hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - إيفا الشوفي

«صراع» في القضاء على حرية التعبير: الإستفزاز حق

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٦ - 06:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

يخوض القضاة «صراعاً» بين نهجين لإثبات موقع القضاء من السلطة السياسية والإجابة عن سؤال أساسي: هل القضاء خاضع للسلطة السياسية والمالية المسيطرة على البلد، أم أنه مستقل ويجتهد لمصلحة الناس، خاصةً في ما يتعلق بحرية التعبير؟


عندما صدر قانون المطبوعات عام 1962، كان من المفترض أن يكون هدفه الأساسي حماية حرية التعبير. مع مرور السنوات، أظهرت الوقائع والمعطيات أنّ القانون طُوِّع لحماية السلطة السياسية والمالية، وباتت إدانة الصحافيين مساراً طبيعياً لمحكمة المطبوعات.

ففي دراسة سابقة أجرتها المحامية رنا صاغية عن أحكام محكمة المطبوعات، يتبيّن أنّ أكثر من 80% من أحكام المطبوعات تدين المدّعى عليهم، وغالبية المدّعين هم موظفون عامّون.
في خلال السنوات القليلة بدأ "صراع" خجول في قصر العدل بين نهجين متناقضين: النهج الأول يقوم على الالتزام الحرفي للقوانين مهما باتت "رجعية"، وتطويع النصوص لخدمة السلطة بهدف الحدّ من حرية التعبير. أمّا النهج الثاني، الذي لا يزال ضعيفاً، فيقوم على إثبات استقلالية القضاء عن السلطة ويطوّع القانون لخدمة الناس انطلاقاً من مبدأ حماية حرية التعبير وليس التفتيش بين المواد عن الحد منها.
هذا "الصراع" تجسّد أول من أمس في الجلسة التي دعت إليها «نقابة المحامين» في بيروت بالتعاون مع جمعية «مارش»، بعنوان «بين الحدود والحرية: الرأي والتعبير على شبكة الإنترنت». هكذا لمس المحامون الذين حضروا الندوة، كيف بدأت الجلسة بالمطالبة بتوسيع هامش حرية التعبير في مداخلة قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، لتنتهي بأخذ طابع الحدّ من هذه الحرية ومحاولة تبرير الأحكام الصادرة عن محكمة المطبوعات في مداخلة رئيس محكمة المطبوعات القاضي روكز رزق.

معلوف: اجتهادات لحماية حرية التعبير

لماذا هناك حرية تعبير؟ بهذا السؤال يبدأ قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، الذي يتميّز بأحكامه ذات المعالجة العميقة والمتقدمة، مقاربته لقضية حرية التعبير التي تُنتهك كثيراً في لبنان.
ينطلق معلوف من مثل واضح: "إذا أعلنتُ الآن في نقابة المحامين أنكم كمحامين لا تقومون بعملكم بشكل صحيح، ولا تدافعون عن حقوق الناس ولستم أهلاً لتكونوا في هذه المهنة، فهل يستفزكم هذا الأمر؟ نعم. هل لدي الحق بأن أقوله؟ نعم، ولا يجب أن أعاقب. هذه هي حرية التعبير، إذ إن الشخص لا يحتاج إلى حماية من القانون ليُخبركم أنكم جيدون. الحماية هي للرأي المخالف، وليس أي رأي مخالف بشكل لطيف، إنما للرأي المخالف الذي يصدم ويستفز ويجرح إلى حد ما. هذه هي الحرية".


المعلومات مادة تتلف
سريعاً، وإذا لم ينشر الخبر بوقته
يصبح لا قيمة له

وحرية التعبير لا تقتصر على الكتابة والقول، بل تشمل كل أشكال التعبير بكل الوسائل، وفق معلوف، الذي يُعطي أمثلة عن اجتهادات متقدمة للمحاكم الأوروبية والأميركية في مسألة حماية حرية التعبير. فالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تعمّقت بمسألة انتقاد الدين، وخلصت في اجتهادها إلى أن هذا الأمر يندرج ضمن حرية تعبير. ينقل معلوف عنها أن "الشخص الذي يختار أن يمارس ديانة ما ويعلنها ويمارس شعائرها، مجبر على أن يتقبل أن هناك أشخاصاً لا يؤمنون بهذه الديانة ولديهم آراء مخالفة لها ولهم الحق بانتقادها". أمّا المحكمة العليا الأميركية، فقد أكّدت أنّ السلطة لا يمكنها منع التداول بفكرة معينة لأن المجتمع لا يتقبلها، وبهذا الصدد يُسقط معلوف قضية المثلية الجنسية على هذا الاجتهاد ليؤكد أنه "إذا كان المجتمع لا يرغب في الحديث عن حقوق المثليين، فلا مشكلة، لكن من حقي أن أتحدث عن الموضوع".
يتحدث معلوف عن حدود حرية التعبير التي تختلف حسب صفة الشخص المستهدف، فإذا كان الشخص فرداً عادياً، فهناك حدود معينة، لكن إذا كان يمارس سلطة عامة تتسع هذه الحرية لأن من هو في مركز سلطة يجب أن يقبل حكماً الخضوع لرقابة الناس. وبرأي معلوف، إن هؤلاء، أي السياسيين والموظفين، مجبرون على أن يتقبلوا النقد. لا يكتفي معلوف بهذا، بل يُسجّل أنّ في حالات معينة اعتبرت بعض الاجتهادات أن حرية التعبير توازي الحصانة التي يملكها السياسيون، فالنائب يمكنه أن يتحدث عن أيٍّ كان وله حصانة، وبالتالي هذه الحصانة تصبح معكوسة عندما يتحدث شخص ما عن النائب.
يُعطي معلوف موقفاً متقدّماً أكثر يتعلّق بخطورة الرقابة المسبقة التي تعني إسكات الشخص قبل أن يتكلم. يتحدث عن اجتهاد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي ينص على أن "المعلومات هي مادة تتلف سريعاً، وبالتالي إذا لم ينشر الخبر بوقته يصبح لا قيمة له. لذلك لا يمكن أن نوقف خبراً ما عن الصدور بانتظار اتخاذ قرار النشر من عدمه إلا في حالات استثنائية جداً، كأن نكون أكيدين من عدم صحته، ونشره سيسبب ضرراً غير قابل للتعويض".
في الوقت نفسه، يقول معلوف إن هناك قيوداً أيضاً على حرية التعبير، وهناك معايير معتمدة لمعرفة إذا حصل تجاوز للحرية هي:
أن يكون هناك سبب جوهري يستوجب الحماية لمنع الشخص من التعبير أو السماح له.
أن يتناسب القيد الذي يفرض على حرية التعبير مع الحق والحالة.
أن تتوافر وسيلة أخرى للموازاة بين عدم إلحاق الضرر بالشخص وحماية حرية التعبير.

 

القاضي روكز رزق، رئيس محكمة المطبوعات، اكتفى بقراءة بعض نصوص قانون المطبوعات، محدداً المبادئ الأساسية التي تعمل من خلالها محكمة المطبوعات في علاقتها مع وسائل الإعلام. بصراحة، أعلن أن "ما يهمنا هو الباب الثاني من القانون، أي جرائم المطبوعات"، فعرضها وانتقل للحديث عن المواقع الإلكترونية التي باتت تخضع لقانون المطبوعات، ومواقع التواصل الاجتماعي التي لا تزال موضع خلاف بين محكمة المطبوعات التي ترى أن الفايسبوك مطبوعة، وبين محكمة التمييز التي ترى أن الفايسبوك لا يخضع لقانون المطبوعات. يقول رزق إنّ "نظرة محكمة التمييز إلى مواقع التواصل الاجتماعي لا تزال نظرة تقليدية". بعد هذا العرض ينتقل رزق ليعرض بعض ما يرد في الصحف في محاولة لتبرير أحكامه التي تصبّ دائماً في مصلحة المدعين. يقرأ بعض العبارات النابية والشتائم الواردة في الصحف، ليصل إلى قضية شبكة المخدرات التي كشفتها "الأخبار" داخل الجامعات من دون أن يقرأ ما دوّنه من عبارات وجدها مسيئة مثل "قضاء المخدرات"، "قضاة يحمون شبكة مخدرات"... اكتفى رزق بالقول إنّه شُنَّت حملة على المحكمة عقب صدور الحكم الذي يدين الصحيفة والكاتب. إلّا أنّ ما لم يقله رزق هو أنّ "الأخبار" أُدينت بجرم الخبر الكاذب، التحقير والقدح والذمّ لأنها كشفت واحدة من أكبر عمليات ترويج المخدرات داخل الجامعات، وتورُّط قضاة ومسؤولين أمنيين في إخلاء سبيل بعض المشتبه فيهم "المحظيين" من غير وجه حق. لم يقل رزق إنّ القاضية رندا يقظان عوقبت بإنزال درجتين من رتبتها، وإن القاضي جعفر قبيسي قدّم استقالته وأقرّ بأن ما نشرته "الأخبار" صحيح. وعليه فإن محاكم المطبوعات تشجّع عبر أحكامها رفع دعاوى ضد الصحافيين، وهذا ما لم يقله رزق أيضاً.

  • شارك الخبر