hit counter script

الحدث - شارل جبور

هل يعيد إردوغان تموضعه السياسي؟

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٦ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

طرح الانقلاب الفاشل في تركيا إشكالية اضطرار الرئيس رجب طيب إردوغان إلى التبريد مع موسكو وطهران وحتى مع النظام السوري من أجل التفرغ للمواجهة الداخلية، وذلك من منطلق استحالة مواصلة المواجهة الخارجية والداخلية معا، سيما ان اي مواجهة خارجية تتطلب حالة من الاستقرار الداخلي.
وعلى رغم صحة هذه المقولة مبدئيا، إلا انها لم تأخذ في الاعتبار ان الانقلاب الفاشل حوّل اردوغان من زعيم تركي إلى زعيم سني على امتداد العالم الإسلامي والعربي، سيما ان صورة زعامته لم تكن بهذا الوضوح قبل الانقلاب الذي ساهم في تعزيز هذه الصورة، فاردرغان ما قبل الانقلاب غير ما بعده، وقد تحول في الوجدان السني إلى زعيم بمصاف الزعامات السنية التاريخية على غرار جمال عبد الناصر وياسر عرفات وغيرهما.
ولا شك ان اردوغان رصد بدقة كيفية تعامل الشارع السني مع المحاولة الانقلابية الفاشلة والتعاطف الواسع معه، وبالتالي يخطئ كل من يراهن على إعادة تموضعه في السياسة الإقليمية، خصوصا بعد ان تحول بنظر السنة إلى المدافع الأول عن قضاياهم ووجودهم وحضورهم ودورهم وحقوقهم، وبالتالي سيتجه من الآن فصاعدا إلى تعزيز هذه الصورة وتثبيتها وترسيخها، وليس العكس، وهذا منطق الأمور.
فأولويته إذا ان ينتزع صورة القائد السني العابر للحدود، وقد انتزعها عمليا وفعليا، وأولويته ان ينتزع الدور الإقليمي لتركيا في استعادة لدور السلطنة العثمانية، وهو يتجه إلى تحقيق هذا الهدف مع اختلاف الظروف طبعا وطبيعة الدور، وبالتالي لن يغامر بتبديد ما راكمه إلى اليوم، ولكن لهذا المسار شروطه وأبرزها الآتي:
أولا، أن لا يتهاون في كل ما يتصل بالرئيس السوري، بل ان يواصل إصراره وتمسكه بإسقاطه، ويرفض اي تسوية تضمن استمراره. فالحرب السورية كفيلة لوحدها بان تصنع زعامة او تنهي زعامة، وأي مساومة في هذه القضية تدمِّر كل حلم اردوغان بالقيادة العابرة للحدود والنيو سلطنة، ولذلك من المرجح ان يحافظ على سقف خطابه ضد الأسد، كما على حدوده المفتوحة كشريان حيوي للمعارضة السورية.
ثانيا، أن لا يتهاون مع إيران وسياساتها الإقليمية، خصوصا بعد ان تحولت إلى العدو الأول بالنسبة إلى السنة وليس تل أبيب، وهذا الواقع المستجد تتحمل طهران مسؤوليته بفعل اندفاعها للهيمنة على القرار العربي واستطرادا السني. فلا مشروعية لأي زعيم سني اليوم سوى في حال تصديه للمشروع الإيراني، وبالتالي لا خيار أمام اردرغان سوى الظهور بمظهر القائد القادر على ترسيم حدود الدور الإيراني، لان خلاف ذلك كفيل بإنهاء حلمه بالقيادة والامبراطورية.
ثالثا، ان لا يتهاون في اي قضية سنية او عربية تبدأ من اليمن ولا تنتهي في لبنان وفلسطين، اي ان يتحول إلى المدافع الأول عن كل قضية عربية او إسلامية، بما يجعله في وجدان أبناء المنطقة الضامن للتوازن الإقليمي والقادر على ردع طهران وتوفير المظلة لدول المنطقة وشعوبها.
فاردوغان امام مفترق طرق: إما ان يتسلق آخر درجات الزعامة التاريخية للسنة في المنطقة، وإما ان ينتهي كرئيس دولة أولويته الحفاظ على عرشه لا زعامته، ويساهم بمزيد من إحباط الشارع السني الذي راهن عليه ولم يكن رهانه في محله.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع اردرغان ان يلعب دورا إقليميا في ظل انشغاله بترتيب بيته الداخلي؟ وفي الإجابة بالتأكيد، فطهران لا تستخدم جيشها في سوريا والعراق وفي اي دولة عربية، كما ان أنقرة لا تستخدم جيشها في سوريا، وبالتالي المسألة تتصل بوجود قرار لدى اردوغان بتحويل المحاولة الانقلابية الفاشلة إلى محطة ومناسبة للعبور إلى الدور الإقليمي من بوابته الكبرى.
وعليه، لن يعيد الرئيس اردوغان تموضعه السياسي، بل سيتمسك بتموضعه الحالي ويتجه إلى تعزيزه وتطويره وتوسيعه.
 

  • شارك الخبر