hit counter script

الرواية الكاملة لمُنتحِل صفة في إمتحانات "الثانوية"... عصابات تتهاوى؟

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 08:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إنطلقَت المرحلة الثانية من الامتحانات الرسمية مع طلّاب الثانوية العامة بفروعها الأربعة، وقد بلغَ عدد المرشّحين 41994، توزّعوا على 298 مركزاً. على طريقة «أوّل دخولو شمعة طولو»، فقد سُجّل في رُبعِ الساعة الأوّل محاولة انتحال صفة، بحيث ضُبط تلميذ يتقدّم إلى امتحانات الشهادة الثانوية، بعدما خضَع لامتحانات «المتوسّطة». وفي هذا الإطار، أوضَح مصدر أمني مواكب لمجريات التحقيقات لـ«الجمهورية»: «أنّ منتحِلَ الصفة تلميذٌ (19 عاماً من بعلبك) جامعيّ سَنة أولى، سبقَ أن شاركَ في الامتحانات عن أكثر من مرشّح، ليس عن طريق طلب حرّ إنّما عبرَ تخطيط مسبَق مُحكَم وبالتعاون مع شبكة».«ضبطُ تلميذ منتحِل صفة». خبرٌ بدا عاديّاً للوهلة الأولى، تزامناً مع انطلاق امتحانات الثانوية العامة، على اعتبار أنّه في كلّ دورة من الامتحانات الرسمية هناك من يحاول الغشّ، أو التلاعب بأوراقه الرسمية، وقد يحصل ذلك في أيّ بلد. إلّا أنّ ما كشفَته التحقيقات الأوّلية في ملفّ التوقيف، يُظهر أنّ المسألة أبعد من عملية «يتيمة»، بل هي رأسُ خيط عصابة بدأت تتكشّف ذيولُه.

كيف ضُبط التلميذ؟

في التفاصيل، يَروي المصدر الأمني لـ«الجمهورية»: «أنّه في ثانوية ضبيّة الرسمية وخلال امتحانات الشهادة «المتوسطة» الأسبوعَ المنصرم، لفتَ انتباهَ رجلٍ في قوى الأمن تلميذٌ يَخرج مراراً من قاعة الامتحانات ليشعلَ سيجارةً. ومع انطلاق امتحانات الثانوية أمس، تفاجَأ بأنّ الشخص نفسَه حضَر، ولكنْ ليشاركَ في الامتحانات الثانوية، وكأنّ الزمنَ يُعيد نفسَه، والمشهد نفسه يتكرّر، المرشّح مع سيجارته. ولكن قبلَ أن يدخل إلى القاعة ويبدأ امتحاناته أخبَر الدركيُّ المراقبَ وتمّ توقيفُ التلميذ».

مَن هو منتحِل الصفة؟

يوضح المصدر: «يعاني التلميذ الموقوف مِن ضائقة اقتصادية كونه تلميذاً جامعياً في إحدى الجامعات العريقة في العاصمة، والمساعدة المالية التي حصَل عليها من مكتب المساعدة في الجامعة لا تكفيه، خصوصاً أنّه يتكبّد كلفة استئجار غرفة سَكن له، فوجَد في انتحال الصفة مخرجاً».

ويضيف المصدر: «يصبّ اهتمام التحقيقات في معرفة الشبكة وخيوطِها والجهات التي تقف خلفَها وتُسهِّل لها الغشّ، سواءٌ مِن خارج وزارة التربية أو داخلها». ويَلفت المصدر إلى «أنّ منتحلَ الصفة لم يتقدّم عن طريق طلب حرّ إنّما عبر طلب عاديّ نيابةً عن أوراق رسمية لتلميذ آخَر، ما يؤكّد سابقَ التصوّرِ والتصميم لهؤلاء العصابات».

ولكن هذا العام تمَّ اعتماد أسلوب جديد قوامُه الصوَر التي تُعلّق على باب غرفة الامتحان من الخارج، فكيف تمّ ذلك؟ يجيب: «سبقَ أن أرسَل التلميذ، الذي لا ينوي التقدّم من الامتحانات، إلى الوزارة صورةَ مَن سينوب عنه في الامتحانات بكلّ ثقة واطمئنان».

كيف تعمل عصابات التزوير؟

يجيب المصدر: «غالباً ما ينشط هؤلاء المزوّرون قبل سَنة من تحقيق أهدافهم، إذ يتجاذبون الطلّابَ الذين سبقَ أن تقدّموا من الامتحانات الرسمية ونجحوا، ويسألون أحدَهم: هل أنت مستعدّ أن تشارك نيابةً عن شخص آخر؟. وما إنْ يعطي التلميذ الناجح موافقتَه، تتزوّد العصابة بصورة شمسية له، وتستفسِر عن الفرع الذي بوسعِه المشاركة في امتحاناته (علوم، آداب وإنسانيات...) نظراً إلى أنّ المرشّحين الذين يقصدونها من مختلف التوجّهات.

ومع اقتراب الامتحانات الرسمية وتقديم الطلبات، تعطي العصابة الصورةَ الشمسية للتلميذ الراغب في أن يخضع أحدٌ سواه للامتحانات، وبعد مدّة تعطي لمنتحِل الصفة إخراجَ قيد التلميذ (غير الراغب في المشاركة بالامتحانات) وبطاقة الترشيح مرفقةً بصورة (المنتحِل)».

وكلفة المشاركة؟ يقول المصدر: «لا يلتمس منتحِل الصفة المالَ قبل أن يأتي بالنتيجة ناجحاً مع السَماح له بالمشاركة في الدورة الثانية إنْ لم يحالفه الحظ بالأولى، وتبيّنَ لنا أنّ المبلغ المتّفَق عليه يتراوح بين 2500 دولار و3 آلاف».

ما مصيرُه؟

يوضح المصدر: «جرمُ تزوير إخراج قيد وبطاقة، وجرمُ انتحال صفة، وهذه الثلاثة ليست جناية إنّما جنحة، وتصل عقوبتُها في أقصاها إلى 3 سنوات».

ويضيف: «إنّه موقوف، سيُمضي ليلته في مخفر إنطلياس، وغداً صباحاً (اليوم) سيُحال إلى قاضي التحقيق، وهنا بوسعِ الأهل تقديم طلب إخلاء سبيل، وفي المبدأ يجب على قاضي التحقيق أن يرفض طلب الإخلاء إلى حين ضبط الشبكة، عندها بوسعِ الأهل الإستئناف أمام الهيئة الاتّهامية، وهذه العملية ستستغرق نحو شهر».

«سلفي... والمسابقات خلفي»

بعيداً من عملية الغش، أجواء مريحة رافقت امتحانات الثانوية العامة في يومها الأوّل ورضى عام للطلّاب، فالجميع تمنّى لو يخضع للامتحانات الرسمية في عهد بو صعب.

لم يكن من الصعب الوصول إلى مدرسة الأوروغواي، الكائنة في المفرق الموازي لسوق الأحد، نظراً إلى أنّ الأهالي اصطفّوا منذ الصباح الباكر على جانبَي الطريق. خلف جدران كلّ قاعة من هذا المركز الذي ضمَّ نحو 124 مرشّحاً قصّة، نظراً إلى أنّه مخصّص لتلامذةٍ مِن ذوي الصعوبات التعليمية، فتكون المسابقات معدّلة، مبسّطة، على نحوٍ يُراعي خصوصية أوضاعهم الصحّية.

بوصعب الذي بدأ جولته التفقّدية من هذه المدرسة، حرصَ على الدخول إلى كلّ غرفة والاطمئنان إلى المرشّحين مردّداً على مسامعهم: «انشالله بتنجَحوا». وخلال جولته، استرعت انتباهَ بوصعب، آية، وهي مرشّحة تجلس في آخر الصف تنظر إلى مسابقتها وعيناها مغرورقتان بالدموع، فاقتربَ منها مستفسِراً، فتبيّن أنّها خائفة ليس أكثر، فقدّم لها ما يلزم من الدعم.

وقبل أن يغادر المركز، أكّد بوصعب لـ«الجمهورية» أنّ التدبير الذي اتّخذه في مادة الفلسفة عبر خفضِ المحاور لن يشمل موادَّ أخرى مِثل التاريخ، موضحاً: «مادة الفلسفة كانت موضعَ جدل منذ بداية العام الدراسي، والطلّاب اعتبروا أنّها متشعّبة وصعبة، فاتّخذنا قراراً بإلغاء بعض المحاور ليركّزوا أكثرَ على بقية المواد»، مشيراً إلى أنّ «هذا الإجراء لهذه السنة فقط، ولن تُلغى أيّ مواد في المستقبل». وأمّا إذا كانت تُجرى الامتحانات في أحد السجون، أجاب: «هناك نزيلٌ واحدٌ في السجن المركزي في رومية».

مطالبة بتمديد الوقت

بينما كان يواصل المرشّحون امتحاناتهم، أكملَ بوصعب ومعه رئيس اللجان الفاحصة فادي يرق جولتهما على المدارس، فكانت المحطة الثانية في مدرسة جابر الأحمد الصباح في رأس بيروت.

في هذا المركز 160 مرشّحاً، غابَ منهم 10، فيما أعربَ معظم الذين التقيناهم عن ارتياحهم لمسابقة الجغرافيا، إلّا أنّ إحدى التلميذات، اعتبرَت أنّ المسابقة تستلزم وقتاً أطول: «أشّطونا دِغري المسابقة»، عبارة استفزّت إحدى المراقبات، لكنّ بوصعب سرعان ما حاولَ تخفيفَ التوتّر، قائلاً: «يا عمّي الدني رمضان عطوُن شويّة وقت».

أمّا حسّان، فلم تفارق يدُه شعرَه منذ لحظة دخول الكاميرات صفَّه وهو ينهمك في تسريحته، فاقتربَ منه بوصعب يسأله: «أدّيش بياخد شَعرك وقت معَك؟»، فردَّ مبتسماً: «واعي من الساعة أربعة ساوِي... وأدرس». وقبل أن يغادر بوصعب الصفّ سأل: «مرتاحين؟ حدا زَعلان؟ حدا عندو شكوى؟ فكانت علامات الامتنان جواباً موحّداً من التلاميذ.

وفي هذا المركز، حرصَ بو صعب على تفقّدِ مختلف القاعات، ولدى دخوله الغرفة ما قبل الأخيرة، رفع أحد المرشّحين يدَه سائلاً «هل يمكن التقاط صورة مع الوزير»، لكنّ زملاءَه اعترضوا قائلين: «ونِحنا كمان بدنا». بوصعب المقرّب من التلامذة عجز عن رفض طلبهم، فابتسَم لهم وبلمحِ البرق اصطفّوا بالقرب منه ينظرون إلى عدسة هاتفه، «سلفي».

وبعدما عاد كلٌّ إلى مكانه، تمنَّت رئيسة المركز لو تأخذ صورةً مع بوصعب، ممّا أثارَ تعليقَ أحدِ الطلّاب، قائلاً: «ليش تصوّرت معها وحدها، عشان لابسي أورانج؟». فضحكَ الصفّ، وردّ بوصعب: «إيه لابسي أورانج وهيّي مع تيار «المستقبل»، فابتسَمت المسؤولة قائلة: «هيدا لبنان الغَني بتنوّعه».

ناتالي اقليموس- الجمهورية


 

  • شارك الخبر