لا تمنع الزيارة الخامسة للدانمارك والرابعة للعاصمة كوبنهاغن من اكتشاف أماكن جديدة وتطورات في الحياة العامة لم تكن ظاهرة قبلاً.
منذ الزيارة الأولى قبل ثلاث سنوات، لا تتوقف تلك البلاد من كونها مدرسة في النظام والحياة العامة، تكفي لتنهل منها شعوب الكرة الأرضية جمعاء، أكان من ناحية القوانين وحكمها أو حتى من تصرفات الأفراد في الحياة اليومية.
قبل المقارنة يجب الاعتراف اننا نتقدمهم بثلاث أمور: ساعة من الوقت الى الأمام، الطقس، ونوعاً ما الأكل (المطبخ الدانماركي ليس سيئاً جداً مقارنةً بأكلنا).
في الزيارة الأخيرة كنت برفقة صديقة تزور الدانمارك للمرة الأولى، المفاجأة الأولى كانت بمياه الشرب المتوفرة من خلال "ميّ الدولة" أي بتعبير آخر فإن المياه التي نغسل بها وجهنا هي صالحة للشرب.
خلال الأيام الثلاثة في كوبنهاغن بالكاد سمعنا زمور سيارة مرة او مرتين، فلا حاجة له في القيادة الا عند الضرورة القصوى. ايضاً في فن القيادة وعند التقاطعات فحين يرى سائق انك تريد المرور الى الجهة المقابلة من الطريق، سيتوقف فوراً قبل عشرة امتار فاسحاً لك الطريق مع ابتسامة عريضة.
للحرس الملكي متحف في كوبنهاغن لعربات الخيل واسطبل، كنت قد زرته العام الفائت. وخلال زيارته هذه السنة لقد وجدنا العربات من دون الخيول، حين سألنا المسؤولة عنها قالت انهم في العطلة الصيفية... نعم، لدى خيول الحرس الملكي في الدانمارك عطلة صيفية في الريف.
بالنسبة للأفق فوق البحر، فإنهم يلوّثون المنظر عبر مزارع الطاقة الهوائية في البحر، بينما نلوّثه نحن بأطر الدخان الأسود.
خلال تجوالنا في المدينة، ذهبنا لشراء بطاقة للقيام بجولة في زورق حول أهم معالم المدينة، سألنا الفتاة إن كنا نستطيع الاستفادة من بطاقة المدينة (المخصصة للاماكن السياحية) من القيام بالجولة، قالت لنا: "هنا يمكنكم الاستفادة من خصم 50% على سعر البطاقة، لكن يمكنكم في الجهة الأُخرى (دلّتنا عليها على الخريطة) القيام بالجولة مجاناً عبر البطاقة". أتتخيلون موقفاً مماثلاً عندنا؟
من الظواهر الجديدة في المدينة هذه المرة إزدياد السيارات الكهربائية، فسابقاً لم تكن بهذا العدد في الطرقات. كذلك انتهى بناء جسر خاص للدراجات الهوائية. فاقتناء سيارة في الدانمارك هو مكلف جداً فالسيارة الأولى ضريبتها 60% أما في حال قررت اقتناء سيارة ثانية فستكون ضريبتها 180%، لذلك الدراجة الهوائية هي عصب المواصلات العامة في المدينة، وجغرافية المدينة المسطحة تساعد ايضاً في هذا المجال، بالإضافة الى شبكة نقل عام مؤلفة من باصات، مترو، قطار وترامواي.
أربعة آلاف وبضعة مئات من الكيلومترات تفصل بين البلدين، لبنان (شعب، سلطة وقوانين) بحاجة لنفس الرقم من السنوات الضوئية ليصل إلى ما تنعم به تلك البلاد الباردة في الشمال وليحصل على لقب دانمارك الشرق.
عذراً عاصي الحلاني: ما بيكفي انّك لبناني!