hit counter script

الحدث - ابراهيم درويش

ثمانية وثلاثون عاماً على اختفاء الامام الصدر... في بلد لا يراد له "كلمة سواء"

الجمعة ١٥ آب ٢٠١٦ - 06:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يمكن ان تستقر عيني على الكنسية والجامع المتلاصقان في بلدتي جرجوع، كما لا يمكن ان استمتع بالتآلف بين صيحات الله وأكبر ورنين جرس الكنيسة من دون أن تمر في خاطري صورة ذلك المعمم يخطب في الكنيسة، داعيا الى الالفة والوحدة، مناشدا الالتقاء حول كلمة سواء.
ثمانية وثلاثون عاماً مرت على اختفاء الامام المغيب الامام موسى الصدر، ثمانية وثلاثون عاماً مرت على بذرة امل كتب لها الا تنمو في أرض منع عنها الجفاف، لكنها منعت من الاخضرار ايضاً، فعلى الرغم من التأكيدات السياسية والدبلوماسية المتواصلة من ان الصيغة اللبنانية هي مطلب دولي متوافق عليه، الا ان السياق التاريخي لهذا البلد يؤكد انه ممنوع على لبنان أن يكون ساحة مستقرة امنيا وسياسياً، وبالتالي محكوم عليه ان يبقى أصغر من بلد واكبر من دويلة، وخير دليل على ما ذكرت، التعاطي الدولي مع لبنان في ملف الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية المتكررة، وحرمان الجيش اللبناني من الاسلحة المتطورة والفاعلة، ومؤخراً التعاطي الدولي حيال ملف النازحين السوريين الى لبنان.
الامام الصدر نموذج حي على الصورة التي لا يراد للبنان ان يكون عليها، فالايادي الخارجية في جهوزية تامة لتضييق مساحات التلاقي، وانعاش المواضيع الخلافية عبر شتى الابواب المذهبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى العشائرية.
الامام الصدر كان لونا مختلفاً في صورة مغايرة لـ " لبنان" القائم، كيف لا؟ وهو من احدث خرقاً صريحاً في نظرة الناس الى رجل الدين وعباءته التي امتدت لتغطي الـ 10452 كم2.
فمن الاجحاف والظلم ان طيفاً كبيراً من اللبنانيين لا يعرفون عن الامام الصدر سوى ارتباطه بطائفة معينة وانشائه حركة سياسية، اصبحت لاعباً اساسياً في الحياة السياسية اللبنانية، على الرغم من ان الامام قفز عبر بوابة المواطنة ليتحول الى مشروع وهدف لنهضة لبنان، وتعزيز مساحات التقارب بين اطيافه.
ولأن السياق المرسوم للبنان يتطلب الا يكون في هذا البلد مشروع وحدة ونهضة، كانت العملية المدبرة لاختطاف الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، ليقف المجتمع الدولي عاجزاً عن تظهير اي نتائج جدية حيال عملية الاختطاف.
الحديث عن الامام الصدر، يتطلب مساحات توازي مساحة الوطن الذي تنقل في ارجائه، سعياً لنهضة الانسان ورفع الحرمان عنه فبدأ بتفعيل عمل الجمعيات، وبناء المدارس، ولأن الحرمان كان كبيراً على الطائفة الشيعية، ارتبط اسم الامام بهذه الطائفة ولا سيما بعد تأسيسه المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى على الرغم من عمله الدؤوب وتأكيده المتواصل على رفع الظلم عن الانسان في اي بقعة سمح الوقت القصير للامام بالوصول اليها، فمن لا يذكر قصة بائع المثلجات المسيحي العم انتيبا، الذي تعرض له احد الاشخاص على خلفية مذهبية، فما كان من الامام الا ان توجه الى معمل العم انتيبا وتناول المثلجات في دلالة على الغطاء الذي وفره له.
هذه قصة عرضية، الا انها خير مؤشر على المعالجة العملانية للامام، لا اكتفائه بالشعارات.
كما لا زال عالق في اذهان كثيرين اعتكاف الامام في الكلية العاملية ابان الحرب الاهلية اللبنانية رفضاً للاقتتال الداخلي، ومواقفه التي تؤكد على اهمية التعايش "التعايش الاسلامي- المسيحي ثروة يجب المحافظة عليه"، وموقفه الجلي تجاه رفض الاعتداء على المناطق المسيحية "إنّ من يطلق النار على دير الاحمر... أو القاع... أو شليفا ... انّما يطلق النار على عمّتي ومحرابي ومنبري".
كما اضطلع الامام بدور فاعل في اطلاق سراح المخطوفين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والطائفية.
هذه نافذة بسيطة على الامام الصدر الانسان، الذي بقي فكره وروحه وممارساته مزروعة في عقول من عرفه، على الرغم من التقصير الكبير في اعطاء هذا الامام ونهجه وفكره المساحة التي يستحقها، ليكون نمط حياة يحتذى في بناء مجتمع مدني يقوم على نبذ الطائفية، ونهضة الانسان ورفع الظلم والحرمان عنه، في كنف دولة لم تعد ترى في اللبنانيين الا مواطنين بواجبات من دون حقوق.

  • شارك الخبر