hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جان عزيز

تفاؤل الرابية بين ضمانات إيرولت وندوة الجبير

السبت ١٥ تموز ٢٠١٦ - 07:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار
منذ أسابيع كانت الرابية متهمة بارتكاب جنحة الأمل. في الفترة الأخيرة أضيفت إليها تهمة جناية التفاؤل. مع أن سيدها لم يقل كلمة واحدة طيلة هذه الفترة. يكتفي بالاستماع والصمت والكثير من الابتسام وأحياناً الضحك.

لكن بمعزل عن أجواء الرابية وانطباعاتها، ومن دون الخوض في قراءاتها وحساباتها، بات واضحاً أن تفاؤلها قد تحول ظاهرة معدية. حتى سعد الحريري انضم إلى القائلين برئيس قبل نهاية العام. بعد أيام قليلة فقط على تشبيه «رفيقه اللدود» فؤاد السنيورة، الأمل برئاسة عون، بحلم إبليس بالجنة! علماً أن الموقفين كادا يكونان متكاملين، برغم تناقضهما الشكلي.
غير أن دقة التحليل تقتضي إجراء جردة بما يؤيد التفاؤل وما يعاكسه. قبل الخلوص إلى ما بعدهما.
في الشق الأول، طبيعي أن يسود الرابية اطمئنان إلى مجرى الاستحقاق الرئاسي. يكفيها أن قوة الصد وحق النقض اللذين تجمعا لديها، قد تأكدت نهائيتهما ومطلقيتهما. لا شيء يمكن أن يكسرهما. لا في الداخل ولا من الخارج. بعد هذا المنطلق الثابت، بات واضحاً أن عناصر القوة الرئاسية المتراكمة لديها ليست بقليلة. تأييد سمير جعجع لرئاسة عون خطوة مفصلية، على كل المستويات. برغم كل التأويلات. بعدها حمل موقف وليد جنبلاط رمزية بالغة الدلالة. فالرجل بموقعه ودوره، يمثّل تقليدياً وظيفة الجسر المتحرك في أزمات النظام. حين يرتد يفصل، وحين يمتد يصل.
بعد جعجع وجنبلاط، عادت الحرارة إلى خط عين التينة الرابية. حرارة وصفها البعض بالغازية القابلة للتبخر عند أي تعرض للهواء. أو بالاجتماعية المقتصرة على فطر ديني من دون فطر رئاسي، لكن الثابت أن هذا الخط ــ الشرط لأي استحقاق، عاد شغالاً، وعلى خطين. عند هذا الحد، وفي شكل متزامن، كانت رئاسة عون قد تحولت مادة للنقاش داخل الفريق الأزرق. أصوات حريرية أصيلة طرحت الموضوع. وطرحته من باب الإيجابية. وأصوات أخرى ردت طبعاً بسلبية واضحة. أهم في هذا النقاش أنه أثبت سقوط منطق الفيتو والأحرام الداخلية كما الخارجية. وأبلغ ما في دلالات حصوله أنه حصل فيما السفير السعودي يكاد يحتفي بعون رئيساً عريساً في سفارة بلاده. حتى إن الأصوات الزرقاء السلبية القليلة التي صدرت ولا تزال، بدت تأكيداً على أن الاسم والخطوة مطروحان وبجدية. وإلا فلماذا هذا الصراخ الاعتراضي، على خلفية من يخشى الحلول التي تأتي بالأصلاء، فتثير الوكلاء...
لم تتوقف سلسلة المؤشرات ههنا. جاء وزير الخارجية الفرنسية، بعد أسابيع طويلة من تأجيل الزيارة والتمهيد لها بلقاءات باريسية على خطي الرياض وطهران. في بيروت لم تكن محطة إيرولت شكلية. في لقاءين اساسيين له، حرص الرجل على ذكر كلمة سحرية واحدة: «ضمانات». سأل عنها المعنيين. فكانت إشارة كافية إلى أن البحث الرئاسي بلغ مرحلة الإخراج والمخارج. مرحلة لم تكن مصادفة طبعاً، أن تأتي عشية خلوة آب الحوارية المقررة، والمعدة أساساً للانعقاد تحت عنوان السلة. أي عناوين «الضمانات» المطلوبة لتنفيذ تسوية منشودة حول تبادل الحقوق.
كل هذه الإشارات لا تكفي طبعاً لترجيح كفة الحل في ميزان الأزمة. ففي الجانب الآخر، يرى البعض أن من لم يقرأ النص الكامل لندوة وزير الخارجية السعودية في بروكسل في 21 تموز، تغيب عنه معطيات أساسية لفهم المشهد الإقليمي. اختصاره أن الرياض لا تزال حاضرة ووازنة. وأنها أدركت تداعيات الانقلاب التركي. وأولها أن أنقره ببعدها الإقليمي قد انكفأت. على الأقل في المدى المنظور. وأن الرياض بادرت للسعي إلى ملء الفراغ بمقاربة استراتيجية لدورها لدى واشنطن، كما لدور موسكو في المنطقة عبر تقارب مأمول بين السعودية وروسيا. استنتج البعض في بيروت أن شيئاً لم يتغير في المواقف الاساسية. وأن زمن الحلول لم يلح طيفه بعد. فسارع هذا البعض إلى الانقضاض على أي محاولة تفاهم داخلي. والذين واكبوا جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وأسرار الانقلاب على تسوية عبد المنعم يوسف، يدركون تماماً تلك الخلاصة. باختصار، ومن دون ترميز، بدا لهؤلاء أن الضوء الأخضر السعودي لم يعط بعد. وأن فؤاد السنيورة لا يزال قادراً على مقارعة سعد الحريري في هذا الوقت الضائع.
بين علامات التفاؤل ونقيضها، يظل ثابتاً أن لبنان دخل في خط نهاية سباقه مع الأزمة. فهو على موعد في الأشهر المقبلة مع ثلاثة استحقاقات محتومة. إما أن ينتخب رئيساً. وإما أن يقر قانوناً جديداً للانتخابات النيابية. وإما أن يبلغ ربيع 2017 بلا رئيس ولا قانون. استحقاقات متمايزة منهجياً. لكنها مترابطة متفاعلة في المضمون والتأثير المتبادل. فانتخاب الرئيس يساهم على نحو كبير في تحديد أي قانون، وأي توازن سلطة بعد الربيع المقبل. والقانون المرجو، قد يكون أمام صيغة من ثلاث أيضاً. إما أن يكون قانوناً يمهد لانتخاب رئيس. وإما قانوناً من ضمن سلة انتخاب الرئيس. وإما قانون تحديد صورة السلطة والنظام المقبلين. أما استحقاق الربيع الآتي من دون رئيس ولا قانون، فقد يمثّل عامل ضغط لانتخاب رئيس، أو لإقرار قانون، أو لتغيير جذري في مفهوم الدولة.
بين كل هذه، يجدر بالجميع قراءة مغازي كلام نبيه بري، من أن اللاقانون قد يعني ثورة شعبية، وأن من يرفض سلة الحل هو من يدفع نحو المجهول التأسيسي... هل يكفي كل هذا للاطمئنان أو للقلق؟ ربما لذلك ترتكب الرابية جرم الأمل والتفاؤل، بصمت وابتسام. 

  • شارك الخبر