hit counter script

أخبار محليّة

نورهان... مزّقت الكتب والأحزان

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٦ - 06:21

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

«الحزن يدوم إلى الأبد»... قد يكون هذا ما فكّرَت فيه نورهان عند وقوفها على شرفة منزلها، وقد تكون سمعَت صوتاً ما ناداها للانتحار خادعاً إيّاها، قد يكون شريط حياتها بحلوِه ومرِّه، مرَّ أمامها فأيقنَت أنّ الحياة لا تستحقّ العناء. قد تكون فكّرَت بأمّها، بأخواتها الثلاث، بأبيها البعيد عنها، بأصدقائها وبوَضعها، ثمّ فكّرَت بنفسها وقرّرت... التفكير بنفسها.إحتمالات كثيرة قد تكون حصلت في لحظة التخلّي، أفكار كثيرة، والكثير من الاستسلام. لكن مَن يعلم؟ فنورهان لم تعُد موجودة في هذا العالم لتجيب عن هذه التساؤلات والاحتمالات.

أوّل ما يخطر في بال من يرى صوَر نورهان، هو، كم أنّها جميلة وكم أنّ ابتسامتها تنِمّ عن حبٍّ للحياة، ومن يقرأ كتاباتها على مواقع التواصل الاجتماعي يَفهم كمَّ الثورة الموجود داخلها، الثورة على المجتمع، الثورة على وضع البلد وعلى تفكير أهله، ويَخال للحظة أنّ هذه الثورة ما كانت لتنمو داخل أيّ إنسان لو لم يكن محبّاً للحياة وساعياً لإصلاحها، ليكتشفَ بَعدها أنّ هذه الفتاة العشرينية قرّرت الثورة على نفسها وانتقمت منها.

فمساء يوم الإثنين، هزّت حادثة مؤلمة ومفجعة الرأيَ العام، بعدما رمت نورهان حمود بنفسها من شرفة منزلها في الطابق التاسع، وقد فتَحت القوى الأمنية تحقيقاً لمعرفة الملابسات.

وبين مَن هاجَم نورهان معتبراً أنّ الانتحار للجُبناء وأن لا شيء يُبرّر الاستسلام للقهر أو الضعف، ومَن علَّل لها قرارَها، على اعتبار أنّنا نحيا في مكان لا نعرف فيه لماذا نحيا ومن أجل ماذا، وأنّ على الجميع رميَ أنفسِهم إلى الموت والانتقال من مقابرهم إلى المجهول، فيسمع أصواتَهم رجال الدين والكفّار الذين تسلّقوا عروش الفساد.

تعدَّدت الآراء لتبقى النتيجة واحدة: نورهان ماتت، وصدى ضحكاتها سيُسمع في الأذهان فقط، هي التي اعتبَر كثيرون أنّها دخلت قلوبَهم بسرعة وخرَجت من الحياة بهدوء.

«شالٌ مزركش وخواتم، أغنية كردية وكأس حلوُ المذاق في شوارع المدينة المظلمة. هذه هي نورهان. الوداع يا جميلة»، هكذا اختصَر أحد أصدقاء نورهان شخصيتَها ببعض الكلمات، هي التي كان قد سبق لها أن عبّرت عبر صفحتها في 16 أيار الماضي بأنّ «بيروت الليلية لا توحي إلّا بالانتحار»، لتسألها إحدى الصديقات ممازحةً «في أمل؟» فتردّ نورهان بكلمة واحدة «يمكن».

نورهان التي رَحلت بالتزامن مع مواسم هجرة الطيور إلى البعيد، كتبَت منذ فترة على صفحتها «بعد قليل سأقوم بثورةٍ صغيرة في هذه الغرفة السوداء، أمزّق الكتبَ والأحزان والصوَر القديمة وأضعُ الكرسيّ مكان المدفأة»، وهو ما نفّذته ليل الإثنين، فمزّقَت الصوَر القديمة ومزّقت قلوبَ مَن عرفوها وأحبّوها ونَدهوها باسم «نورا»، يقيناً منهم بأنّها شعلة نور تضيء الطريق لهم.

وبما أنّ «الجمرة ما بتِحرُق إلّا محلّا»، فإنّ أوّلَ ما يعلّق به أيُّ شخص على هذا الحادث: «ألله يصبِّر قلب إمّها»، أمّا قلبُ هذه الأمّ فسيحتاج لكلّ النِعم الإلهية لكي يصبر، فهي فَقدت وحيدتَها وصديقتها، والكلمات التي عبّرَت فيها عن حزنها على صفحتها مثالٌ عمّا يدور داخل هذا القلب، «هيدي بنتي اللي عمرها 20 سنة، مثل قلب النهار من جوّا وبرّا، يا خسارِة شبابك، كيف بدّي عيش من دونك، كيف يا قلبي»... فهل ستجيبها الأيام عن سبب اتّخاذ ابنتِها هذا الخيار؟

ربى منذر - الجمهورية - 

  • شارك الخبر