي وتأثيره، خصوصاً في الإستحقاق الرئاسي.

قد تكون المطالبات منطقية، لكنّ التجارب والوقائع تدلّ على أنّ تأثير بكركي في انتخاب الرئيس لم يكن يوماً قوياً، والدليل أنّ الفراغ وقع مرتين في عهد البطريرك صفير: مرّة عام 1988 ومرة اخرى عام 2007، علماً أنه يُعتبر من البطاركة الكبار الذين مرّوا في تاريخ الكنيسة. كذلك، فإنّ التصادم بين الزعماء الموارنة وبكركي بدأ منذ القدم، والجميع يتذكّر وقوف البطريرك بطرس بولس المعوشي مع المعارضة ضد الرئيس كميل شمعون خلال ثورة 1958، فيما مرحلة الاختلاف بين صفير وعون بعد العام 2005 واتهام عون البطريرك بأنه يدعم قوى «14 آذار» ماثلة امام أعين الجميع.

النداءات المسيحية التي تخرج اليوم مطالبة بالشراكة تدفع البعض الى القول إنه «أثناء الوجود السوري كان لدينا أمل بالتحرّر وبالعودة الى المشاركة في حكم البلد الذي بنيناه، لكنّ خيبة الأمل كانت كبيرة بعد التحرير لأنّ هناك دوائر إستئثار بالقرار، في حين بات البعض يبحث عن صيغ للمشاركة، قد تكون الفدرالية إحداها».

الأحداث الماضية، تدلّ على مدى تأثير الخارج في اللعبة اللبنانية، لكنّ الإرادة تبقى أقوى، فلو لم يكن صفير يملك الإرادة لما واجه الوصاية السورية وأسَّس لكرة الثلج التي كبرت وانتشرت وتفجّرت في 14 آذار 2005 إستقلالاً.

فالمسيحي مرتبط بالوجود، والوجود يستمر بالاستقلالية، وطالما أنّ المسيحيين يحملون لواء الدفاع عن لبنان فإنّ دورهم قائم، ووجودهم أزليّ لا يتأثّر بفريق يستأثر بالسلاح ويستقوي به، أو بفريق آخر لديه حبّ الاستئثار بالسلطة.

  • شارك الخبر