hit counter script

مقالات مختارة - جورج عبيد

لحام اخطأ أو لم يخطئ يبقى بطريرك العرب ومستعدّ للحوار

الخميس ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 05:58

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك مرميّة في لجّة انقسام عموديّ ووجوديّ شاء له الأساقفة المتغيبون عن السينودوس عمداً عنواناً عقارياً ومالياً، متخطين بذلك الأدبيات الكنسية والإنجيليّة الموحدة بمنطق الحياة الشركويّة بين الأساقفة والبطريرك داخل كلّ كنيسة. إنّه لشعور موجع أن يُرى جسد المسيح متناثرًا داخل كلّ كنيسة أو فيما بين الكنائس في لحظة صاخبة ضاجّة بالتهديدات الكيانيّة التي تطال المسيحيين جميعًا في المشرق العربيّ. لا يكفي المسيحيين انقسامهم السياسيّ، ليتوّج بالانقسام الإلكيركاني داخل كل كنيسة لينذر بالخراب والسراب.
أحد المطارنة المعروف بعقلانيته ورصانته يمهّد الطريق لرأب الصدع قدر الإمكان، فأعلن في اتصال هاتفيّ مع الديار بأنّ بطريرك انطاكية للروم الكاثوليك غريغوريوس لحام باع ممتلكات للبطريركية بعدما حاز على رضى فاتيكانيّ، ومعظم المطارنة والسياسيين داخل الطائفة يعلمون بأنّ البطريرك بثمن العقارات أنجز مشاريع راقية في الربوة منها مركز الحوار ومنها ايضًا شراء أراض حولها. ولكن لماذا الغلوّ الإعلاميّ في تظهير هذه المشكلة ليبدو البطريرك مصدر الأزمة والمطارنة الآخرون عصاة، ما الحكمة في ذلك، في ظلّ ظرف دقيق وقاس يتعرّض فيه المسيحيون للتهجير والإبادة، ألا يمكن معالجة تلك المسألة بعيدًا عن الضجيج الإعلاميّ الصاخب، حتى نجنّب الناس الشكوك؟ وفي تقويم سياسيّ، استبعد هذا الأسقف أن تكون لمواقف البطريرك السياسيّة الداعمة للدولة السورية في الحرب على الإرهاب أيّ تأثير في الضغط عليه للاستقالة، على الرغم من التمايز السياسيّ في تقييم هذا الموضوع عند عدد كبير من شخصيات الطائفة في لبنان، ومعلوم بأنّ البطريرك مدافع عنيد عن الوجود المسيحيّ في سوريا وفلسطين ولبنان وبأنظومة التلاقي المسيحيّ - الإسلاميّ، والكنيسة الكاثوليكيّة مؤمنة دومًا بالخطّ الحواريّ ومنفتحة على الجميع، ويعنيها كثيرًا القضاء على الإرهاب الذي يقضّ مضاجع ويثير قلق الناس مسيحيين ومسلمين، ومواقف البطريرك كانت واضحة في هذا المجال عند اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعرب جميعهم. المسألة لا تدخل على الإطلاق في تصفية حسابات بين مجموعة من المطارنة والبطريرك بسبب مواقفه السياسيّة، المسألة تتمحور في مسائل مالية وعقاريّة تبقى موضع مساءلة، للمطارنة أن يسألوا وللبطريرك الحق بالدفاع عن نفسه وموقفه وموقعه، ولكن لماذا أريد لهذه المسألة ان تحدث هذا الضجيج الإعلاميّ الكبير، والمؤدّي بالضرورة إلى مزيد من الشكوك في أذهان المؤمنين تجاه كنيستهم وسلوك بطريركها ومطارنتها والمؤذي كثيرًا للحضور المسيحيّ في المشرق.
وقد أشار إلى هذا الأسقف الوسطيّ في الحديث عينه إلى خطورة ما يحدث على مستوى الكنائس كلّها، فالكنائس سواء كانت كاثوليكيّة أو أرثوذكسيّة أو مارونيّة مأزومة على المستوى البنيويّ، والخطير في المسألة أنّ الأمور تتدحرج بصورة تلقائيّة ومخيفة نحو الهاوية. ويقول: ماذا يعني ان نربح العالم كلّه ونخسر انفسنا، وماذا يعني أن نربح أنفسنا ونخسر المسيح، أليس المسيح هو حياتنا كما قال بولس الرسول؟ كنيسة المسيح على مختلف مذاهبها تعيش أزمات بنيويّة محتدمة وحادّة ويجب الاعتراف بذلك. لكن لا يكفي ان نعترف فقط بهذه المسألة ونقول بأنّ الفساد قائم في كلّ مكان، بل تجب المعالجة الجذرية ان عيد الأمانة إلى صاحبها أي الكنيسة إلى سيدها وما نحن سوى رسل وخدّام. المشكلة في الكنيسة الكاثوليكيّة أن المعالجة خلت من قراءة نوعيّة ناضجة ومن روح إنجيليّة مليئة بالسلام. كيف تريدون للناس ان تثق بنا ونحن في هذه الحال؟ كيف نقول للناس على لسان المعلّم أحبّوا بعضكم بعضًا ونحن في بغض، كيف نقول للناس على لسان المسيحيين العرب توحّدوا وتشبثوا في أرضكم ونحن منقسمون ونمعن في هجرة جذورنا.
وعندما يسأل هذا الأسقف حول ما إذا قدّم البطريرك استقالته تحلّ المشكلة؟ أجاب ليس بتلك الطريقة تحلّ المشكلة. لن ينتج الضغط شيئًا، العمل الآن جار على قدم وساق لتدوير الزوايا وإيجاد الحلّ، وسنقوم بمساع بناءً على خارطة طريق موضوعيّة تخفّف الضغط، سألتقي بعدد من إخوتي المطارنة لتذليل العقبات وسنرى ما يمكن أن يحصل، والضغط بهذه الطريقة بعيد كل البعد عن أدبياتنا لقد تأجّل المجمع إلى تشرين الأوّل المقبل حتى تهدأ النفوس وتطيب الخواطر وتعبّد الطرق امام المبادرات الخلاّقة المرمّمة من جديد للوحدة بين الجميع. وأكد هذا الأسقف بأنّه يعمل من جهته على رأب الصدع قدر الإمكان وإيجاد الحلول المناسبة. لكن لا يجوز بحقّ الكنيسة أن يجبر الأساقفة البطريرك على الاستقالة بهذه الطريقة المهينة، الأفضل الاتجاه إلى الحوار ضمن مبادرة واضحة وستتبيّن أفقها قريبًا وإن شاء الله تثمر خيرًا.
أمّا في نظر المطارنة المعارضين، غريغوريوس لحام بطريرك أنطاكية للروم الكاثوليك عنوان فاضح للانقسام. يسمّيه غبطته عصيانًا، ولكنّ السؤال المطروح بإلحاح ماذا يحصل إذا تبيّن أن الأكثريّة داخل مجمع المطارنة في الكنيسة تتشدّد بسبب سلوكيات تظنها فاضحة في استقالته من سدّة البطريركيّة، هل يصمت الفاتيكان وعلى وجه التحديد الكاردينال ليوناردو ساندري رئيس المجمع للكنائس الشرقيّة وطيفه موجود سواء في لبنان أو سوريا؟ يتوكّأ لحّام في البرتوكول التعليليّ الصادر عنه على القانون الكنسيّ رقمه 126 في البند 1 حيث يقول يشغر الكرسيّ البطريركيّ بالوفاة أو استعفاء البطريرك، ولا مجال لفرض الاستقالة على البطريرك» ويعلن في البند الثاني كما في القانون 104 بأنّ المطارنة ملزمون بحضور السينودوس ما خلا المطارنة المستقيلين.
غير أنّ المسألة لم تعد مجرّد حالة قانونيّة واتهاميّة، بل هي مسألة نوعية ترتبط بوضع طائفة بدأت الرياح تعصف بها من الداخل وتمزّقها.
ففي الوقائع كما روتها مصادر معارضة للبطريرك: منذ ثلاث سنوات قام البطريرك لحام ببيع عقارات في بلدة عبرا في شرق صيدا الكاثوليكيّة-المسيحيّة لمسلمين، كما اتهم بدوره في بيع عقار في زقاق البلاط قرب المدرسة البطريركيّة في بيروت، وجاءت عقود البيع من دون علم المجمع. وبعد إتمامها أوهم غبطته الدوائر الفاتيكانية بأنّ عقود البيع تمّت برضى السينودوس واساقفة الكنيسة. فوجئ المطارنة بذلك بعد حقبة زمنية تقارب السنتين، وعلا صوت المطارنة كيرللس بسترس راعي أبرشيّة بيروت، وجورج حداد راعي أبرشيّة مرجعيون، وجان جنبرت راعي أبرشيّة حلب والوكيل البطريركي في دمشق جوزف عبسي مطالبينه بإعادة المال للبائعين قبل استفحال الأمور. إلاّ أن البطريرك لحّام وبحسب هؤلاء المعارضين أبى ذلك، وبدلاً من معالجة الأمور بعقلانيّة ورصانة ومحبة طاهرة اتجه نحوها بخفّة معتبرًا بأنّه نال تفويضًا فاتيكانيًّا ولولا هذا التفويض لما كان قد باع.
أمّا على خطّ البطريرك لحّام فمصادره تصرّ على عدم التصعيد ولكن لا يجوز التعاطي مع البطريرك بهذه الخلفيّة، البطريرك مستعد للحوار مع الجميع ولا عداوة في الكنيسة مع أحد نحن جسد واحد لرب واحد، وتبرز تلك المصادر بأنّ استعمال كلمة عصيان لا ترقى إلى مستوى الانقلاب، هناك أكثرية لها اعتراض على ما حصل، إنما البطريرك على استعداد لتوضيح كلّ شيء وتبيان كلّ شيء ضمن القانون والحقّ الكنسيّ. فلا يمكن لأحد أن ينسى دور غبطته في إنشاء مشاريع كبرى على مستوى البطريركيّة، لم يكن للكنيسة الكاثوليكيّة مركز للحوار وتلك فكرة راودته منذ زمن طويل، الأفضل للجميع اللجوء إلى الحوار، وهو السبيل الوحيد لحلّ المشاكل.
وفي المحصلة كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك امام معضلة خطيرة للغاية لم يسبق لها أن عاشتها قبل ذلك. إنها أزمة أساقفة وأزمة بطريرك، والمطلوب من الفريقين العودة إلى التحاور والنقاش الموضوعيّ وحلّ هذه المسألة بسلام المسيح. فالبطريرك سواء أخطأ او لم يخطئ ومهما كانت شخصيّته في التعاطي، إلاّ أنّه يبقى أمام ما نعيشه اليوم من أزمات وجوديّة وبحق وبسبب مواقفه الصارخة والعادلة بطريرك العرب.
 

  • شارك الخبر