hit counter script

- هيوغ نايلور - واشنطن بوست

في بلد حيث انقطاع التيار هو القاعدة.. بلدة لبنانية تؤمن الكهرباء 24 ساعة

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٦ - 11:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(هيوغ نايلور – واشنطن بوست)

حدث رائع يتكرر يومياً في هذه المدينة الزراعية اللبنانية: شوارع مضيئة في الليل، ويتم ضخ المياه إلى المنازل من دون انقطاع. فالكهرباء مؤمنة في زحلة 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع.

إن كان هذا الأمر ليس مهماً جداً برأيك، فما عليك إلا أن تسأل سكان أية مدينة أخرى في هذا البلد الصغير وحسب. فهم يعانون من انقطاع يومي للكهرباء قد يستمر لـ18 ساعة، في حين يدفعون رسوماً باهظة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة الانتهازيين للحصول على ما يكفيهم من الكهرباء.

 ملايين السكان في جميع أنحاء الشرق الأوسط يعانون من تفاقم انقطاع التيار الكهربائي. أججت المسألة مشاعر الإحباط التي أدت لثورات الربيع العربي في العام 2011 وهي تمثل تحدياً رهيباً لعدد السكان المتزايد في المنطقة، بما في ذلك في البلدان التي تمزقها الحرب مثل العراق واليمن.
لكن في زحلة، المدينة التي تقع في وادي البقاع وتتميز بمناظرها الخلابة، تغلب سكانها البالغ عددهم حوالي 000 150 نسمة على مشكلة تأمين الطاقة من خلال الإرادة السياسية والإبداع، وهي تقدم لبقية المناطق دروساً في كيفية الحصول على الكهرباء بأسعار معقولة وموثوق بها.
"يعتبر ما حدث في زحلة وضواحيها إنجازاً كبيراً، ويعطي الأمل في أنه يمكن تكرار تجربتنا الناجحة مع الكهرباء 24 ساعة على مدى أبعد"، يقول إيلي الماروني، أحد نواب زحله في البرلمان اللبناني.

 أسعد نكد، رئيس شركة الكهرباء المحلية في لبنان التي توفر الكهرباء على مدار الساعة، يقوم بجولة في محطة توليد الكهرباء التي بناها في الآونة الأخيرة لمدينته زحلة، لبنان في 15 آب 2016. (هيو نايلور / واشنطن بوست)

في العام الماضي، تلقى مسؤولون في "شركة كهرباء زحلة" تهديدات بالموت من أصحاب المولدات الكهربائية في المدينة (يسميها السكان "المافيا") لأنهم كانوا يبنون محطة لتوليد الكهرباء تقدم خدماتها إلى المدينة والبلديات المحيطة بها.

 دعم معظم سكان المدينة بناء محطة الطاقة الوحيدة في المنطقة، مما أدى إلى خروج مشغلي المولدات من السوق وخفض فواتير الطاقة الشهرية بمقدار النصف تقريباً.
يقول صاحب متجر الهدايا التذكارية في زحله، إلياس عقيقي، البالغ من العمر 75 عاماً "إنها معجزة"! لقد كنا نختنق قبل كل هذا.
بدأ انقطاع التيار الكهربائي في لبنان خلال سنوات الحرب الأهلية، منذ العام 1975 إلى العام 1990، ولا يزال حتى اليوم يقض مضجع أكثر من 4 ملايين مواطن في هذا البلد من منطقة البحر الأبيض المتوسط.

 حتى اليوم، لا تزال الأنوار وأجهزة التلفزيون تتوقف عن العمل عدة مرات في يوم. في بعض المناطق، يمنع انقطاع التيار البلديات من ضخ المياه إلى المنازل والشركات.

جولة سامي صقر في حقول البطاطس والقمح التي يزرعها في زحلة، لبنان. (هيو نايلور/صحيفة واشنطن بوست)

لا توفر المولدات الكهربائية الاحتياطية سوى كميات محدودة من الطاقة. يستطيع الناس أثناء تشغيلها استخدام جهاز أو اثنين في منازلهم، أو في شركاتهم، لكن أية مخاطرة في استخدام مزيد من الأجهزة قد يثقل كاهل الدوائر الكهربائية ويؤدي إلى قطع التيار.
"إنها أزمة طويلة الأمد هنا، كما أنها تزداد سوءاً، يقول جيهان سعود، خبير الطاقة والبيئة في لبنان في "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
أسباب انقطاع التيار في لبنان معقدة. فهناك أكثر من مليون سوري فروا من الحرب الأهلية الدائرة في بلدهم ولجأوا إلى لبنان، ما أدى إلى ضغط شديد على الإمدادات الكهربائية.
يميل اللبنانيون إلى إلقاء اللوم على حكومتهم المختلة وظيفياً. إذ أن السياسيين المتحاربين دوماً أخفقوا في التوصل إلى اتفاق على رئيس جديد منذ أكثر من عامين، فتركوا المنصب الرئيسي شاغراً طيلة تلك الفترة. لقد تناحروا حتى على الأمور البسيطة مثل جمع القمامة في العاصمة بيروت. ولا يزعج المتخاصمون أنفسهم ويشرحون لماذا لم يتم بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة منذ التسعينات، باستثناء زحلة، ولماذا تنتج المرافق القائمة ما يزيد قليلاً على نصف الكهرباء التي يحتاج إليها البلد.
"يلعب الفساد دوراً رئيسيا"، يقول مروان اسكندر، خبير اقتصادي لبناني. برعاية شخصيات سلطوية، امتنع عدد كبير من المشتركين في شبكة الكهرباء الوطنية عن دفع فواتيرهم. حتى أنني أعرف نائباً سابقاً في البرلمان اللبناني يدين، حرفياً، بملايين الدولارات من فواتير الكهرباء غير المدفوعة".

تفاقم انقطاع التيار في زحلة في السنوات الأخيرة، وكان، في بعض الأحيان، يستمر يوماً كاملاً.
بعد الدمار الذي لحق بمحطة الطاقة القديمة في المدينة خلال الحرب الأهلية، تعاقدت شركة الكهرباء المحلية، "كهرباء زحلة" مع شركة بريطانية لبناء، والمساعدة في تشغيل مصنع ينتج 60 ميغاواطاً، وبدأ بتقديم خدماته في آذار من العام 2015.
حتى ذلك الحين، كانت "كهرباء زحلة" مجرد موزع للكهرباء التي كانت تتلقاها من شركة الكهرباء التابعة للدولة.
"لقد تعبت — تعبنا جميعاً — من الوعود التي قطعتها الحكومة بأن الكهرباء ستتوفر 24 ساعة على مدى 7 أيام. لم يحدث ذلك قط، لذا قررنا التصرف"، قال الرئيس التنفيذي لـ"كهرباء زحلة"، أسعد نكد.
مارس المسؤولون الحكوميون ضغوطاً على نكد لوقف المشروع، لكنه قال إنه وقف في وجههم متسلحاً بقانون من عشرينيات القرن الماضي يعطي "كهرباء زحلة" الحق في توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية الخاصة بها.
لم يجب المسؤولون في وزارة الطاقة وشركة الكهرباء التابعة للدولة على الأسئلة عبر الهاتف أو الرسائل النصية بشأن هذه المسألة.
في السياق نفسه، تلقت عائلة نكد تهديدات مجهولة بالقتل أثناء بناء المصنع، كما وأطلق مجهولون الرصاص على العديد من محولات "كهرباء زحلة"، واقتحمت مجموعة من الرجال الذين يزودون محولات المدينة الخاصة بالوقود مكتب نكد ووجهوا له إنذاراً بأنهم سيقتلونه إن أكمل بناء المصنع. فهؤلاء كانوا سيخسرون الكثير من جراء توقف المحولات الخاصة.
وفقاً لرئيس بلدية زحلة، أسعد زغيب، رفض أصحاب المولدات الخاصة في المدينة خفض رسومهم. ويشير السكان إلى أن معظم أصحاب المولدات الخاصة أصبحوا من أكبر أثرياء المدينة. "كان عمي يشغّل عدة مولدات، أصبح الآن يمتلك ست فيلات"، يقول شربل بويني، صاحب متجر حلوى في زحلة.
أثناء بناء المصنع، تعرض السكان لحملات تخويف من قبل أصحاب المولدات الخاصة. فقد أرسل أحدهم أزلامه إلى منزل وسيم تيني ليبلغه بأنه لا يستطيع إلغاء اشتراكه من مولد الحي. كما أنهم طالبوا أيضاً بزيادة الرسوم، لكن أحداً من سكان الحي لم يذعن لمطالبهم.
بسرعة قياسية، وحتى يومنا هذا، تؤمن محطة الطاقة الجديدة في زحلة الكهرباء بشكل مستمر لحوالي 250 ألف شخص في المنطقة. ويدّخر سامي صقر، 52 عاماً، مزارع، الآلاف من الدولارات التي اعتاد أن ينفقها على تكاليف المولدات الكهربائية لضخ المياه الجوفية لري حقول البطاطس والقمح والقرع التي يزرعها. "يمكنني الزراعة في الليل حتى إن أردت"، مشيراً إلى الأعمدة الكهربائية المضاءة في الشوارع قرب حقوله.
حتى مشغل أحد المولدات السابقين، جورج اليوسف، الذي هو الآن عاطل عن العمل، يعترف بأن زحلة أفضل حالاً الآن. بينما يشتكي يوسف، 66 عاماً، من أن أسعار الكهرباء في المدينة لا تزال مرتفعة مقارنة بالبلدان الأخرى. لكنه يستدرك بالقول، "إن الأسعار أدنى بكثير مما كانت عليه".
 

  • شارك الخبر