hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - مازن ح. عبّود

في خطوة بكركي الصلاتية من أجل العناية بالخليقة وخطبة البطريرك يوحنّا بالمناسبة

الثلاثاء ١٥ أيلول ٢٠١٦ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بينما كانت النفايات تتكدس تلالا وجبالا توازي احجام الجبال تلك التي اقتلعها اصحاب المقالع والكسارات من جبل اللبان والطرقات تغص بالسيارات والساسة يتمايلون من على جبال النفايات او يختبئون تحتها او خلفها او يغمزون من قناتها، كان مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان ومجلس كنائس الشرق الاوسط واللجنة البطريركية المارونية للبيئة يصلون بامامة بطريرك الموارنة مار بشارة بطرس الراعي في بكركي وبمشاركة بطريرك الكنيسة الارثوذكسية في انطاكية يوحنّا العاشر وبعض الشعب من بيئيين ورسميين على نية الكوكب والخليقة، وذلك بمشاركة اعلامية خجولة.  عنوان الحدث كان "الصلاة من أجل العناية بالخليقة" في الاول من ايلول (عيد رأس السنة الكنسية الارثوذكسية).

لفتة اتت استجابت لما اعلنه قداسة البابا فرنسيس في 6 آب من العام 2015، حيث انّ رأس الكنيسة الكاثوليكية، احب ان يصلي مشكورا والارثوذكس في الاول من ايلول على نية الخليقة.

ارادوا ان يصلوا معا ويفكروا معا ويعملوا سوية للتوبة وتبنّي نمط حياة متناسق مع القيم المسيحية. كيف لا والبابا فرنسيس يعتبر بانّ الناس هم حرّاس الخليقة؟

حسنا فعلت بكركي في التجاوب سريعا والدعوة الى الصلاة، فقد ملّ الناس السياسة التي وصلت الى ما وصلت اليه نتيجة ازمة اخلاقية عصفت بالانسان وبعلاقته بأخيه ومحيطه الطبيعي.

فتحت بوابات بكركي غروب ذلك اليوم امام موكب البطريرك الارثوذكسي في انطاكية، الذي وافى كي يدلي بموقف كنيسته من الازمة البيئة ويشارك الموارنة همومهم وحرصهم على البلد والكوكب. فالبلد لم يكن بألف خير والكوكب يتخبط بحرارته التي ارتفعت بفعل الانتهاكات. صلى الجميع من شعب واكليروس وقرأوا مزاميرهم، ومن ثمّ تلى بطريرك انطاكية للروم الارثوذكس خطبته التي استهلها بالمزمور 103.

بدا وهو يتلو خطبته كأنه واقف على قمة جبل الأرز قبالة وادي قنّوبين يتأمل قديسي الموارنة، مخاطبا. فتكلم "يوحنّا" عن لبنان "قطعة سما" وميزات بلد الارز التفاضلية بيئيا وطبيعيا التي بدأت تزول بفعل انتهاكات البشر، توسع رويدا رويدا فتطرق الى الازمة البيئية في الشرق قبل ان يتكلم مطولا في الكوكب والاحتباس الحراري.

 قرأ الازمة بعدسة نظاراته الكنسية، فقال:"الخليقة هي ملكُ الله. الإنسان ساكن في بيت يملكه الله، وليسَ ملكاً شخصيًّا للانسان".

وتابع: "الإنسان اليوم قد فقد الوعي بأن الحياة هي هبة من الله، حتى أنه نسي معنى الحياة الأساسي، جاعلًا من وجوده مركزًا للحياة، ومكتفيًا بذاته. لذلك، لا يرى الإنسان اليوم أن بيئته تخصّه، بل يراها بابًا للمتاجرة، والمنفعة الشخصيّة، والتسهيلات. إن الروح النفعيّة المنتشرة والاستهلاك المُبالغ به يعزى إلى هذا العالم المُتغرِّب عن ذاته وعن الخليقة وعن الله."

ثمّ قال: "تنظر الكنيسة الى خليقة الله كوحدة موحّدة، وحدة عضوية، تجمع البشر والحيوانات والنباتات... فلما أخطأ الإنسان، تخلخلت علاقته لا مع الله وحده، ولكن أيضًا مع ذاته، ومع أخيه الإنسان ومحيطه الخارجي، ومع النبات والحيوان والطبيعة والبيئة بشكلٍ عام. فانبتت الطبيعة للانسان "شوكًا وحسكًا" وقتل قايين أخاه هابيل حسدًا". لذا، فبحسبه "ان اي تعدٍّ على الطبيعة هو اعتداء لا على البيئة والبشر وحدهما، بل هو أولًا اعتداء على سيّد الخليقة، أي خطيئة تجاه الله أيضًا."

ثمّ اشار الى أنّ الانسان مؤتمن على تنمية الأرض وفلاحتها، وهي مسؤولية يُحاسب عليها أمام الله.  واعتبر بأنّ كنيسته، التي تدمج عناصر طبيعية في عبادت ليتورجية، تشجع أبناءها على استخدام مستدام للمصادر الطبيعيّة بشكل يحترم خليقة الله. فالانسان بحسبه هو كاهن شكري.

واعتبر بانّ "الأزمة البيئية هي انتروبولويجيّة وروحيّة في الأساس، لأنها صنع الانسان وعقليّته الاستغلالية والنفعيّة"، و" الحلّ يبدأ من قلب الإنسان". وطالب بفكر جديد، ونظرة جديدة تجسّد حياة "الخليقة الجديدة" من خلال احترام العالم المادي والصوم والصلاة. وردد مع 

القديس مكسيموس المعترف مقولة بأن "الانسان يستطيع أن يعمل من الأرض جنّة، فقط إذا كان هو نفسه يحمل الجنّة بداخله."

واخيرا، طالب الجميع بالعمل معًا لاحترام "خليقة الله، وأوّلها الإنسان، وهبة الحياة". ثمّ دعا مع الجميع الى التوبة، و"الى تغيير الذهنيّة، كوسيلة وحيدة لتجديد الإنسان، واستبدال السلوك الأناني والطمع في استخدام الثروات بسلوكٍ يتوافق والتدبير الإلهي".

انتهت الخطبة، وختم البطريرك الراعي الصلاة الحدث في توقيتها والحضور. لكن هل تتحول الكلمات المكتوبة في الكتاب والخطبة الى كلمة حية تعبر الى قلوب الناس، فتغيّر فيهم ويصيرون بشرا جددا؟

انتهت الصلاة وما من احد من المشاركين يريد للخطوة ان تصير طقسا ليتورجيا يضاف الى طقوس ليتورجية في الكنيسة تفتقر الى الروحانية والحياة.

نعم فاننا اليوم نطلب روحا جديدة تحرك الكنيسة اصلاحا، تعيد للنصوص روحيتها وللبشر مبادئهم ورحانيتهم، فيسلم الكوكب ويعود التوازن. وهذه ورشة عمل لا يجب ان تتوقف.

عاد الجميع من حيث اتى، ووضب البطريرك يوحنّا امتعته كي يبدأ في الغد، الذي ما بعد الصلاة، رحلة جديدة الى مؤتمر مجلس كنائس الشرق الاوسط المنعقد بضيافة بطريرك كنيسته في القدس ثيوفيلوس، وقد فرقت ما بينهما السياسة الى حد انّ كريت نامت على مجمع واستفاقت على اجتماع.  خطوة يجب التوقف عندها والتأمل فيها مليا والتنويه بجودتها وتوقيتها. لكن هل مشاركة البطريرك يوحنا في الاردن تنهي مرحلة التشرذم في الكنيسة الارثوذكسية وترسي اسس مرحلة جديدة من العلاقات ما بين حبري الكنيسة الارثوذكسية الواحدة؟ وهل انّ البطريرك يوحنّا ما بعد كريت اضحى اكثر قوة وثقة واتكالا على الله الذي عمل بضعفنا؟  وهل سيلاقي بطريرك المدينة المقدسة اخيه بطريرك انطاكية في نصف الطريق، فتنتهي الازمة؟ خطوة اقل ما يقال فيها انها شجاعة وفي الاتجاه الصحيح . فالمطلوب فكر جديد ونظرة جديدة وكنيسة جديدة في كيفية تعاطي احبارها مع بعضهم البعض ومن ثمّ مع اناسهم. لقد اشتقنا الى عقلية جديدة وكنيسة جديدة وبشرية جديدة وكوكب نظيف.

         

  • شارك الخبر