hit counter script

مقالات مختارة - دوللي بشعلاني

العرب يتقاعسون مجدداً في «قمة نواكشوط»

الثلاثاء ١٥ تموز ٢٠١٦ - 00:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

في أسوأ الظروف التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، وفي ظلّ معاناة بعض دولها من مشكلتين أساسيتين هما: النزوح السوري والإرهاب، وبدلاً من أن يتعاون العرب على الخروج من عنق الزجاجة، نجدهم مرّة أخرى يتخاذلون ويتخلّون عن بعضهم بعضاً، حتى أنّهم لا يحضرون القمّة (باستثناء عدد ضئيل منهم) التي تمثّل مكان الحوار الوحيد الذي يجمع فيما بينهم. حتى أنّ بند «التضامن مع لبنان» الذي يتكرّر في كلّ قمّة عربية، نأى العرب بأنفسهم عنه في «قمة نواكشوط» الأخيرة، في تقاعس جديد عن مساعدة لبنان للخروج من محنته، والسبب هو «معاقبته» لتحفّظه عن اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية.
إنّ عدم تضامن الدول العربية لا سيما على حلّ أزماتها، ليس بأمرٍ جديد، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، فالقضية الفلسطينية وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي لأراضيها كما لسائر الأراضي العربية بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في جنوب لبنان، هي القضية الأولى التي اجتمعت حولها منذ إنشاء جامعة الدول العربية. غير أنّها لم تتمكّن حتى الآن من إيجاد أي حلّ نهائي لها، لا على صعيد الجامعة، ولا على صعيد مجلس الأمن الدولي، بل راحت تجرجرها معها، على مرّ السنوات، من قمّة إلى أخرى، من دون أي نتيجة فاعلة. الأمر الذي يُثبت أنّ هذه الدول لا تتعاون جديّاً فيما بينها، وإذا ما تضامنت فكلامياً فقط، بعيداً عن أي قرارات حاسمة.
أمّا لبنان الذي هو اليوم بأمسّ الحاجة الى الدعم والتضامن في هذه الفترة الصعبة التي يمرّ بها، لا سيما أنّه يستضيف أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري على أرضه رغم صغر حجمه، ويقوم بمواجهة الإرهابيين على حدوده رغم إمكاناته العسكرية الضعيفة، يجد نفسه وحيداً، على ما أضافت الاوساط، إذ ينأى العرب بأنفسهم عنه «عن قصد»، بعد أن قرّر النأي بنفسه عن صراعات المنطقة لكي يُحيّد سياسييه وشعبه عن خلاف داخلي جديد هو بغنى عنه.
والمضحك المبكي أنّ الدول العربية، ولا سيما منها الخليجية، تقف متفرّجة على ما يُعانيه لبنان من تداعيات الأزمة السورية عليه، في الوقت الذي لم تستقبل فيه أي من السعودية أو قطر وسواهما أي نازح سوري على أرضها، كما لم تعرّض جيشها وقوّاتها العسكرية الى خطر الدخول في مواجهة مع الإرهابيين. وحده لبنان هو الذي يتحمّل التبعات، وتودّ الدول العربية فضلاً عن ذلك، أن تُدفعه ثمن خياره في البقاء بعيداً عن أي صراع سنّي- شيعي في المنطقة، كون ذلك يؤثّر سلباً في وحدته الداخلية، سيما أنّ المسلمين فيه يتوزّعون مناصفة على هاتين الطائفتين. فالدول العربية التي تخلّت عن لبنان، لأنّه يرفض أن يسير معها في قرارات تتسبّب له بالصراع الداخلي، لا تحترم خصوصيته والتعددية الطائفية فيه التي تجعل المسلم السني والمسلم الشيعي يتعايش مع المسيحي والدرزي وما الى ذلك.
فرفض لبنان السير الى جانب الدولة التي تتحكّم وتسيطر على قرارات الجامعة العربية، تجنّباً لأي مشكلة داخلية تُضاف الى مشاكله الكثيرة، جعله «كبش محرقة» الأزمة السورية وتداعياتها عليه. علماً أنّه لا يُمكنه أن يقف مع دولة دون الأخرى، وإن كانت إحداها عربية والثانية غير عربية. فهذا البلد لا يستطيع إقامة الشرخ بين أبناء شعبه، إرضاء لهذه الدولة أو تلك، وهذا ما على الدول العربية وكذلك الأجنبية فهمه.
كما أنّ لبنان الذي يُمثّل نموذجاً فريداً للتعايش الطائفي في المنطقة والذي يجب الحفاظ عليه، لا بدّ وأن يحظى بمساندة الدول العربية له بشتّى الوسائل لمساعدته على حلّ مشاكله، بدلاً من وضع العصي في دواليبها. كما عليها أن تتحاور فيما بينها لإيجاد الحلول لأزمات المنطقة عوضاً عن التلهّي بـ «معاقبة» هذه الدولة أو تلك على مواقفها. لهذا فالمطلوب اليوم أن تفتح الدول العربية صفحة جديدة من العمل العربي المشترك، وتحقيق المصالحات العربية- العربية لما فيه صالح وخير هذه الدول، الأمر الذي لم يحصل في «قمّة نواكشوط» التي سُميت «قمة الأمل»، وانتهت من دون أن تعطي أي أمل لحلّ الخلافات القائمة فيما بين الدول أو بينها وبين الدول الأخرى.
وتتوقّع الأوساط نفسها عدم حصول هذه المصالحات على المدى المنظور في ظلّ إصرار السعودية على إسقاط الرئيس السوري بشّار الأسد الذي علقّت عضوية بلاده في جامعة الدول العربية، وعلى اعتبار ان «حزب الله» المتمثّل في الحكومة وفي مجلس النوّاب، إرهابي، ما قد يدلّ على أنّ البلد بأكمله إرهابي، كونه يتعاطى سياسياً وعسكرياً مع الذين صنّفتهم دول منظمة مجلس التعاون الخليجي إرهابيين. فضلاً عمّا يُناسبها من حلول في كلّ من اليمن وليبيا والعراق وسواها من دول المنطقة.
فطالما أنّ الصراعات قائمة بين الدول العربية، وأساسها الخلاف القائم بين السعودية وإيران، وكلّ من «شدّ على مشدّ» كلّ من هذين البلدين، فإنّ إرساء أسس عالم عربي جديد يطمح لمستقبل أفضل لشعوبه، لن يتحقّق. تؤكد الاوساط، كما أنّ الأمن القومي العربي سيبقى مهدّداً من التنظيمات الإرهابية التي تغذّيها، مع الأسف، بعض الدول العربية لكي تبقى هي بمنأى عن الفوضى والتوتّر الأمني وتغيير النظام فيها.
علماً أنّ الإرهاب الذي يُهدّد دول المنطقة بما فيها لبنان، ليس شيعياً، بل سني متطرّف، وهو قد وصم المسلمين جميعاً في كلّ دول العالم بأنّهم إرهابيون، الأمر الذي يجب أن يدفع بالدول السنيّة، أي الخليجية، أكثر من غيرها، الى إعادة تحسين صورة المسلمين، من خلال العمل على دحر التنظيمات الإرهابية بدلاً من تمويلها وتشجيعها على إسقاط الأنظمة بهدف إحلال سيطرة الطائفة السنيّة أينما كان.
وإن كان «حزب الله» قد تدخّل في المعارك في سوريا، على ما أوضحت الاوساط، فذلك لمنع ما يتمّ التخطيط له من إسناد النظام فيها الى سنّي، إنطلاقاً من عدم قبول الآخر في دول المنطقة، والسعي الى جعلها ذات لون طائفي واحد، كما للإبقاء على التطرّف السنّي بعيداً عن لبنان، ولحماية ظهر المقاومة المهدّدة من الدول العربية نفسها.
كذلك فإنّ لبنان الذي يستمرّ بلا رئيس اليوم، لا يُمكنه أن يكون بأكمله سنياً أو شيعياً أو مسيحياً لأنّ إلغاء أي مكوّن أساسي فيه يُعرّضه للإنهيار، ولفقدان كيانه وهويته، ولهذا فهو لا يمكنه التخلّي عن أي شريحة منه إرضاء لحلفاء شريحة أخرى، وعلى الدول العربية احترام هذا الأمر، إذا ما كانت فعلاً تريد الحفاظ على أمن واستقرار البلاد، كما على أمن واستقرار المنطقة.

  • شارك الخبر