hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

درس كريت

السبت ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 14:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يلتئم مؤتمر الكنائس الارثوذكسية في كريت اليوم، ولم يستجب الكلي القداسة الى نداءات كنائس تمثل 85 بالمائة من الأرثوذكس في العالم، وفي طليعة تلك الكنائس كنيسة روسيا الأكبر والأكثر تأثيرا، والكنيسة الاقدم انطاكية وكنائس جورجيا وصربيا. وأصرّ البطريرك المسكوني ان يستمر في تسمية المؤتمر مجمعا وذلك بالرغم من انّ اسم مجمع يعني الجامع أي الذي يحوي الجميع، وهذا ما لا يتوفر طبعا في مؤتمر كريت، فكأنه بذلك يعتبر بانّ من غابوا هم غير موجودين اصلا. اتهم الكل القداسة الكنائس غير المشاركة بتنصلها من التزاماتها وتوقيعاتها، وهذا بالطبع لا ينطبق على انطاكية التي تحفظت ولم توقع على النظام الداخلي للمجمع كما على عدد من الأوراق، وغاب عن بال الجهة المنظمة انّ مسألة التضامن مع المستضعف والمهمش هي فرض الاهي تفوق أهميته أي توقيع، إذا ما ارادت الكنيسة ان تتخذ تعاليم عريسها شرائعا لها، وليس معايير ونظم هذا العالم الذي ارخى بظلاله على المؤسسة الكنسية التي بدل ان تروحنه غرقت على ما يبدو في رماله. 

وقد جاء في بعض التصريحات انّ مقررات مؤتمر كريت ملزمة لكل الكنيسة سواء حضرت او لم تحضر بعض الكنائس، حتى انّ البعض صار يتكلم عن الكنيسة الارثوذكسية ما بعد كريت. إني ببساطة اعتقد بانّ مقررات المؤتمر في كريت لا تلزم غير المؤتمرين وهي تفتقر الى المشروعية البشرية والالهية كي تصير ملزمة وكي تصير في ضمير الكنيسة الارثوذكسية في كل مكان وزمان. أخشى ان تكون مفاعيل كريت مفاعيل ضرب السيف في مياه النهر، وسيسقط الزمن كل ما لا يأتي من النفس الواحدة والروح الواحدة، كما أسقط مقررات العديد من القمم والاجتماعات.
ظهر المؤتمر للرأي العام العادي صورة مهتزة عن الكنيسة الارثوذكسية، فقد بدت غير قادرة ان تلتئم او تتحرك، مشلعة بفعل النزاعات والانقسامات. فهل هذه الكنيسة فعلا معطلة بجنوح غالبية اساقفتها الى العصمة وروما عائدة من مشوار العصمة بعد تعب؟؟ ام انها متماسكة بفعل الروح حصرا، وغير ممسوكة؟؟ هل اخذ بطريرك القسطنطينية الذي قيل انه توارى في سراديب كاتدرائية الحكمة الإلهية مفاتيح مدينته ومرجعيته وما عاد النسر المزدوج الرأس يرمز الى وحدة سلطة هذا العالم مع المرجعية الروحية عبر الشعب؟؟ هل سقطت معاني النسر الأرضية كي تقول أعطوا ما لقيصر، لقيصر وما لله، لله؟؟ فعلى ما يبدو فانّ الزيت والماء لا يلتقيان الا بفعل الخدمة والمحبة والتواضع حتى افراغ الذات.
لقد تفتت في كريت اليوم المرجعية المحدلة لحساب مرجعية المحبة والخدمة والمهمشين. وأضحى المجمع الكبير، على رغم من انعقاده واصرار المجمع القسطنطيني على اعتباره مجمعا كبيرا، مؤتمرا في جزيرة كريت لبعض الكنائس الارثوذكسية، والفضل في كل ذلك الى روح الحق الذي فعل فعله.
مؤتمر كريت اضحى محطة في تاريخ الارثوذكسية مرة وحلوة لن تنسى، فلقد تضررت صورة الكنيسة الارثوذكسية بالإجمال امام العالم، كما صورة البطريركية المسكونية، الا انه ساهم أيضا في رسم صورة براقة للكنيسة في موسكو بوصفها تناصر الضعيف والمهمش، وقد انضمت اليها الكنيسة في بلدان أخرى للأسباب عينها ام لأسباب اخرى.
آمل ان يستفيد الكلي القداسة رئيس أساقفة القسطنطينية والبطريرك المسكوني وان نستفيد جميعا من دروس كريت، فنعيد رسم أولوياتنا بشكل يضمن جودة صورة كنيستنا الارضية. من الضروري ان نفتش عن معاني جديدة تتوافق مع الانجيل للسلطة والطاعة في الكنيسة. من الضروري ان ننصت جميعا ونعلم بأنّ لا مرجعية في الكنيسة تعلو على المصلوب والمتألم من اجلنا. لا مرجعية تعلو على مرجعية ذاك الغريب والفقير والمشرد والمرذول والمهان الذي أفرغ نفسه بالكلية. درس كريت درس برسم كل حبر او مكرس او علماني لا يسوس الكنيسة بغير الفقر والتواضع والمحبة والسماع والبساطة والوضوح وافراغ الذات والقداسة. في كريت سقطت المؤسسة الكنسية البيروقراطية وبانت كنيسة المسيح الفقير والمشرد والمرذول والمعذب. درس كريت يدفعنا الى دفن الالقاب ان لم تكن صفات والرئاسات ان لم تكن من محبة وخدمة. درس كريت ضرب المؤسسة وأعاد الاعتبار للمسيحية حياة ورسالة تصعد البشرية الى السماء. فلنتعلم جميعنا منه ولنعمل سوية كي نظهر وجه المسيح الحقيقي غير المحدود بمكان وزمان ونطاق ورئاسة كي تعود لكنيستنا صورتها وبريقها ورسالتها في العالم فيقال عن حق عندها بأنّ الأرثوذكس يشبهون الارثوذكسية، حياة وعقائد وارثا مازال يعاش حتى قدوم الديّان العادل.
 

  • شارك الخبر