hit counter script

مقالات مختارة - نبيه البرجي

«أوركسترا» الأغبياء

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٦ - 01:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

سواء وصفه اهل النظام بالعصا بالقفازات الحريرية ام بالسلحفاة بالقفازات الحريرية، يقول معارضون سوريون ان محمد علوش حين ذهب الى جنيف بدا وكأنه على سطح المريخ. قدمان عالقتان في الهواء. لا يتقن الحد الادنى من فن التفاوض، ولا يعرف حتى ان يطرح النقاط التي تم تلقينه اياها. في المدينة السويسرية الثور الذي راح ينفخ نفسه حتى تحول الى... ضفدعة.

محمد علوش كبير المفاوضين، واسعد الزعبي رئيس الفريق المفاوض. هل من احد يستطيع ان يتبين الفارق؟ واضح ان التسميات والالقاب مستوردة من مدرسة ياسر عرفات.
الاثنان دميتان ولا تصلحان ان تكونا ظلا لـ«السادة» الذين يقبعون خارج ردهة المفاوضات...
بدءاً من رياض حجاب، التسميات لم تعجب الاميركيين، حتى ان روبرت فورد الذي كان يمسك بالملف السوري لم يتورع عن استخدام تعبير «اوركسترا الاغبياء». لم يعرف ما اذا كان القيادي في «جيش الاسلام» قد استقال لـ«اصراره مع زملائه على التمسك بثوابت الثورة وتحقيق انتقال سياسي لا وجود للرئيس السوري فيه» ام لانه يصلح للخندق لا للعب في الزوايا، ولا في الاروقة التي تنتشر فيها الاشباح.
مشكلة السعوديين التي هي مشكلة الاميركيين ايضا انهم لم يتمكنوا من تصنيع مفاوضين محترفين. الضباط الذين انشقوا اما انهم انتهازيون كانوا يعتبرون ان النظام سيسقط خلال اسابيع، او انهم من الصفوف الخلفية، ومن «المتخلفين» عسكريا باستثناء ثلاثة او اربعة لا تستطيع الدول الراعية تحملهم.
في كل الاحوال، العسكريون ليسوا بالمفاوضين البارعين الا اذا كانت المسألة تتعلق برسم الخرائط على الارض. غريب ذاك النظام الذي طالما قيل انه يعاني من التخلخل البنيوي انه لم يشهد اي انشقاقات تذكر في السلك الديبلوماسي.
احد اصدقاء جهاد المقدسي قال ان الرجل جثا امام تمثال للسيدة العذراء قبل ان يغادر دون ان يكون مقتنعا بطروحات اللوبي التركي او اللوبي العربي داخل المعارضة. البعض ما زال يصر على ان النظام هو الذي تولى تهريبه، كما حصان طروادة، الى داخل المعسكر المعارض...
الفرنسي اريك شوفالييه اقترح تنظيم دورة من شهرين او ثلاثة لتدريب معارضين سوريين، بعضهم صحافيون. البعض الاخر اساتذة جامعيون، على تقنية التفاوض. لم توافق الكي دورسيه على تخريج ديبلوماسيي الفاست فود، حتى ليحكى ان مسؤولا في الخارجية الفرنسية اعترض بشدة لان «صناعة الديبلوماسي تختلف كليا عن صناعة الهوت دوغ».
في مذكرات لاحد رفاق الجنرال غياب (الفيتنامي) ويدعى غوان فويانغ قال انه بموازاة القتال ضد الاميركيين، والتدرب على كيفية «التفاوض» مع القاذفات العملاقة «بي- 52» التي كان يسقط منها واحدة يوميا تقريبا، استحدث معهد لخريجين جامعيين مميزين ليس فقط للاطلاع على اسلوب الاميركيين في التفاوض، وانما للتعرف على كل اشكال الحياة في اميركا، وكيف يمكن تحويل الجنرال، او مسؤول الاستخبارات، الى مفاوض محترف...
لم يكن علوش بحاجة الى كل هذا. ثمة «ديبلوماسية القبائل»، وهذا يكفي. رجال ليس مطلوبا منهم سوى ان يكونوا عبارة عن اقراص مدمجة. ومساعدو سيرغي لافروف يقولون ان الاميركيين غالبا ما يطلقون صفات مخجلة على المفاوضين في صفوف المعارضة او على الذين يتسلمون رئاسة الائتلاف الوطني كما رئاسة المجلس الوطني...
علوش الذي زُرع مكان ابن عمه مصطفى علوش يفتقد كليا حسن القيادة، وحتى ميدانيا يفتقد القدرة على المناورة. رجل «قنابل الهاون» وفي جنيف بدا وكأنه عبارة عن مدفع هاون ويضع الاوراق والخرائط امامه، وهو الذي يكاد يتعثر حتى بالقدود الحلبية.
الذريعة التي اختبأ وراءها اقرب ما تكون الى «مقالب غوار الطوشي». المفاوضات لم تستأنف ولم يحدد موعد لها ليعرف ما هو مطروح اميركيا وروسيا. ومن قال ان عليه كمفاوض ان يدخل عاريا الى القاعة وان بدا عاريا (فعلا) وهو يتكلم خلال الجلسة الماضية بطريقة كاريكاتورية. كيف يمكن للببغاء ان تفاوض؟
وراء الضوء كلام عن ان كوندوليزا رايس اتصلت بمسؤول عربي بارز واقترحت عليه بألا يخطو اي خطوة في اتجاه التسوية لان القادم الى البيت الابيض، وسواء كان دونالد ترامب او كانت هيلاري كلينتون، لا بد ان تكون له نظرته المختلفة الى كيفية التعاطي مع الازمات لا سيما الازمة السورية...
اذاً، لا داعي لليلة الاراكيل على ضفاف البحيرة في جنيف. يستقيل علوش الذي كانت تسميته كبير المفاوضين مضحكة، ويعود الى الخندق بطلب ممن يتولون اداراته بالخيوط، بعدما وعد بأسلحة جديدة وبخطط جديدة لدفع الازمة الى حدودها القصوى مع الاقتراب من الانتخابات الاميركية...
اصحاب الوعد، والوعيد، تغاضوا كليا عن قول سيرغي لافروف لهم «اذا لم تتم تسوية الازمة السورية الان لن تحل في اي وقت». ما لم يقله ان الضحايا لن يسقطوا في سوريا، بل وفي امكنة اخرى تعتبر نفسها عصية على لعبة (وجدلية) الازمنة!
 

  • شارك الخبر