hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله

الدين والدولة في «موسم أصيلة»

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٦ - 06:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

في «موسم أصيلة»، الذي يختتم أعماله اليوم، هناك من يتجرّأ على قول كلام لا يتجرّأ على قوله آخرون في معظم أنحاء المنطقة، خصوصاً لدى طرح موضوع شائك مثل «النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة». يدل ذلك على أن المملكة المغربية، بفضل التجارب التي مرّت بها، وبفضل الملك محمّد السادس أوّلاً، قادرة على أن تقدم بالفعل نموذجاً يسمح بمعالجة المشاكل المستعصية التي تعاني منها المنطقة العربية خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً وذلك من دون عقد.

لعلّ أفضل من عبّر عن التوجه الذي يعكس القدرة المغربية على المساهمة في لعب دور إيجابي على الصعيدين العربي والإسلامي رجل اسمه محمّد بن عيسى، رئيس بلدية اصيلة والأمين العام لمؤسسة منتدى اصيلة ووزير الخارجية والتعاون المغربي سابقاً.

في الكلمة التي افتتح بها ندوة «النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة»، لم يحاول محمد بن عيسى الالتفاف على الموضوع. قال كلاماً مباشرًا يدل على انّه لا يهمه القاء اللوم على الآخر والهرب من المسؤولية. أشار في البداية الى أن «المطلب ما زال قائماً لتنظيم مؤتمر كبير يعالج موضوع انحسار النخب العربية والإسلامية أمام ما يتهدّد مجتمعاتها وأوطانها».

هناك نقطتان لا بدّ من التوقف عندهما في كلام بن عيسى الذي حرص على تأكيد أنّه «لا يجرؤ أي مفكر في الظرف الراهن على تبرئة النخب من بعض مسؤولياتها وتبرير تقاعسها في التعاطي مع ما لم يكن في الحسبان، ولماذا أقصيت أو أقصت نفسها عن المعترك».

بالنسبة الى النقطة الأولى التي لا بد من التوقف عندها في الكلمة، فهي متعلّقة بدور رجال الدين. يقول الأمين العام لمنتدى اصيلة في هذا المجال: «لا بد من التأكيد أنّه لا يمكن فصل الدين وعزله عن الممارسات والتوجهات التي يمارسها الأفراد والجماعات في المجتمعات العربية والإسلامية، علماً أنّ دروس التاريخ تعلّمنا أن رجال الدين خصوصاً المنغلقين منهم، حينما يتولّون أمور الدولة لا تسلم العاقبة دائماً بخير».

اما النقطة الأخرى المهمّة، فهي المتعلقة بالمغرب وما مرّ ويمرّ به. تأخذ هذه النقطة شكل سؤال قبل أي شيء آخر، ذلك ان «القصد هو حثّ النخب العربية والإسلامية كي تُعمِل التفكير وتحاول صياغة منظومة تنظم العلاقة بين الدين والدولة وتؤسس لها. ليس ضروريا ان تسمّى علمانية، كفعل لتبعية او تقليداً للغرب، خصوصاً اذا تأسست المنظومة المبتغاة على مبادئ تتعايش في ظلّها الطوائف والمعتقدات والملل والنحل. هل هذا ممكن؟».

في سياق الإجابة عن السؤال يستحضر محمد بن عيسى أن «كثيرين يأخذون العبر من التجربة المغربية والطريقة التي عالج بها أمير المؤمنين الملك محمد السادس إشكالية تحديث الدولة ومؤسساتها من دون تعارض مع المقومات الدينية والحضارية التي تميّز المجتمع المغربي ماضياً وحاضراً«. شدّد وزير الخارجية السابق على دور «أمير المؤمنين« في هذا المجال.

ذهب الرجل بعيداً في قوله ان «لا بد من التذكير بأن مفكري النهضة، من مسلمين ومسيحيين ويهود وعلمانيين اجتهدوا قدر معرفتهم وتصوروا حلولاً للإشكال المتمثّل في العلاقة بين الدين والدولة، فلماذا لا نكمل مسيرتهم ونعيد الاعتبار الى جوهر فكرهم؟».

هذه شجاعة كبيرة في الطلب من النخب العربية والإسلامية تنفيذ مهمات محددة «لا تقبل التأجيل لإثبات حضورها في المجتمع كقوة تستطيع تقديم اقتراحات وتستطيع ممارسة ضغوط توجه نحو ما ينبغي ان يكون عليه التحديث والتقدم وتشييد صرح الحكم الرشيد».

ما تغيّر هو اصيلة نفسها. من قرية للصيادين على المحيط الأطلسي، غير بعيدة كثيراً عن طنجة، هناك الآن بلدة بكلّ معنى الكلمة تعج بالناس في فصل الصيف. هناك استثمار في ثقافة الحياة في اصيلة. هناك شعور بأن البلدة تتقدم على كل الصعد. يظل البعد الإنساني البعد الأهمّ لما تحقّق في البلدة ومن خلالها. هناك حتّى تحسن في أذواق الموجودين في شوارع اصيلة وفي شكل الوجوه، التي صارت وجوهاً باسمة، في معظمها طبعاً. بدأ أهل اصيلة وزوارها يتعودون على ضرورة تطوير ذوقهم، بما في ذلك في المجال الفني، من نحت ورسم وموسيقى.

لم تعد اصيلة حدائق وأماكن عامة فرحة فحسب، بل صارت أيضاً ساحات فيها منحوتات لفنانين مغاربة وحفلات موسيقية ذات مستوى رفيع. صارت اصيلة ترمز باختصار الى احد جوانب النهضة المغربية في عهد الملك محمّد السادس وهي نهضة تتجاوز البنى التحتية الى الانسان. الانسان المغربي اوّلاً. خدمة الانسان المغربي هدف بحد ذاته في المملكة التي يعتبر فيها محمد السادس ان الحرب على الفقر والتخلف، تبقى اهمّ الحروب المطلوب خوضها.

يؤكّد التطور الذي تشهده اصيلة، والذي لا يلاحظه الا من يغيب عن البلدة فترة من الزمن تسمح له برؤية الفارق، الاستثمار المجدي في كلّ ما له علاقة بالإنسان فضلاً عن اهمّية الحوار. هذا الحوار، الذي لا يخشى المحرمات والعقد، أتاح لـ»موسم اصيلة» مواكبة التغييرات العميقة التي يشهدها العالم. لخص وزير الخارجية الاسباني السابق ميغيل انخلو موراتينوس في مداخلة له في اصيلة الوضع العالمي بقوله ان «علينا اعداد انفسنا لتغييرات كبيرة في هذا العالم».

كان هناك صعود ونزول في ندوات هذه السنة. كان هناك اشخاص من مستويات متفاوتة تماماً شاركوا في النقاشات التي تخللت «موسم اصيلة» في 2016. على الرغم من ذلك، يبقى ان لا بديل من اصيلة في عالمنا العربي الممتد من المحيط الى الخليج... او ما بقي منه.
 

  • شارك الخبر