hit counter script

مقالات مختارة - نبيه البرجي

لعبة الآلهة لا لعبة الأمم

الأحد ١٥ آب ٢٠١٦ - 06:26

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

لو شاء مايلز كوبلاند ان يضع كتابا بعد «لعبة الامم» لكان عنوانه، حتما، «لعبة الآلهة». مادام الله قد ولد هنا، وترعرع هنا، واقام هنا، واخيرا مات هنا، وقام هنا، لا بد للآلهة، سواء كانت بأسنان اغريقية، او ببكائيات سومرية، ان تمر من هنا...
لهذا يفترض بالشرق الاوسط ان يكون، دائما، الضحية. ناعوم تشومسكي خاطب اليهود «هل اتيتم الى هذه الارض لكي تتوزعوا بين الخنادق والقبور؟» حتى ان العديد من اليهود في اميركا ضاقوا ذرعا ببنيامين نتنياهو، واحد مؤسسي اللوبي الاخر(جي- ستريت)، يرى ان هذا الرجل انما يقود اسرائيل الى الهولوكوست بل انه يقود المنطقة كلها الى الهولوكوست...
آلهة، ويفترض ان يتلاعبوا بالتاريخ، على انه حصان من نار، ويتلاعبون بالجغرافيا على انها كوكتيل من الاواني الزجاجية، ويتلاعبون بالايديولوجيا على انها فوهة الجحيم.
 أليس هكذا تتعاطى الايديولوجيات الاسلامية مع المجتمعات التي يفترض ان تهبط من السماء جثة وتعود الى السماء جثة...
سذّج الاتراك والايرانيون والاسرائيليون والسعوديون (المصريون اودعوا اخناتون وخفرع وتوت غنخ آمون في المتاحف) حين يتصورون ان باستطاعتهم ان يتقمصوا ادوار (وملابس) الآلهة...
سذج الفرنسيون ايضا. هنا لسنا امام شارل ديغول ولا حتى امام فرنسوا ميتران، بل امام رؤساء حولوا الاليزيه الى فردوس للطغاة، ولقتلة الشعوب. تذكرون ان معمر القذافي نصب خيمته في باحة الاليزيه. اين هو رينيه ديكارت، واين هو شاتوبريان ومونتسكيو في هذه الحال؟ لا بأس، عند بعض الفقهاء المسلمين الفلسفة مثل الادب «ان يتقيأ الشيطان».
ريجيس دوبريه وصف نيكولا ساركوزي الذي يستعد لخوض المعركة الرئاسية مرة اخرى، وفرنسوا هولاند الذي لن يترك اي اثر، اقله في غرفة النوم، باعة الارصفة. اي دور اضطلع به لوران فابيوس في محاولة تعطيل اتفاق فيينا الذي ما إن وقعه الاميركيون حتى كان اول من يطرق ابواب طهران؟
دوبريه يقول «كفى انتهازية وكفى غباء». جان - مارك ايرولت الذي يدعو مجلس الامن الى التحقيق في استخدام النظام السوري للاسلحة الكيمائية (وهذه مسألة تقشعر لها النفوس)، لا يعرف ان بلاده لم تعتذر من الجزائريين على التجارب النووية التي اجرتها في الصحراء. حتى ان الرمال دمرت. كيف بالبشر؟
الانكليز اكثر براعة في مقاربة ازمات الشرق الاوسط. يسخرون من الاميركيين الذين يبدلون استراتيجياتهم كما يبدلون احذيتهم. نصحوا اكثر من مرة بأن الحطام وحده يرقص التانغو مع الحطام...
الالمان لا تعرف ماذا في رؤوسهم، قرع الطبول ام سنفونيات شتراوس وبيتهوفن. يفضلون ديبلوماسية الظل حتى ولو كانت الديبلوماسية الصاعقة...
الاميركيون؟ يا لفتنة الاميركيين الذين كل الكرة الارضية في قبضتهم. هل حقا ان النازا تفكر بارسال مركبة الى العالم الاخر؟ لا نتصور ان هذا بالامر المستحيل...
اذاً، إله واحد ويدعى اميركا. بالمكنسة، او بالقاذفات، او بالاحذية الثقيلة، ازاح كل اثر للالهة الاخرين. الذين فعلوه في الشرق الاوسط انهم عقدوا قران التاريخ على الايديولوجيا، فكانت مستنقعات الدم.
هؤلاء الذين جعلوا فيتنام دولتين، كوريا ايضا، واينما حلوا يتركون الروك اندرول او الخراب. عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو كتب، بشكل رائع، عن الجينز «اميركا التي تستوطن هياكلنا العظمية، انما تستوطن ارواحنا».
لا يملكون الحنكة، والحرفية، اللازمة في صناعة الخرائط. حتى الان، الاردن يتحول من دولة هامشية الى مملكة هاشمية كبرى. اجزاء من سوريا واجزاء من العراق (آخر نسخة من الخرائط) ولتبقى الضفة الغربية للاسرائيليين...
لبنان مرشح ليتسع، وكما قلنا سابقا، نحو وادي النصارى وجبل الدروز لان السنّة والشيعة اثبتوا في لبنان، كما في العراق، انهم اكثر فوضوية، وايديولوجية، من ان يصنعوا دولة...
لعبة الآلهة، لا لعبة الامم، لا تتوقف هنا. على وقع الزلزال السوري باقة زهر على ضريح مارك سايكس وجورج بيكو. الان، اميركا هي التي ترسم قضاءكم وقدركم!!

  • شارك الخبر