hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - شارل جبوّر

ربط نزاع في تنورين والقبيات... وحسم في طرابلس

الأربعاء ١٥ حزيران ٢٠١٦ - 06:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية في الشمال وعكار حملت أكثر من رسالة وعنوان قبل ان تسدل الستار على المشهد البلدي وخلاصاته التي فتحت الباب أمام مرحلة جديدة بعناوين قديمة-جديدة، ولكن بنكهة بلدية ستطبع كل الاستحقاقات اللاحقة من رئاسية إلى نيابية وحكومية.
 ولولا المفاجأة التي أحدثها الوزير أشرف ريفي في طرابلس لكان الحدث البلدي انحصر مسيحيا، حيث شكل التحالف القواتي-العوني الحدث الأول في هذا الاستحقاق، فشغل كل القوى السياسية والوسائل الإعلامية في ظل حملة مركزة على هذا التحالف قادها تيار "المستقبل" الذي يخوض معركة استباقية حفاظا على "مقاعده" المسيحية غير التمثيلية تضخيما لتكتله وتذرعا بعبوره الطوائفي، وهذا ما يفسر خسارته المدوية في طرابلس بسبب انشغاله بالساحة المسيحية ومكاسبه السلطوية.
وإذا كانت حسابات "المستقبل" مفهومة، فإن حسابات القوى المسيحية المحلية مفهومة بدورها، لأن أولويتها الحفاظ على حيثيتها بمعزل عن القضية الوطنية وأحيانا بالمزايدة على أصحاب القضية أنفسهم، فيما كان باستطاعتها التعامل بإيجابية وانفتاح مع "تفاهم معراب"، ولكن، ويا للأسف، تريد تبدية مصالحها على المصلحة الوطنية-المسيحية، الأمر الذي لم يعد متاحا، لأن القوى التي استفادت من الاحتلال السوري والتغييب القسري للقوى المسيحية التمثيلية تستخدمها لحساباتها وأجندتها وعلى حساب المصلحة الوطنية.
وفي هذا السياق فإن القوى المحلية مدعوة إلى مراجعة حساباتها، فإما ان تعيد النظر بموقفها السلبي من "تفاهم معراب" فتلعب دورها المحلي وحبة مسك، وإما ان تواصل التموضع ضد هذا التفاهم فستكون صندوقة الاقتراع النيابية هي الفيصل.
ولهذه القوى ومن يدور في فلكها مطلق الحرية في مواصلة القراءات الخاطئة عن انتصارات وهمية في تنورين والقبيات وغيرهما، متجاهلين عمدا ان الخصوصية البلدية تختلف عن الخصوصية النيابية، وان القوى المحلية ما زالت أقوى من القوى الحزبية في الاستحقاقات البلدية لارتباطها المباشر بالخدمات الشخصية والتوظيفية، متكئة على ممارسة طويلة وغياب قسري للأحزاب، ومستفيدة من باب الخدمات المفتوح على مصراعيه في خدمتها، الأمر الذي يختلف في الاستحقاقات التي طابعها سياسي.
وعلى رغم ذلك أظهرت المجموعات الحزبية في تنورين والقبيات روحية قتالية استثنائية، والنتائج المحققة كبيرة جدا، لان هذه المجموعات تتحرك بدافع نضالي في مواجهة ماكينات مالية ضخمة، وقد نجحت بربط نزاع مع القوى المحلية لم يكن قائما بهذا الشكل قبل هذه الانتخابات، وهذا النزاع مرشح للتوسع مع فارق ان الدينامية الحزبية إلى اتساع، فيما الدينامية المحلية محدودة في الزمان والمكان.
والقوى المحلية تدرك في قرارة نفسها ان ما حصل ليس قليلا ولو تجنبت الإقرار بذلك، ومن دون التقليل ان الماكينات الحزبية كانت غير جاهزة بفعل عوامل التمديد والوضع السياسي، فيما القوى المحلية ناشطة بمتابعاتها اليومية الطبيعية، وأي انتخابات مقبلة ستكون مختلفة على مستوى الجهوزية والتعبئة وتراكم الخبرات، فضلا عن ان التغيير داخل البيئة المسيحية سيتحقق بالجولات لا بالضربة القاضية على غرار ما حصل في طرابلس، لأن موازين القوى معلومة، كما المواقف والتحالفات، وبالتالي عنصر المفاجأة غير موجود.
ولا يفترض الاستهانة أيضاً برؤساء البلديات الذين نجحوا بعد سنوات من الممارسة في إقامة شبكة مصالح وخدمات تتطلب معطيات معينة لإسقاطها، إلا ان المعركة التي خيضت هددت عروش الجميع في عقر دارهم، وإذا كانوا نجحوا اليوم في تأخير تقدم الثنائي القواتي-العوني، فلن ينجحوا غداً، لأن المواجهة التي انطلقت لن تتوقف، وفي العلم العسكري يقال ان هذه المنطقة أصبحت بحكم الساقطة عسكريا، الأمر الذي ينطبق على النائب حرب في البترون والنائب حبيش في القبيات.
ومن راقب عن كثب الاندماج في الماكينات الحزبية بين "القوات" و"التيار الحر" يدرك ان هذا الثنائي استفاد من الانتخابات البلدية كبروفا من جهة، ومن أجل نقل التحالف إلى القواعد بسرعة قياسية من جهة أخرى، ويخطئ كل من يراهن على انفراط هذا التحالف، والأسابيع المقبلة ستشهد المزيد من الخطوات التي تؤكد متانته واستمراريته، والفضل الكبير بذلك، إلى جانب القضية المشتركة، يعود للحملات المبرمجة التي ضاعفت القناعة بضرورة استمراره وتطويره.
وإذا كانت الانتخابات داخل البيئة المسيحية قدمت مؤشرات واضحة لسيطرة الثنائي على الصورة العامة، فإن ما حصل في طرابلس هو انقلاب بكل ما للكلمة من معنى، ولكنه يعكس في الواقع مزاج الشارع السني الذي تم تجاهله لفترة طويلة، حيث أظهر الناخب الطرابلسي المشدود إلى الأحداث السورية تعلقه بالثوابت والمبادئ على كل الاعتبارات المصلحية والزبائنية والتسووية، كما أظهر الرأي العام الطرابلسي انه "مُسيّس حتى العظم" وليس بوارد تقديم جوائز ترضية لمن لا يستحق الجوائز، بل خصص الجائزة الكبرى لمن لم يبدل في مواقفه وثوابته.
وهذا الانقلاب على الخط السني التقليدي شبيه إلى حد كبير بولادة "القوات اللبنانية" من رحم "الكتائب اللبنانية"، حيث ان الحالة الريفية التي ولدت من رحم الحالة الحريرية، في خطوة أولى من نوعها منذ نشأة الحريرية مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستمرارها مع الرئيس سعد الحريري، ستشكل نيو حريرية بخطاب ينسجم ويتكامل مع الممارسة بدلا من ان يتناقض معها.
 

  • شارك الخبر