hit counter script

باقلامهم - د. سهام رزق الله

المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والأعمال: أي تطور؟ وأي تحديات في لبنان؟

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يوم 25 ايلول اليوم العالمي للمسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والأعمال وهو مفهوم حديث يتطوّر ببطء ولكن بثبات في لبنان ويطرح نفسه منافسا قويا للمفاهيم الإقتصادية التقليدية وتحديا أساسيا للهدف الوحيد في عالم الأعمال الذي كان يحدده علم الإقتصاد للمؤسسات بتحقيق أعلى مستوى ممكن من الربح لا أكثر ولا أقل.ولكن ماذا تعني المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات الإقتصادية؟ بماذا تختلف عن مجرد تمويل أعمال خيرية من قبل المؤسسات؟ وكيف تبدأ اليقظة حول المسؤولية الاجتماعية في لبنان؟
------------------------------
من المعروف أن مجال الأعمال كانت تسوده ركائز الإقتصاد الأساسية القائمة على "القاعدة الذهبية" لتحقيق أعلى مستوى من الربح بتوسيع الهامش بين المردود والكلفة الى أقصى حد ممكن بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى وعوامل مؤثرة ومتأثرة في محيطه على المستوى الإجتماعي والبيئي والصحي والخلقي...
أما المؤسسات التي يهمها إعطاء "صورة جميلة" عن حسّها الإجتماعي والإنساني والخلقي وتفاعلها مع بيئتها المحيطة فكانت تجد ملاذا لمرادها عبر تمويل بعض المشاريع ذات طابع المنفعة العامة والمساعدة الإنسانية (بناء جسر مهدّم من هنا، تقديم مساعدات خيرية من هناك، تخصيص مبلغ سنوي معيّن أو نسبة من الأرباح لتقديم منح دراسية ومساعدات طبية وغيرها من هنالك...)، وتضع ذلك تحت تسمية الحس بالمسؤولية الإجتماعية من باب المساهمة في مساعدة المجتمع لتأمين بعض الخدمات الخارجة عن إطار عمل المؤسسة وأهدافها المالية والإقتصادية البحتة.
من هنا، سيعالج هذا المقال محورين أساسيين: المحور الأول يتناول مضمون المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والأنشطة الإقتصادية من حيث الأهداف والخلفية والإنعكاسات على كل من أصحاب المؤسسات والأعمال والمستثمرين والمنتجين والموظفين والمستهلكين والمنافسين والدولة والمجتمع...مع الأخذ بعين الإعتبار القيم الإجتماعية وأخلاقيات الأعمال. فيما المحور الثاني يتناول اليقظة اللبنانية الحديثة على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات والتحديات الجديدة المطروحة على عاتقها من جرائه.
وفقا للعالم الإقتصادي ميلتون فريدمان، المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات هي الاستعمال الأمثل للمصادر و العمل لزيادة الأرباح ضمن قواعد اللعبة و هي العمل بمنافسة حرة وشريفة بدون مكرً أو احتيال
أما بالنسبة للعالم مالين بيكر، فالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات هي كيفية إدارة المؤسسات عملياتها لخلق تأثير إيجابي في المجتمع .
من المعروف أن المستثمر يدخل في نشاط إقتصادي ما لتحقيق الأرباح، إلا أن الربح ليس الغاية الوحيدة من الأعمال، بل هنالك جملة من الغايات والتداعيات المنتظرة من كل عمل على مستوى المجتمع ككل من أصحاب المؤسسة، المستثمرين، الموردين، العاملين، المستهلكين، الدولة...تتناول تحقيق مردود جيّد للمستثمر، تأمين رواتب مقبولة للعاملين، ظروف عمل آمنة وسالمة، بيئة نظيفة، نوعية منتجات مقبولة بأفضل الأسعار...وهذا ما يقود الى التعريف عن المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات باضطرار الأعمال على تأمين وحماية المصلحة العامة. وذلك يستدعي التنبه الى جملة ملاحظات:
أولا: إن هكذا أعمال لا تعتبر من الأعمال الخيرية، لا بل أن القيام بأعمال خيرية مثل تقديم مساعدات طبية ومنح مدرسية...لا يعفي المؤسسات من المسؤولية الإجتماعية التي ذكرناها.
ثانيا: إن هكذا أعمال لا يمكن أن تكون مفيدة لفئة من المجتمع ومضرّة لفئة أخرى: مثل رفع المؤسسات لأسعار منتجاتها بشكل عشوائي يثقل كاهل المستهلكين وتحقيق أرباح باهظة من ثم تقديم تغطية طبية للمسنين في إحدى دور العجزة، ...لا بل أن المسؤولية الإجتماعية ينبغي أن تدفع أصحاب المؤسسات الى القيام بجهود لتحقيق خطوات ترضي المصلحة العامة لمختلف شرائح المجتمع.
أما الدوافع التي تشجع أصحاب المؤسسات على أخذ المسؤولية الإجتماعية بالإعتبار فهي تتراوح بين:
-"الصورة الجيدة" للمؤسسة: بحيث أن اهتمام المؤسسات بالخير العام يعكس نظرة إيجابية لدى الرأي العام تجاهها ويزيد من مصداقيتها وثقة المستهلكين بها وبمنتجاتها.
- تطبيق الأنظمة: بعض الأنظمة والقوانين تفرض شروطا معينة مثل اعتماد المسؤولية الإجتماعية في المؤسسات من ناحية منع التلوث والمحافظة على البيئة والسلامة العامة...
- تنمية كل عمل تشكل جزءا من المجتمع المنوجد فيه، ويستفيد من موارده مثل المياه، شبكة الطرق العامة، الطاقة..وبالتالي مسؤوليته أن يخصّص جزءا من أرباحه لخدمة هذا المجتمع بمختلف مكوّناته.
- إكتفاء العاملين: الى جانب الحصول على رواتب مقبولة وظروف عمل صحية وآمنة، ينتظر العاملون في المؤسسات تسهيلات عديدة مثل بدلات النقل والتدريب، والمساعدات في الأقساط المدرسية والضمان الصحي لأفراد العائلة...ومن واجب المؤسسة ان تسهر على "تأمين أفضل مستوى من إكتفاء العاملين فيها إنطلاقا من الحس بالمسؤولية الإجتماعية لديها، كما سعيا لمصلحتها ايضا لأن ذلك يؤثر مباشرة على مستوى إنتاجية العاملين فيها وبالتالي إزدهار المؤسسة ونمو أعمالها على المدى البعيد.
- وعي المستهلكين: المستهلكون باتوا واعين أكثر من اي وقت لحقوقهم وهم يعترضون على أي خلل في نوعية المنتجات والخدمات وعلى أي تلاعب بالأسعار وتنامي جمعيات لحماية حقوق المستهلكين الى جانب مصلحة حماية حقوق المستهلك لدى الدولة، وهي في لبنان مرتبطة بوزارة الإقتصاد، وهذا يقود المؤسسات نفسها الى الحفاظ على حقوق المستهلكين عبر تقديم مؤشر نوعية/سعر تنافسي لاجتذاب أكبر حصة من المستهلكين المحتملين لمنتجاتهم.
المسؤولية إزاء مختلف العملاء الإقتصاديين:
المسؤولية إزاء أصحاب المؤسسات:
 أصحاب المؤسسة يؤمّنون رأسمالها ويتحملون المخاطرة في الأعمال، وبالتالي مسؤولية المؤسسة تجاههم أن تعمل بأفضل مستوى فعالية وحسن استخدام رأس المال وضبط الهدر وهوامش الخطأ...
المسؤولية تجاه المستثمرين:
المستثمرون هم المساهمون في تمويل أعمال المؤسسة من خلال أسهم أو سندات أو ودائع...وبالتالي مسؤولية المؤسسة تجاههم تكمن في توفير البيئة الآمنة لإستثماراتهم، تسديد الفوائد بشكل منتظم لهم، تسديد الديون تجاههم لدى استحقاقها...
المسؤولية تجاه العاملين:
كما سبق ذكره، إكتقاء العاملين في المؤسسة من ناحية الرواتب والمخصصات والمساعدات الطبية والمدرسية وغيرها يؤثر بشكل أساسي على إنتاجيتهم، إلتزامهم بالمؤسسة التي يعملون فيها ويشعرون بالإنتماء إليها وبأهمية بذل أقصى الجهود لتوفير أعلى مستوى من الفعالية والربحية لها. لذا من مسؤولية المؤسسة تجاههم: تسديد الرواتب بشكل منتظم، تأمين أفضل ظروف عمل، التغطية الصحية، بدلات نقل ومساعدات إجتماعية ومدرسية، دورات تدريبية منتظمة...
المسؤولية تجاه الموردين:
الموردون هم الذين يؤمنون التجهيزات ومختلف لوازم العمل، وعلى المؤسسة أن تؤمن لهم بشكل منتظم لوائح اللوازم التي تحتاجها، الإلتزام بالعقود الموقعة معهم من حيث المهل في الاستلام والأسعار والنوعية، تسديد المبالغ المتوجبة بشكل منتظم...
المسؤولية تجاه المستهلكين:
المستهلكون يمثلون العمود الفقري في نجاح واستمرار أي عمل، ومن مسؤولية المؤسسة تجاههم توفير أفضل نوعية من المنتجات والخدمات وبأفضل مستوى أسعار لهم للحفاظ على حصتها في السوق إزاء أي منافسين موجودين أو محتملين، إعلام المستهلكين بكافة فوائد ومضار المنتجات والخدمات، تأمين خدمات ما بعد البيع وحسن الإلتزام بها، المصداقية بوضع تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية حفاظا على صحة وسلامة المستهلكين، التحذير من أي منتجات مقلّدة رفعا للمسؤولية من أي مضار ناتجة عنها واختلاط الأمر بالنسبة للمستهلك بين منتجات المؤسسة والمنتجات المقلّدة أو المزوّرة.
المسؤولية تجاه المنافسين:
وجود المنافسين هو عامل ديناميكي للمؤسسة وحافز للخلق والإبداع والتجديد. إلا أن المنافسة من شأنها أن تستدرج أحيانا المؤسسة الى القيام بأفعال سلبية للسيطرة على السوق. من هنا، مسؤولية المؤسسة تجاه المنافسين تكمن في عدم تقديم العمولة المرتفعة بشكل غير اعتيادي للموزعين والموردين لاحتكار المواد، عدم القيام بحسومات خارقة أو تقديم المنتجات بشكل مجاني أو شبه مجاني للمستهلك لإخراج المنافسين من السوق وعدم الإساءة الى المنافسين من خلال ترويج غامض أو مسيء أو غير صحيح...
المسؤولية تجاه الدولة:
هنالك قوانين وأنظمة مختلفة ترعى عمل المؤسسات على اختلاف مجالات أعمالها، ومسؤولية المؤسسات تجاه الدولة تكون في الإلتزام بهذه القوانين والخطوط العريضة التي تحددها الدولة في قطاع معيّن، تسديد الضرائب والرسوم المتوجبة بشكل شفاف ومنتظم وتقديم دفاتر صحيحة للدولة، عدم القيام بعمليات إحتكارية تنعكس سلبا على الأسواق، الإلتزام بمعايير حماية البيئة من التلوث والمحافظة على قواعد الصحة والسامة العامة، عدم الدخول بأي عمليات فيها طابع من الرشاوى والفساد والإلتفاف على القوانين المعتمدة.
المسؤولية تجاه المجتمع:
المجتمع مكوّن من أفراد وجماعات، منظمات غير حكومية، عائلات...والمسؤولية الإجتماعية للمؤسسة تجاههم تتسم ب مساعدة أضعف الفئات في المجتمع والأكثر عرضة للتهميش، المحافظة على القيم الإجتماعية والثقافية والإلتزام باحترامها في الإنتاج والترويج لكافة المنتجات والخدمات التي تقدمها، خلق فرص العمل الجديدة، حماية البيئة، المحافظة على الموارد الطبيعية، تشجيع نشاطات ثقافية ورياضية من خلال تقديم الرعاية لها والمساهمة في تنمية الأبحاث والتقدم التكنولوجي بما فيه خير المؤسسة والقطاع الذي تعمل فيه والإقتصاد الوطني والمجتمع ككل.
مبادئ المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات وتطوّرها الزمني:
وتقسم المبادئ العشر للاتفاق العالمي للمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الى أربعة مجموعات:
المجموعات المعايير
أولاً حقوق الإنسان: 1. دعم حماية حقوق الإنسان المعلنة دوليا واحترامها.
2. التأكد من عدم الاشتراك في انتهاكات حقوق الإنسان.
ثانياً معايير العمل: 3. احترام حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بالحق في المساومة الجماعية.
4. القضاء على جميع أشكال السخرة والعمل الإجباري.
5. القضاء على عمالة الاطفال.
6. القضاء على التمييز في مجال التوظيف والمهن.
ثالثاً المحافظة على البيئة: 7. تشجيع اتباع نهج احترازي إزاء جميع التحديات البيئية.
8. الاضطلاع بمبادرات لتوسيع نطاق المسؤولية عن البيئة.
9. تشجيع تطوير التكنولوجيا غير الضارة بالبيئة ونشرها.
رابعاً مكافحة الفساد: 10. مكافحة الفساد بكل أشكاله، بما فيها الابتزاز والرشاوي.
دور السلطات التنفيذية والتشريعية والإعلامية في تطبيق هذه المعايير:
دور الهيئات الحكومية والدولية في دعم المسؤولية الاجتماعية

تتحمل الهيئات الحكومية والدولية مسؤولية أساسية في تطبيق معايير "المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات"، بحيث: تقوم بسن الأنظمة والقوانين، تطوير نظم وآليات العمل،
وضع المعايير تشجيع التنافس في مجال المسؤولية الاجتماعية،
دعم البحث العلمي لخلق ثقافة علمية أكاديمية،
نشر الوعي الثقافي لدى المجتمع،
وتدريب المتطوعين والقائمين على المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات.
فضلا عن تحفيز التواصل والتنافس بين المؤسسات لتصميم وإدارة أعمال المسؤولية الاجتماعية وخلق تحول اجتماعي تجاه المسؤولية الاجتماعية.
وبين الجانب الإنساني والجانب الاقتصادي يأتي دور جماعات الضغط، مثل الحكومات والجمعيات الإنسانية والبيئية، للوقوف في وجه طمع للمؤسسات وإيقاف التجاوزات التي تؤثر سلباً على الحياة الإنسانية.

دور السلطية التشريعية:
يأتي دور الجانب القانوني والتشريعي لحماية المجتمع البشري بشكل عام.
ويكون دور القوانين والعقوبات الصارمة المحلية من قبل الدول والمؤسسات الإقليمية والعالمية مثل الأمم المتحدة وهيئاتها لخلق هذا التوازن.

السلطة الرابعة - الإعلام:
يحقق الإعـــلام عن برامج المسؤولية الاجتماعية:
نشر المعرفة والتطبيقات المثلى في هذا المجال،خلق جو من التنافس بين المؤسسات، نشر الوعي بأهمية هذه البرامج ، التواصل والانفتاح على المجتمع، وخلق نوع من الحوار حول قضايا المجتمع.

بداية يقظة في لبنان على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات:
تبدأ تظهر مؤخرا في لبنان يقظة حذرة على مفهوم المسؤولية الإجتماعية للمؤسسات تتعدى إطار بعض المساعدات الخيرية التي كانت بعض المؤسسات الكبرى لا سيما منها بعض المصارف تقدمها إن على صعيد أفراد (مثل مبادرات لجهة تأمين منح مدرسية وجامعية لمتفوقين غير قادرين على تسديد أقساطهم، مساعدات طبية لحالات إستثنائية مكلفة لا تشملها تغطية وزارة الصحة أو حالات إجتماعية صعبة يتم تسليط الضوء عليها في الإعلام وتطلب مساهمات علنية في إعانتها...) أو على صعيد الوطن (مثلما حصل على إثر حر تموز 2006 على لبنان حين أخذت بعض المصارف على عاتقها تمويل إعادة بناء بعض الجسور المهدّمة والبنى التحتية التي المدمّرة وبعض المقومات اللإققتصادية التي تم تقويضها...).
وبدأ تعزيز هذا الوعي من خلال سلسلة ندوات تشارك فيها مختلف القطاعات من غرفة الزراعة والصناعة والتجارة وصولا الى مصرف لبنان. وتسلّط هذه النشاطات الضوء على القروض المخصصة لمشاريع صديقة للبيئة، اعتماد المعايير البيئية لدى تقييم المشاريع الممولة من المصارف، معايير تحديد وتقييم المخاطر الاجتماعية والبيئية المتصلة بالمشروع المنوي تمويله، دعم القروض الهادفة الى تعزيز التنمية في المناطق والدورات التدريبية الهادفة الى تعزيز القدرات لا سيما في الأرياف ودعم القروض التعليمية والثقافية ومختلف القروض ذات الطابع الإجتماعي التنموي على اختلافها...
واذ يظهر استطلاع نوعي قمنا به مع 18 مؤسسة لبنانية معروفة في مجال المسؤولية الاجتماعية (بعضها مشارك في برنامج مؤسسة ليبنور لنشر مبادئ المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات في لبنان وبعضها الآخر يجهد بشكل فردي وطوعي لإدراج مبادئ المسؤولية الاجتماعية في صلب استرانيجيته دون أي دعم من أي جهة كانت).
ويتبيّن أن العديد من المؤسسات اللبنانية لا سيما منها القطاع المصرفي بات لديه قسم خاص بالمسؤولية الاجتماعية فيما بعضها الآخر الناشط إجتماعيا يكلف أقساما تقليدية لديه بالمشاريع الاجتماعية (قسم التسويق والاتصالات، قسم الموارد البشرية...). إلا أن الملفت أن العديد من المؤسسات الملتزمة بالمسؤولية الاجتماعية لا يلتزم بموازنة سنوية ثابتة لتمويل مشاريعها المندرجة في هذه الخانة مما يطرح تساؤلات حول استدامتها وحول استمرارية المؤسسات في هذا الاتجاه...
كما تجدر الاشارة الى أن معظم مشاريع المسؤولية الاجتماعية لديها تصب تقريبا في نفس القطاعات (التعليم والصحة والبيئة...) دون سعي للتنويع في "الاستمثار الاجتماعي" نظرا لغياب أي توجيه أو إطار رسمي يسمح بتسهيل الحصول على داتا المعلومات حول المسؤولية الاجتماعية في لبنان وأي هيكلية رسمية توجه نحو التدخلات الاجتماعية الأولوية المطلوبة.
وأكثر من ذلك، لا بد من التوقف عند ضعف التوعية والتحفيز الإضاءة على جهود بعض المؤسسات في مجال المسؤولية الاجتماعية.. فلا المؤسسات قادرة كلها على إصدار تقارير حول نشاطها في مجال المسؤولية الاجتماعية ولا الإعلام يتولى المساهمة في تسليط الضوء الكافي عليها ولا الدولة تقدم لها حوافز المضي في هذا الاتجاه (بإعفاءات ضريبية أو قروض ميسّرة...) ولا توجد حتى الآن ضغوط كافية من المجتمع المدني دعما لتعزيز المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات...
ويتبيّن ايضا أن جميع مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات والخطوات التي قامت بها الشركات اللبنانية اتخذت بمبادرة خاصة في ظل غياب أي توجيه أو اشراف عام ورسمي. ... مما يجعل من الصعب تطور المسؤولية الاجتماعية للشركات في البلد . فضلا عن غياب أي تقييم السلطة وتقديرا لجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات لتقديم الشهادات أو العلامات التي تميز الشركات المسؤولة اجتماعيا عن المنافسين الآخرين في نفس القطاع أو توفير نفس المنتجات أو الخدمات ..
كما يذكر التأخر في بت التشريعات التي تشجع على التعاون بين القطاعين العام والخاص لتشجيع بعض مبادرات القطاع الخاص مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات، والتي يمكن أن تعوض إخفاقات الدولة على الاستجابة وحدها لاحتياجات المجتمع المدني ... لاسيما مثلا المضي بمشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويبدو ملحا إيجاد إطار للحوار الأكاديمي والمهني حول المسؤولية الاجتماعية للشركات من جهة، والحوار بين القطاعين العام والخاص في هذا الموضوع من جهة أخرى. علما أن هكذا فسحات حوار من شأنها المساعدة على تعزيز الأبحاث في هذا المجال وتوجيهها نحو المؤسسات التي تحتاجها وإيجاد فرص عمل للمتخصصين فيها وتطوير الأطر التي تسمح بحسن تطبيقها.
وقد يكون ضروريا تطوير برامج التبادل الدولية في المسؤولية الاجتماعية للشركات من خلال اتفاقات مع شركات متعددة الجنسيات من ذوي الخبرة في هذا المجال، وإلا يبقى تطوير المسؤولية الاجتماعية للشركات بطيئا ومحدودا ويقتصر على الخبرة المحلية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها شركات لبنانية مهمة، يبقى نمو المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات خجولا في لبنان إلا أن فضل القطاع الخاص يبقى أنه المبادر الأساسي والوحيد باتجاه المسؤولية الاجتماعية خلافا لما هي الحال في معظم البلدان ومنها البلدان العربية المحيطة حيث تواكب الدولة تنامي هذا المفهوم وتساهم بتعزيزه. أما في لبنان فالقطاع الخاص هو المبادر استجابة لتزيد الحاجات والمطالب الاجتماعية وتعويضا الى حد كبير عن عجز الدولة عن تلبيتها.
د. سهام رزق الله
أستاذة محاضرة في كلية العلوم الإقتصادية
جامعة القديس يوسف - بيروت

  • شارك الخبر