hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - راجانا حمية

العنصرية اللبنانية: لا حاجة للاستطلاعات

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 06:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

أخيراً، حقق لبنان «مرتبة متقدّمة» في مسحين جمعتهما مجموعة «insider monkey» حول العلاقات العرقية. حلّ في المرتبة الأولى عربياً في ممارسة العنصرية، والثانية عالمياً بعد الهند. ليس «لقباً» مفاجئاً يحصده هذا البلد، خصوصاً في ظلّ الممارسات التي باتت تثبت أنها لم تعد لا حادثاً فردياً ولا استثناء وإنما ممارسات متجذّرة، حتى على هيئة تعاميم ومذكّرات «رسميّة»، ليس أقلّها مذكرة وزارة العمل حول تصنيف العمال الأجانب


ينقسم الطابور الطويل أمام مدخل دائرة أمن عام بيروت إلى خطّين. واحد للإناث وآخر للذكور. عند عتبة الخطّ الأول، تقف صبيّة جزائرية، وعلى مقربة منها، يقف شاب حاملاً أوراقه... وتعبه.

يتقدمان باتجاه الباب، تدخل الصبية وبينما يحاول الآخر الدخول، يدفعه العسكري الواقف هناك للتراجع، قائلاً له بصوتٍ جهوري «إنت طلاع برا، ما فيك تفوت بالشحّاطة». يرتبك الشاب من النظرات التي صارت معلّقة بتلك «الشحّاطة»، محاولاً التماسك قدر الإمكان، كي يفهم الرابط ما بين الدخول لإتمام أوراقه وطبيعة «النعل» الذي يؤوي قدميه. يسأله «لماذا؟»، فيجيبه بإيماءة من يديه «هيك حرّ». يتابع الحديث معه «طب ما هيدي لابسة صندل وفاتت». عندها، تستنفر كل حواس رجل الأمن، قائلاً بلهجته الغاضبة «اي لابسة صندل، بس ما شايف ادي فرق بين اجريها واجريك؟».
حدث ذلك قبل أيّام، عندما قرّر محمد (اسم مستعار)، السوري اللاجئ من جحيم الحرب في بلاده، تجديد أوراقه، فمنعته عنصرية رجل الأمن، الذي يفترض أنّه يلتزم بأحكام القانون وتطبيقه... لا على اساس «الشحّاطة» والفوارق بين الارجل والاقدام. لكن، ما حدث هناك، أمام المرفق العام الذي ترابط عند عتبته يومياً طوابير طويلة من اللاجئين، ليس «حادثاً فرديّاً» ولا هو عارض ولا استثناء، بقدر ما هو مسألة بنيوية ومؤسساتية متجذّرة. قد يقول قائل إنّ مثل هذه النماذج العنصرية لم تكن واضحة أو ظاهرة في القوانين، التي كانت في معظمها «مشلبنة»، على علاتها، ولكن ماذا عن الممارسات؟ عن الخطابات المطوّلة لأركان الدولة والسياسيين وغيرهم من المواطنين التي تنحدر في عنصريتها نحو القاع؟ ماذا عن كل هذا؟
ربما بعض الجواب يكمن في الخبر الواصل من «برّا»، عن نتائج مسحَيْن منفصلين حول العلاقات العرقية، جمعتهما مجموعة تجارية واقتصادية يطلق عليها «insider monkey»، احتلّ لبنان، في محصلتها، المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً بعد الهند، على سلّم "العنصرية"!
تشير هذه المجموعة إلى أنّ «36.3 % من المستطلعين قالوا إنّهم لا يرغبون بمجاورة أشخاص من أعراق أخرى، فيما قال 64.3 % إنهم شهدوا حوادث عنصرية». وإن كان لا يمكن الإيمان كلياً بتلك النتيجة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار «ضآلة» العدد المستهدف في المسحين، حيث شمل 85 ألف شخص من 61 بلداً، إلا أنّه لا يمكن إسقاط «تهمة» العنصرية بالمطلق. ففي لبنان، ثمة مسار طويل متجذّر في بنيان هذا الكيان الصغير.


36,3% من المستطلعين حول العلاقات العرقية لا يرغبون بمجاورة أشخاص من أعراق أخرى
عنصرية أو في أحسن الأحوال عداء، بدأ يتسرّب مع اللجوء الفلسطيني، حين نبتت عبارة «الغريب»، لتستتب بعد ذلك «أنواع» كثيرة من العنصرية ومسميات، منها ما لحق بالعاملات المنزليات والعمال السوريون (ما بعد الخروج العسكري السوري وحتى ما قبله)، وصولاً إلى عنصريتنا تجاه النازحين السوريين الذين «يدكّون» هياكل الاقتصاد اللبناني!
لكن، وسط هذا الطوفان من العنصرية التي تتجدّد مع كل «غريب»، ننسى أنّ هناك عنصريات متجذّرة منذ زمن على هيئة تعاميم وزارية ومذكّرات. وفي مثل هذه الحالة «ننطلق من النصوص القانونية، وشوي شوي بنحرّف مفهومها، أوقات بتعاميم إدارية أو مذكرات»، يقول شربل نحّاس، وزير العمل السابق. ومن النماذج التي يمكن طرحها هنا مثلاً مذكّرة وزارة العمل، الصادرة عام 1992، التي تصنّف العمّال الأجانب إلى فئات.
أتت هذه المذكّرة لتصنيف العمال وتنظيمهم، فقسّمتهم إلى 4 فئات: الفئة الأولى وتضم «ممثلي الشركات الأجنبية ومندوبيها ورؤساء مجالس الإدارة (…) وأصحاب المهن الحرة غير الصناعية والتجارية كالأطباء والمهندسين والصيادلة وسواهم»، أما الفئة الثانية فتضم «باقي أصحاب العمل الأجانب غير المذكورين في الفئة الأولى»، فيما يصنّف «الأجراء الأجانب الذين يعملون في مؤسسات وطنية أو أجنبية» في الفئة الثالثة المقسّمة بدورها إلى فئات، تبعاً لقيمة الراتب وبعض «المميزات»، فيما تقع العاملات «في منازل الأفراد» في الفئة الرابعة. وهنا، يقول كاسترو عبدالله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، إنّ «فكرة التصنيف في حدّ ذاتها أمر عادل وطبيعي، على الأقل لناحية الرسوم المستوفاة إذ ليس من الطبيعي أن تدفع العاملة المنزلية القيمة نفسها التي يدفعها المدير». أما في الممارسة، «فحديث يطول عن التمييز الطبقي والعنصرية»، يتابع.
هذا في المبدأ، أما على أرض الواقع، فـ«النمرة 1 و2 تختلفان عن النمرة 3 و4»، بحسب نحاس. وهنا، الاختلاف يأتي مثلاً «على شاكلة الشروط المفروضة، حيث أن الفئتين الأخيرتين مقرونتين دائماً بنظام الكفالة». هذا النظام الذي لا مسمى له سوى الاستعباد ووضع العمال تحت رحمة أصحاب عمل ومكاتب استقدام أشبه ما تكون «بمكاتب الإتجار بالبشر»، يكمل عبدالله الحديث.
هذه سقطة أولى. أما السقطة الثانية فهي «التمييز الطبقي»، ما بين فئة المديرين وأصحاب الشركات والفئة الثانية، التي يحلو لنحاس تسميتهم بالطبقة الوسطى، والفئتين الأخيرتين المحرومتين بحسب المذكرة الوزارية من اصطحاب عائلاتهم أو مجرّد التفكير بتأسيس عائلة هنا في لبنان، حيث يسترزقون. ومن هنا، «تبدأ العنصرية، عندما يصبح حامل الشهادة أو الصفة حراً طليقاً ويبقى الفقير الذي يتقاضى راتباً ما دون دون الحد الأدنى للأجور مرهوناً ومحروماً من أبسط الحقوق»، يقول عبدالله.
هكذا مثلاً، استناداً لتعميم عقيم، يصعب على عاملة منزلية أن تؤسس لعائلة هنا أو أن تنجب، لأنها إذا ما فعلت ذلك، ستكون أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن ترحل مع عائلتها أو أن ترمي بطفلها!

  • شارك الخبر