hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

قداس في دير مار سمعان أيطو بذكرى نذورات القديسة رفقا

الخميس ١٥ آب ٢٠١٦ - 11:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أقيم قداس احتفالي في باحة مزار القديسة رفقا في دير مار سمعان القرن في بلدة ايطو في قضاء زغرتا، لمناسبة ذكرى نذورات القديسة رفقا، ترأسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، بمشاركة المعاون البطريركي المطران جوزاف نفاع، ورئيس دير مار انطونيوس في قزحيا الاب مخائيل فنيانوس، رئيس الصندوق الماروني الاب نادر نادر، والاب طعمه طعمه، خادم رعية ايطو الخوري عزت الطحش، ولفيف من كهنة الابرشية.

حضر القداس رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير، رئيس بلدية زغرتا السابق العميد جوزيف المعراوي، رئيسة فرع الصليب الاحمر في زغرتا جوزفين حرفوش، رئيسة دير مار سمعان ايطو الام صونيا الغصين، سركيس يمين وحشد من ابناء بلدة ايطو وراهبات ورهبان وزوار الدير ومؤمنون.

بعد الانجيل المقدس، ألقى المطران بو جوده عظة جاء فيها: "إني أفرح الآن بالآلام التي أقاسيها لأجلكم، وأتم في جسدي ما ينقص من مضايق المسيح لأجل جسده الذي هو الكنيسة" (كولوسي 1/24). بهذه الكلمات التي يعبر فيها بولس الرسول عن القيمة الخلاصية للألم، يستهل البابا القديس يوحنا بولس الثاني رسالته الرسولية "الألم الخلاصي" الذي تحول، مع آلام المسيح وموته من سبب لليأس إلى وسيلة للخلاص. فالكثيرون كانوا يعتقدون ويؤكدون أن الألم والعذاب هو عقاب من الله يفرضه على الذي يخالف إرادته، بينما نرى على العكس ونسمع المسيح يقول لنا أن الله لا يريد موت الخاطئ بل توبته وعودته إليه ليحيا. إذ ليس الله من يفرض العذاب والألم على الإنسان، بل هو الإنسان من يفرض ذلك على نفسه، عندما يعتقد أن بإمكانه تحقيق ذاته ومبتغاه بالإبتعاد عن الله ورفضه، لكنه لا يلبث أن يكتشف عريه ومحدوديته، ويبتعد عن الله ويختبئ من وجهه خوفا منه، على ما يقول سفر التكوين، بعد خطيئة أبوينا الأولين.
وينظر العهد القديم إلى الإنسان على أنه "مركب" من جسد وروح، وغالبا ما يجمع بين عذابات النفس "المعنوية" والألم الناجم عن بعض أعضاء الجسد، كالعظام مثلا والكلى والكبد والأحشاء والقلب. ولا يمكن إلا التسليم بأن العذابات المعنوية تنعكس عن الناحية الطبيعية أو البدنية، وغالبا ما تمتد إلى مجمل كيان الإنسان (الألم الخلاصي رقم6)".

أضاف: "إن أتم في جسدي ما نقص من آلام المسيح! إن هذه العبارة، يقول يوحنا بولس الثاني، تبدو وكأنها تضع حدا للطريق الطويل الذي يمر بالآلام، التي تندرج دائما، نوعا ما، في تاريخ البشر، وتستنير بكلمة الله. ورغم أن هذا المفهوم يختص، بدرجة أولى، بمار بولس الذي كتب هذه العبارة فهو يتناول أيضا الآخرين، وإن الرسول، إذ يشرك سواه في ما تفهمه، يفرح بكون هذا المفهوم سيساعد الناس، مثلما ساعده على التعمق في فهم معنى الألم الخلاصي.
العذاب والألم هو نتيجة موقف الإنسان الرافض لله، الذي هو بنفسه يحكم على نفسه لكن الله الذي بفعل محبة خلقه، بفعل محبة كذلك يريد أن يخلصه، وهذا ما يقوله يسوع بذاته لنيقوديموس في حواره معه: هكذا أحب الله العالم حتى أنه بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، ثم يعود فيؤكد على ذلك فيما بعد عندما يقول بأن الحب الحقيقي يبنى على التضحية حتى بالذات، إذ ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل من يحب".

وتابع بو جوده: "في رسالته الثانية إلى أهل قورنثية يتكلم بإسهاب عن الآلام التي تحملها من أجل المسيح، هو الذي كان في بادئ الأمر عدوا لدودا للمسيح. وهو يصف هذه الآلام التي تحملها ويقول: جلدني اليهود خمس مرات أربعين جلدة إلا واحدة، ضربت بالعصي ثلاث مرات، رجمت مرة واحدة، إنكسرت بي السفينة ثلاث مرات، قضيت نهارا في اللجة، كثيرا ما كنت في الأسفار في أخطار السيول، وفي أخطار اللصوص، في أخطار من أمتي وأخطار من الأمم... أعطيت شوكة في الجسد، ملاكا من الشيطان لكي يلطمني، لئلا أستكبر. ولذلك طلبت إلى الرب ثلاث مرات أن تفارقني فقال لي: تكفيك نعمتي. فبكل سرور أفتخر بأوهاني، لتستقر علي قوة المسيح. أجل! إني أسر بالأوهان والإهانات والضيقات والإضطهادات والشدائد من أجل المسيح لأني متى ضعفت فحينئذ أنا قوي (2قور11/23-26 و12/7-10)".

وقال: "القديس بولس لا يبحث عن الألم من أجل الألم، ولا عن الإضطهاد من أجل الإضطهاد. إنه يقبل بذلك ويعتبرها وسيلة لتقديس ذاته والتكفير عن ذنوبه وخاصة عن كونه قد حارب المسيح، فالإيمان المسيحي لا يبني على ما يسمى مرض المازخية، أي مرض حب الألم في سبيل الألم، بل على العكس، فإنه يبنى على القبول بما يرسله الله لنا من آلام من أجل تطهير ذاتنا وتنقيتها.
المسيح بالذات لم يسع إلى الصليب من أجل الصليب، ولا إلى الألم من أجل الألم، بل على العكس فإنه طلب من أبيه أن يبعد عنه هذه الكأس إذا كان ذلك بالإمكان... ثم أضاف بقول: لتكن مشيئتك أيها الآب.
فالصليب والموت كانا بالنسبة له وسيلة للإنتصار النهائي على الموت، على ما تنشده الليتورجية البيزنطية: وطئ الموت بالموت، ووهب بذلك الحياة للذين في القبور. والقديسة رفقا التي نحتفل اليوم بذكراها، قبلت الألم والعذاب بهذا المعنى إذ كانت آلامها آلاما خلاصية، لم تسع إليها حبا بها، بل مشاركة منها في آلام المسيح. والآلام التي عانت منها رفقا لم تكن فقط آلاما جسدية، بل كانت قبل ذلك أيضا آلاما نفسية وعائلية وإجتماعية، ولربما تكون هذه الآلام مرات كثيرة أشد إيلاما من الآلام الجسدية. ومن أهمها موت والدتها وهي في السابعة من عمرها، وإضطرارها للعمل كخادمة في إحدى العائلات في دمشق مدة أربع سنوات، ثم زواج والدها من إمرأة ثانية والخلاف بين خالتها، أخت أمها، التي كانت تريد تزويجها بإبنها، وزوجة والدها التي كانت تريد تزويجها بأخيها، وسماعها للمشادة التي حصلت بين الإثنتين وهي عائدة من العين إلى البيت، حاملة جرة الماء، وإستياءها من ذلك وحزنها.
والذي عانت منه أيضا وبصورة كبيرة هو ما رأته من مجازر في دير القمر سنة 1860 عندما حصلت المجازر الشهيرة ضد المسيحيين ورؤيتها بعض الجنود البرابرة يطاردون بخناجرهم المسننة طفلا صغيرا ليذبحوه".

أضاف: "أما الآلام الجسدية التي عانت منها، فقد طلبت من الرب أن يجعلها مشاركة منها معه في آلامه. فقد بدأت بوجع في رأسها أخذ يمتد فوق عينيها كشهب نار، ورافقها وجع العينين أكثر من إثنتي عشر سنة، وإنتهى بالعمى الذي لازمها ست عشرة سنة أخرى، بعد أن إقتلع الطبيب عينها وهو يجري لها عملية جراحية. وبعد ذلك أصيبت بالمرض في عظامها ووركها وإنفك عظم رجلها وبقيت في حالة تفكك لا مجال لوصفها. وكانت ردة فعلها الدائمة عبارة: مع آلامك يا يسوع".
إن لنا في مثل رفقا، أمثولة يجدر بنا التوقف عندها عندما نتعرض للصعوبات والآلام في حياتنا. فقد تكون ردة فعلنا مرات كثيرة سلبية رافضة قد توصلنا إلى الكفر بالله، وقد تكون وسيلة لنا لنتنقى ونتطهر من رواسب خطايانا، إذ أنها كالنار التي تنقي التراب، فيخرج منه الذهب لامعا رنانا. وقد تكون كالنار التي تحولنا رمادا لا نفع منه، إذا لم نتقبلها بروح الإيمان. فالمسيح قبل العذاب والآلام والموت في سبيل خلاص البشرية، ونحن معه مدعوون لنشاركه عمله الخلاصي والتكفيري، من أجل تنقيتنا من خطايانا، تنقية العالم والمجتمع من المواقف المناهضة للإيمان التي يتخذها من خلال إهتمامه المفرط وإعطائه الأولوية المطلقة لأمور المادة والأرض".

وختم: "فلنطلب من الرب اليوم نعمة الثبات في الإيمان والقبول بما يرسله لنا من صعوبات في حياتنا قد تسبب لنا الإزعاج مرات كثيرة، ولكنها بالتأكيد توصلنا إلى الخلاص إذا ما قبلنا بها وقلنا مع أيوب البار الرب هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، فليكن إسمه مباركا... وإننا كما نقبل منه الخير نقبل منه كذلك الألم والعذاب، كي نستحق الخلاص والعيش معه في السماء".

وكان سبق القداس مسيرة صلاة انطلقت من مدخل الدير عند طريق عام زغرتا ـ اهدن، وصولا الى باحة القديسة رفقا، حيث دشن المطران بو جوده والمعاون البطريركي نفاع، مزارا جديدا للقديسة رفقا وهي تستقبل زوارها، واقيمت الصلاة في حضور جمع من المؤمنين.  

  • شارك الخبر