hit counter script

مقالات مختارة - محمد مشموشي - المستقبل

«العقد الاجتماعي» بين اللبنانيين... إلى أين؟

الأحد ١٥ آب ٢٠١٦ - 07:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

محمد مشموشي - المستقبل
لا حاجة للقول ان كل ما يشهده لبنان في الفترة الحالية(التعيينات العسكرية، رئاسة الجمهورية، قانون الانتخابات النيابية، السلة وما فيها وحولها) لا يفعل الا أنه يوغل في ادخال البلد في الفراغ، لكن هذه المرة أبعد من فراغ مقعد الرئاسة لأكثر من عامين حتى الآن: نهاية العقد الاجتماعي بين اللبنانيين.

ذلك أن ما بات بازاراً علنياً بين السياسيين، لجهة المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة أو لجهة اقتراح السلة أو سحبها في مقابل رفض أو قبول قانون الانتخاب، تجاوز في الواقع كل ما بناه اللبنانيون من عيش مشترك أو حتى «تعايش»(على علاته؟!) منذ ما قبل الاستقلال في النصف الأول من القرن الماضي. لم يعد الحديث عن مواطنين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، على أرض واحدة وفي دولة واحدة، بل بات عن ملل ونحل سياسية لا يكاد يجمعها تاريخ ولا حتى أرض عاشت عليها هذه المجموعات البشرية.

أكثر من ذلك، صارت للنفط والغاز(حتى قبل أن يستخرجا من تحت البحر) هوية طائفية، تماما كما صارت للنفايات قبل مدة مثل هذه الهوية. أما الغاية، فسياسية أولاً وأخيراً، بل وسياسية ضيعوية جدا فضلا عن أنها لا تمت بأية صلة الى حقوق الناس ومصالحهم...بمن فيهم أهل الطائفة التي يدعون النطق باسمها.

هكذا يصبح من حق النائب المنتخب(والممدّد له بالطبع!) أن يقاطع جلسات مجلس النواب المحدّدة لانتخاب رئيس الجمهورية على مدى عامين ونصف العام تقريبا، ما دام هذا الموقف يدغدغ غرائز البعض في طائفة الرئيس أو في طائفة النائب نفسه. كما يصبح من حق الوزير أن يعطل جلسات مجلس الوزراء، وحتى قراراته بعد اتخاذها برفض التوقيع عليها، بذريعة الحاجة الى مراعاة الطوائف وممثليها في الحكم. كما يصبح من حق المرشح للرئاسة(وربما لاحقا، المرشح لأي منصب آخر) أن يمنع انتخاب أحد غيره بدعوى أنه الممثل شبه الوحيد لطائفته. والأدهى بعد ذلك كله، أن يصبح من حق من يشاء أن يقول علناً وبصريح العبارة ان هذا هو «الأمر الواقع» في البلد و»لا تجربونا في أن يحاول أحد تغييره«.

أين ما يمكن تسميته بـ«العقد الاجتماعي» الذي قام لبنان على أساسه منذ ما قبل الاستقلال في العام 1943، وبعده «اتفاق الطائف» الذي توصل اليه اللبنانيون(بدعم من العرب والعالم) عقب حرب أهلية يعرف القاصي والداني من بينهم ما أدت اليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟.

وهل تشكل «السلة الكاملة» التي تظهر على السطح في يوم، ثم تختفي عند الحاجة، لتعود باسم آخر في فترة زمنية أخرى، غير هذا المفتاح الـ( codeباللغة الالكترونية) لتوجيه ضربة قاضية لهذا «العقد الاجتماعي»، مرة تحت عنوان «مؤتمر تأسيسي» وأخرى بدعوى اعادة النظر بالنظام السياسي، ولكن دائما بمضمون طائفي ومذهبي أكثر رجعية وتخلفاً من أي نظام دولتي في العالم في القرن الحادي والعشرين؟.

الواقع أن هذا هو ما يهدد لبنان في المرحلة الحالية، وهو يعني التقسيم أو الشرذمة أو حتى التفتيت، وان كان كل من يشارك فيه(عالماً أو جاهلاً لا فرق) يدعي أنه يدافع من خلاله عن مصالح وحقوق طائفته.

والأدهى، أن مؤشرات عديدة اليه بدأت تظهر على صعيد التشكيلات الاقتصادية والمالية والصناعية في ما بات يعرف بالكانتونات الطائفية والمذهبية حتى قبل أن تصل الأمور الى مستوى طرح اعادة النظر بـ«العقد الاجتماعي» الذي قام لبنان على أساسه، واذا بـ«الكيان» وبالنظام السياسي كله بصورة رسمية.

قيل دائما ان لبنان أصغر من أن يقسم(في حجمه ورقعة أرضه) وأكبر من أن يبتلع(في رمزيته والعقد الاجتماعي بين أبنائه)، لكن لم يجرؤ أحد في أي يوم على الاعتراف علناً بأنه وأفراد حزبه وميليشياه يعيشون على ميزانية تقدمها اليهم دولة أجنبية، وأنهم جميعاً مجرد جنود في جيش هذه الدولة.

ألم يفهم اللبنانيون منذ ذلك اليوم، أو بعضهم على الأقل، معنى هذا القول وأبعاده السياسية (والكيانية) على بلد اعتقدوا دائماً انه ملاذهم الأول والأخير؟. 

  • شارك الخبر