hit counter script

مقالات مختارة - زينة برجاوي

«يا جميلة.. يا جميلة»

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٦ - 06:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

«جميلة». يكفي أن تناديها صباح كل يوم، لتقترب منك في مدخل «السفير» وتستقبلك على طريقتها الخاصة. لا تهتم لتعبها ولا لاستيقاظها المبكر عند كل فجر، بقدر ما تسارع لإلقاء التحية على كل موظف يحضر الى الجريدة..
عشرون عامًا عاشتها «جميلة» في أروقة «السفير». عشرون عاماً، كانت هذه المؤسسة بمثابة أمانة تحافظ عليها، حيث كانت تدخل كل غرفة من غرفها وتتولى تنظيفها وترتيبها. أتقنت «جميلة» مهنتها بكل أمانة. هي التي لطالما رفضت العروض التي كانت تتلقاها للعمل في المنازل، لتكرّس نفسها على طريقتها لـ «السفير». هنا منزلها. وهنا أمضت معظم سني حياتها. لا تحبّ أن يتدخل أحد في عملها، وفي حضرة «جميلة»، تُرفع التحية لسيدة أرهقتها هموم الحياة، فوجدت نفسها وحيدة تربي ابنها في ظروف قاهرة ومأساوية. نعم، في غرفة صغيرة عاشت «جميلة» مع ابنها إلى أن تزوّج وانتقل الى منزل آخر مع زوجته.
لم يكن القدر منصفاً بحقها. غدرها صاحب المنزل التي كانت تعيش فيه، ورمى بها في الشارع بين ليلة وضحاها.
رفضت «جميلة» أن تُشغل أسرة «السفير» بهمومها. الا أن ملامح وجهها فضحتها. هذه ليست السيدة المرحة، صاحبة الضحكة الواسعة. لم يعد بوسعها أن تخبّئ سرّها. برغم ذلك، صمدت، وظلّت تبحث عن سبب يجعلها لا تتراجع عن قرارها بأن لا تكره أحداً.
وحده إدمانها على السجائر كان يستفز كل من يحبها. وكان جوابها حاضراً في كل مرة يُطلب منها ألا تكثر من التدخين: «نفّخ عليها تنجلي»، مع ابتسامتها المعتادة.
لا تنادي «جميلة» أحدًا من أسرة « السفير» باسمه. هم بنظرها «تقبرني» و«تقبريني». كنت في كل مرة أستمتع بمناداتها ثلاث مرات متتالية «يا جميلة، يا جميلة، يا جميلة»، لتردّ عليّ، دائما بالطريقة المحببة نفسها.
رحلت «جميلة» بعدما حاربت طويلا المرض العضال الذي فتك فيها.
هذه المرة لم تصمد أمام أوجاعها.
رحلت «جميلة» مبتسمةّ، كعادتها.
فجر «السفير» يسطع اليوم من دون جميلته، لكن صورتها ستظل حاضرةً في كل غرفة شهدت على عنائها ولمساتها.
«جميلة». أيتها السيدة الكادحة المناضلة، ارقدي بسلام. هموم الكون لن ترهقك بعد اليوم.

  • شارك الخبر