hit counter script

الحدث - شارل جبوّر

ردة الفعل المسيحية العفوية أعادت تظهير الخلل الوطني الفاضح

الجمعة ١٥ تموز ٢٠١٦ - 06:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الهجمة الانتحارية غير المسبوقة على بلدة مسيحية (القاع) أثارت ردة فعل مسيحية عفوية تسلُّحية لم تتجاوز الساعات المعدودة قبل ان يعود الوضع إلى طبيعته مع بسط الجيش اللبناني سيطرته على الوضع وتنفس الأهالي الصعداء بشعورهم ان الخطر الوجودي قد زال مبدئيا، خصوصا ان البلدة حدودية، وقد تولد انطباعا ان هناك هجمة لاحتلالها وتهجير أهلها.
فوقع المفاجأة والصدمة وحجم الهجمة وهول المشهد وعامل الخوف لعب دوره في ردة فعل عفوية تسلحية، وما حصل يندرج في السياق البديهي والطبيعي للأحداث، وقابل للتكرار، لا سمح الله، في اي منطقة حدودية او على تماس جغرافي مع بيئة أخرى في كل لحظة تشعر فيها بيئة معينة ان وجودها بات مهددا.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى ان "القوات اللبنانية" ليست في حاجة إلى فحص دم لجهة ان وقت الخطر وتلكؤ الدولة ستكون بالمرصاد دفاعا عن ثوابتها وقناعاتها وناسها وأهلها، ويخطئ كل من يعتقد او يكرر خطأ العام ١٩٧٥ ان المسيحيين في لبنان سيرضخون مع اول طلقة رصاص، لأن المسيحي في لبنان يولد حاملا الانجيل بيد والبارودة باليد الأخرى، وبالتالي جهوزيته للقتال ثابتة ودائمة، ومن هنا "القوات" آخر فريق سياسي في لبنان يمكن اتهامه بالاستعراض لأسباب سياسية او شعبوية.
وفي السياق نفسه لا بد من تذكير الكاتب المذهبي الحاقد، الذي انتقد "هؤلاء الذين منحتهم العمليات الإرهابية الفرصة لأن يهرولوا إلى القاع التي بالكاد يعرفون موقعها أو الطريق الموصلة إليها، في محاولة، لاختطافها، والتمختر في استعراض رخيص في شوارعها بالسلاح"، ان في كل بلدة مسيحية تتوسطها كنيسة هناك "قوات" و"كتائب" و"تيار وطني" و"أحرار"، وبالتالي كيف تستقيم في نظرته الفئوية ان القرى الشيعية قلبها وعقلها مع "حزب الله"، فيما القرى المسيحية ضد أحزابها السياسية، وفي مطلق الأحوال لا يمكن وضع كلامه حول "هؤلاء الذين حاولوا اختطاف بلدة القاع من موقعها في محيطها" إلا في إطار اعتباره أهل القاع أهل ذمة نتيجة واقعهم الديموغرافي في قلب المنطقة المهيمن عليها من قبل "حزب الله".
ويقود هذا الحديث إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو مكرر بطبعة مسيحية هذه المرة، فيما طبعته الأولى كانت وما زالت سنية وظهرت بشكل فاضح مع الثورة السورية لجهة ان "حزب الله" له كامل الحق بالانتقال بين لبنان وسوريا بكامل ترسانته الصاروخية والعسكرية دفاعا عن النظام السوري، وان عمله يدخل في إطار الدفاع عن لبنان، فيما اي مواطن سني يُصنَّف إرهابيا في حال قادته حماسته إلى مؤازرة الثورة السورية.
فالمشكلة كل المشكلة تكمن في غياب وحدة المعايير، اي في غياب المساواة بين اللبنانيين، ويستحيل بناء وطن ودولة على قاعدة مواطن درجة أولى مهمته الدفاع عن لبنان وتحديد سياسته الخارجية، ومواطن درجة ثانيا مهمته المأكل والملبس والمشرب ودفع الجزية لمواطن الدرجة الأولى من أجل حمايته والدفاع عنه، خصوصا ان هذا المواطن الذي يدعي الأولوية لم يكن قد ولد بعد عندما أسقطت فئة من الفئات اللبنانية محاولات إلغاء لبنان وشطبه.
فردة الفعل الحكومية والسياسية جزئيا، لناحية استنكار مظاهر حمل السلاح في القاع والتحذير من الأمن الذاتي من دون الأخذ في الاعتبار كارثية المشهد وحجم الاختراق الإرهابي، إن دلت على شيء فعلى حالة التدجين التي تعيشها السلطة وبعض القوى السياسية التي اعتادت التعاطف مع الجلاد في مؤشر إلى خضوعها وانهزاميتها وتسليمها بالأمر الواقع، وهذا البعض بالذات يتحمل مسؤولية وصول البلاد إلى ما وصلت إليه اليوم.
فما حصل في القاع لا يخرج عن سياق ردة الفعل العفوية الطبيعية، والقوة التي تم اتهامها بالسعي للأمن الذاتي عَبَرَ اتفاق الطائف على شهدائها، فيما كانت القوى الأخرى تُصرِّح علنا ضد هذا الاتفاق، او تتوسله لإخضاع لبنان لهيمنة سورية، فضلا عن ان كل علة وجود هذه القوة قائمة على فكرة الدولة وقيام الدولة، وبالتالي لن تسمح لأي كان بالمزايدة عليها في التمسك بخيار الدولة، ولكنها في الوقت نفسه لم تعتد العيش ذليلة وخاضعة ومستسلمة.
وأما إذا أصر البعض على اعتبارها رسالة، فليكن كذلك، وهذا شأنه، على قاعدة ان الدفاع عن لبنان مسؤولية الجيش اللبناني وحده، وإذا تعذر ذلك البارودة المسيحية وحدها تحمي البيئة المسيحية.
 

  • شارك الخبر