hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - شارل جبوّر

أين أخطأ سجعان و"الكتائب"؟

الأربعاء ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 06:39

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يمكن المرور على اسم الوزير سجعان قزي مرور الكرام. فهو مناضل عتيق، لعب أدوارا مهمة في مراحل مختلفة، وعايش كل قيادات "الجبهة اللبنانية"، وينتمي بالنفس والعصب والروح إلى مدرسة المقاومة اللبنانية، ونجح بعبور كل المراحل الصعبة التي عرفتها البلاد واجتيازها من دون ان يتخلى عن قناعاته وأفكاره، كما نجح بربط الماضي بالحاضر بجسر من الثقة والالتزام بالخط الوطني-المسيحي التاريخي، وهو من القلة التي تجمع بين الفكر السياسي والممارسة السياسية.
ويعتبر الوزير قزي من النخب الحزبية التي ضحت في سبيل قناعاتها الوطنية، وبرزت في مقدمة الصفوف الحزبية، ولكن هذا لا يؤهلها لتبوؤ مواقع وطنية لولا قرار الرئيس أمين الجميل بتوزيره كعربون تقدير ومكافأة لنضالاته ووقوفه إلى جانبه في الأيام الصعبة، وما أكثرها.
فالوزير قزي دخل إلى الحكومة من باب "الكتائب"، وقيمته المضافة على المستوى الشخصي ساهمت باختياره لهذا الموقع، ولكن مؤهلاته الشخصية، على أهميتها، لا تسمح له بالتوزير لولا تسميته من قبل الرئيس الجميل. وهذه حقيقة ثابتة ودامغة ويعرفها جيدا الحزبي العتيق والعريق الذي يدرك أيضا ان الأحزاب لا يمكنها التهاون والتساهل مع أي حالة تمرد تنعكس سلبا على هيبة الحزب وصورته.
فالقيمة المضافة للمحازب مهما بلغت لا تمنحه جواز مرور إلى السلطة الوطنية من دون توقيع رئيس الحزب، ومن لا يعجبه هذا الواقع له كامل الحرية برفضه والتعويل على حيثيته الشخصية لتبوؤ المواقع والمناصب، فضلا عن ان مبدأ الانتساب إلى الحزب هو بان يحظى المحازب بفرصة لخدمة بلده من موقع نيابي او وزاري لا يمكن ان يلجه من دون الإطار الحزبي.
وما ينطبق على الأحزاب ينسحب على كل من يمكن ترشيحه لموقع عام من قبل رئيس الجمهورية او الحكومة او غيرهما، والرأي العام لا يستسيغ إجمالا حالات التمرد إلا في حال كانت له أسباب سياسية وظروف موضوعية، وقوة قيادة الحزب تكمن بعدم توفير تلك الأسباب والظروف، حيث لن يتمكن أي محازب، على سبيل المثال، في "القوات اللبنانية" من المزايدة على الدكتور سمير جعجع في أي شأن وطني، ولا على السيد حسن نصرالله داخل "حزب الله"، فيما المشكلة لدى "الكتائب" مثلثة الأوجه:
اولا، لو القرار نفسه في ظروفه وحيثياته اتخذه الرئيس أمين الجميل لاختلفت ردة فعل الوزير قزي لسببين: الهالة التاريخية للرئيس الجميل والتي يفتقدها النائب سامي الجميل، وهذا أمر بديهي وطبيعي. والسبب الثاني لأن سجعان لن يعتبر الخروج من الحكومة خروجا من الحياة السياسية الحزبية كما هو الحال اليوم مع سامي.
ثانيا، لو وقّت رئيس الحزب الاستقالة في عز أزمة النفايات لما كان تمرد قزي، بل كانت اللحظة الشعبية اضطرته إلى مواكبة قرار الحزب وتنفيذه، ولكن توقيت الاستقالة بدا غير مفهوم لمعظم اللبنانيين، فضلا عن ان ربطها بعدم القدرة على وضع حد لسياسة الصفقات والسمسرات بدا غير مقنع أيضاً، لأن معظم الشعب اللبناني ملّ من الاتهامات العشوائية التي لا ترتكز إلى إثباتات فعلية، وبدلا من ان يدرك الجميل ان استقالته التي قوبلت ببرودة سياسية وشعبية تستدعي جعلها نصف استقالة، ذهب نتيجة مزايدات حزبية إلى النهاية، فحصل ما حصل.
ثالثا، لو ربط الحزب الاستقالة بأسباب وطنية وسياسية من قبيل الخروج من الحكومة والحوار معا، لأن هذه الأطر لم تعد صالحة، وبرهنت عن فشلها وعقمها، وان "الكتائب" لن تقبل بان تكون شاهد زور، وأنها ستخوض الانتخابات النيابية على قاعدة مشروع سياسي يعكس تطلعات اللبنانيين، وستبدأ بمشاورات مع كل القوى السياسية الراغبة بالانضمام إلى هذا المشروع، لكان الحزب أحرج قزي، حيث ان استمراره في الحكومة يُظهره في الموقع المساوم والخاضع للأمر الواقع، ولكن عندما تكون الاستقالة غير مفهومة ويتم ربطها بخطة النفايات بعد رفع النفايات، فتصبح خطوة الوزير قزي مفهومة.
وتبقى ثلاث ملاحظات:
الملاحظة الأولى، انتقال السلطة بين الرئيس الجميل ونجله يمنح الوزير قزي أسبابا تخفيفية، لأن توزيره حصل في عهد الرئيس الجميل، فيما تمرده حصل ضد نجله الذي استلم السلطة من بعده.
الملاحظة الثانية، قرارات من هذا النوع يجب ان تخضع لمشاورات مكثفة داخلية طويلة ومصغرة وإبعادها عن المزايدات الحزبية، فلا داعي للعجلة كما حصل من باب التذرع بحجة غير مقنعة، والأخذ في الاعتبار موقف الوزراء الذين سيطالهم القرار، إذ لم يكن من مصلحة "الكتائب" الدخول إلى الحكومة بثلاثة وزراء والخروج منها بوزير واحد في خطوة أضعفت الحزب ودلت على هامشية تأثيره، سيما ان كل الضجة التي أثارها نجم عنها استقالة واحدة، ما يدل على ان القرار كان خاطئا من الأساس ويستدعي المراجعة لا الاستمرار في المواجهة.
الملاحظة الثالثة، إذا كان التمرد على قرارات الحزب غير مستحب، فإن شطب نضالات محازب وتاريخه من دون الحوار المطول معه ومنحه فرصة الدفاع عن نفسه والعودة عن قراره غير مستحب أيضاً، خصوصا متى كانت الأسباب غير سياسية.

  • شارك الخبر