hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

تسعة وتسعون عاما على وعد بولفور... فلسطين هل تذكرون؟

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعد سنة او اقل يصبح عمر وعد بلفور مائة عام من العمر. مائة عام مضت ودولة اسرائيل اضحت الاكثر استقرارا ونموا في كل المشرق. تسعة وتسعون عاما على وعد بلفور والقضية الفلسطينية والقضية الابرز في العالم منذ العام 1948 حتى مطلع الالفية الثالثة، اضحت موضوعة على رف ارشيف الافلام القديمة، فأسعار النفط تراجعت والاهتمامات تبدلت، وحلت محل استرجاع الارض المسلوبة حروب من الجاهلية في سوريا والمشرق قد تمتد لعشرات او ربما مئات السنين، حروب ستكون كفيلة بالإطاحة بسايكس ومن بعده بيكو وكل الحدود التي رسمت على رمال البادية العربية، حروب وصلت الى اوروبا وطالت الاتحاد فهرب الانكليز خوفا من جيوش النازحين القادمين ومما قد يحمل الكثير منهم معه في جعبته وغريزته من مشروعات حروب وافكار الغائية وارهابية قد تطيح ولو بعد زمن بكل الحضارة والحضارات من باب معدلات الولادات المرتفعة، فتصير القارة القديمة امتدادا لأفكار بادت ومن ثم استفاقت في البادية العربية. تسعة وتسعون عاما كانت كفيلة بإسقاط غالبية ما تبقى مما عرفناه من الاسلام المعتدل لحساب قراءات وتفسيرات متشددة وظلامية والغائية. وها انّ حركة النازحين لا تمر الا عبر المتوسط شمالا، وممنوع عليها الداخل باتجاه العربية. فهل يتهرب العرب من العرب؟ ام انّ العرب يهربون من حضارتهم وبيئتهم التي يعودون فينقلوها الى دول اخرى فتتوسع حدود الخلافة؟

بعد تسعة وتسعين عاما على وعد بولفور زالت كل الصبغات والالوان والنكهات لحساب نكهة الدين النافرة الذي تشقق الى مذاهب متقاتلة ومتناحرة.

 

بعد تسعة وتسعين عاما على بلفور اين هي فلسطين؟

ما عاد احد يتذكر شيئا عن المسار التفاوضي للازمة الفلسطينية ونسي غالبية الدبلوماسيين زمان ومكان آخر اجتماع عقد في هذا الاطار، حتى انّ وزير الخارجية الامريكية جون كيري نفسه ما عاد يتذكر اسم الرئيس الفلسطيني ومكان اقامته، والفلسطينيون منهمكين في التفتيش عن مكان وجود سلطة، تهالكت بغياب المشروعية، لإدارة فراغهم،  فالملك مات وولي عهده لم يولد بعد

تسعة وتسعون عاما على وعد بولفور، ولبنان في الثلاجة ينتظر مؤتمرا تأسيسيا يحكى عنه في الدهاليز همسا، عاجز هو او ممنوع عليه انتخاب رئيس الى حين تنقشع الرؤيا الاقليمية، الا انّ مظلة امنية تستره لا من اجل شعبه، بل من اجل قاطنيه الجدد كي يبقى خيمتهم واوروبا ما عادت تتسع لهم، وهي قد بدأت تتهاوى بفعل الخوف منهم، والازمة تطول!  فكأنه اريد ايضا من خلال سوريا ونازحيها تفتيت الاتحاد الاوروبي وتغيير وجه اوروبا واعادة القارة الى وضعية الشعبوية والتشنج. بعد فلسطين ظهرت سوريا وانطفأت ببساطة كل القضايا الكبرى. وصارت الدول الاقليمية  اللاعبة في سوريا في ازمة لا بل على شفير التفتت، وتركيا هي المثل.

امّا اسرائيل اليوم  فهي في افضل احولها منذ وعد بلفور.  صارت في افضل احوالها ولم تتخلص من عقدة المحرقة، وذلك بالرغم من انّ محيطها اضحى المحرقة واوروبا امست على مقربة منها. تسعة وتسعون عاما على وعد بولفور، تمخضت عن نسخة جديدة لإسرائيل بقيادة نتنياهو.  بعد تسعة وتسعين عاما، اعداء اسرائيل يتقاتلون ويبيدون بعضهم البعض، وهي تتفرج عليهم من بعيد عارضة المساعدة لتعزيز ابادة الحضارة وحرق الارض. بعد تسعة وتسعين عاما صارت الدولة العبرية  في افضل وضع، وقد عوقب كل اعدائها من دول وشعوب وحتى كنائس واديان وجمعيات وسلالات واحزاب وتنظيمات وحركات، وزعيمها المتطرف يختال مزهوا ما بين البراكين، التي يستثمر فيها كي يوقد الخوف الذي هو حصانه الرابح والدائم الى السلطة. يتمشى نتنياهو مزهوا، ودولته صارت اكثر يهودية، وقد ازالت النسخة الجديدة لدولته كل الاقنعة العلمانية ودفنتها.  لكن هل تسلم اسرائيل من نيران اضرمتها، كي تفكك جليد عزلتها؟  والى متى يبقى من اضرم النار او استثمر فيها بعيدا عن تأثيراتها؟

خربت المنطقة وسلمت اسرائيل. لا بل صارت جزءا من النسيج، اضحت تصمم اثوابا تتلاءم ومقاساتها.  دفنت ليبراليتها المزيفة في مقابر وادي حبرون، واعادت صياغة مفاهيم حرية تعبيرها  وديمقراطيتها المبتورة كي تتلاءم مع واقع طغيان سبط على آخر وعرق على سائر الاعراق واتجاه سياسي على كل الاتجاهات. زالت كل الجيوش الا جيش دفاعها. صارت ببساطة حامية الحضارة والسد الاول لحماية العربية من فارس. وصارت تتحدى الرئيس الامريكي في ساحته في الكونغرس وتهينه حتى، ان تجرأ واغضبها.   

تسعة وتسعون عاما على وعد بولفور، واسرائيل لم تغرق بعد في بصاق نصف مليار عربي، لا بل راحوا هم يبصقون على بعضهم البعض، وغرقوا في بصاقهم  فعادوا الى صحاريهم وجاهليتهم وانماط عيشهم المرعبة. تسعة وتسعون عاما والعالم صار بعيدا عن السلم،  دخل العصر الداعشي ببساطة، فصار القادة يبحثون في كيفية التعايش مع الارهاب بدل القضاء على اسبابه.

تسعة وتسعون عاما على وعد بلفور والسلم لم يتحقق لا بل تمخض عن تسع وتسعين حربا وكذبة مفزعة. تسعة وتسعون عاما ومازال سروال جدي الممزق معلقا في خزانتي ومازلنا نبحث عن طربوشه الذي فقد في في مظاهرة منددة بوعد بولفور في العشرينات من القرن الماضي في طرابلس. آه يا جدي لو تعلم! وحسنا فعلت انك رحلت.

تسعة وتسعون عاما والمرحوم ابو هيثم ما انفكّ يلعن ويعلن من قبره بداية نهاية الصهيونية والامبريالية. تسعة وتسعون عاما والعرب لم يتعلموا القراءة والتفكير كي يخرجوا من ردود الفعل الى الفعل، لا بل على العكس سقطوا في عراك الجباب والقبائل والفرق وطمسوا العقل وارخوا الغرائز، واضحوا يعتبرون في سرهم انّ الدولة العبرية ضرورة لاستكمال حروبهم الدينية.  تسعة وتسعون عاما من التاريخ لا تساوي التاريخ كله ان استفاق اهل العربية.

تسعة وتسعون عاما والمشاعر الدينية اكتست ثياب الوحوش. تسعة وتسعون عاما ومازالت دولة فلسطين ببساطة غائبة عن الخريطة، ودخلت فلسطين كقضية في مجاهل النسيان، وما عاد لنا مصلحة بإعادة إحياء المسار التفاوضي، لانّ مصر همشت وصارت سوريا ملعبا والعراق مدمرا والسعودية منهمكة بحروبها وقد انهكها انخفاض اسعار النفط، ولبنان غارق في فراغه ونفاياته. تسعة وتسعون عاما ومازال السلام سرابا والعالم يغلي صراعات، واسرائيل غير مقتنعة فعليا بالسلام العادل والشامل. بعد تسعة وتسعين عاما من بلفور صرنا نكتب عن فلسطين  للذكرى ليس، وذلك كي لا ينسى العالم القضية الاساس التي فجرت العالم بأسره.

اخيرا، اكتب كي اقول انّ لا بدّ للبشرية ان تنتصر لذاتها. اكتب بعد تسعة وتسعين عاما على بلفور كي اقول انهم لن يستطيعوا ان يسلبوا المشرق مني قصة لحبة قمح غيّرت البشرية، وارست مداميك الحضارة. اؤمن انّ حبة القمح ستنتصر، وسينتصر السلام والحق والعدل والتسامح ومحبة الاخر على الالغاء والتطرف والوهن والخوف والكذب، وستستفيق العربية يوما وينهض المشرق من كبوته، فنحتفل جميعا كمحبين للسلام بالسلام في ارض السلام، ولذلك أعمل وأصلي.

  • شارك الخبر