hit counter script

مقالات مختارة - ميسم رزق

يوم طُحِن تيار المستقبل في عاصمة الشمال

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٦ - 08:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

إذا أراد الرئيس سعد الحريري إقناع نفسه والآخرين بأنه زعيم على امتداد لبنان من بيروت إلى الشمال، عليه النظر إلى طرابلس كي يدرك أنه على خطأ. «طُحن» تيار المستقبل بين القوى الأخرى في الفيحاء. لم يكُن الأضعف على المستوى الشعبي فحسب... ماكينته الانتخابية كانت الأكثر تواضعاً وهزالة بين الماكينات الأخرى


على أحد أطراف مستديرة ساحة النور، حيث وقف رئيس لائحة «طرابلس عاصمة» النائب السابق مصباح الأحدب، للتصريح مباشرة لإحدى القنوات التلفزيونية، باغتت سيدة شمالية عدسة الكاميرا. كان العتب على «أبو عوني» كبيراً. تلعثم رئيس «لقاء الاعتدال» عندما صرخت: «عيب عليك تعمل لائحة مستقلّة... إنت بتحبّ الوزير أشرف ريفي وهوّي بيحبك...

المتل بيقول: أنا وخيّي على إبن عمّي، وأنا وإبن عمّي على سعد الحريري»! كان هذا واحداً من مؤشرات عدّة دلّت على حالة «جَزر» مستمر للمياه «الزرقاء»، استنفدت رصيداً هائلاً كونّه الرئيس رفيق الحريري، قبل أن يغرق وريثه في بحر الفيحاء...
في الأحد الرابع والأخير من الانتخابات البلدية، كانت الوجهة إلى الشمال. جرت رحى المعارك الانتخابية في أكثر من منطقة. لكن العين كانت على طرابلس. هناك، كل الذين ألفوا لوائحهم كانوا يريدون شيئاً ما. إما إثبات وجود أو تكريس واقع جديد... وحده تيار المستقبل أرادها رحلة للعودة من السقطات «الاستراتيجية». لكن لم يكن في جعبته ما يشير الى أنه جاهز لمثل هذه العودة. في الشكل الطرابلسي، بدءاً من «بوابة» عاصمة الشمال حتى أضيق زاروب فيها واكبت لسنوات سطوع نجم الرئيس سعد الحريري ومحضته ثقتها، تبدو المهمّة الأصعب هنا البحث عن صورة للرجل وأبيه الشهيد، أو حتى علم لتيار المستقبل.
ليست شوارع طرابلس بالنسبة إلى رئيس تيار المستقبل أفضل من شوارع باريس التي لا يعرفه فيها أحد من «العامة». يستطيع مثلاً وزير الداخلية نهاد المشنوق أن يستأنس بلافتات الترحيب به «كرمز للديموقراطية» على طول الطريق المؤدي إلى عاصمة الشمال. يمُكنه أيضاً أن يحار في قرار بعض الشباب ارتداء «تيشرتات» تحمِل صوره، علماً بأنه ليس مرشحاً، ويصف ما يحصل وكأنه حالة عاطفية ليس أكثر. حالة جعلت من صورته «مجاورة» لكل صور المرشحين حتى غير المعروفين.


فقد الحريري
القدرة على كسب تأييد أناس «خبزوه وعجنوه» فلم يستحصلوا منه
إلا على فتات

هادئة كانت طرابلس في يومها الانتخابي. غابت الحماسة فلم تتعدّ نسبة الاقتراع فيها حتى الظهر نسبة الـ 5 في المئة. داخل المراكز الانتخابية سكون غريب، لا يقطعه إلا دخول شخصيات ذات ثقل شعبي للإدلاء بصوتها. كان أحد المندوبين يسأل «هل حقاً هناك انتخابات؟». من كان يسأل هو واحد من ممثلي تيار المستقبل في الماكينة الانتخابية المشتركة للائحة التوافق. من الطبيعي أن يغيب شعور التعب عنه، فلا شيء من النشاطات المعتادة لماكينة التيار يظهر على الأرض، و«حريريته» تعيش حالة من انخفاض الأسهم بين الناس. للمرّة الأولى، عمل المندوبون المستقبليون بقفازات مخملية. حركتهم الميدانية تشي بذلك. لا اتصالات مع الناس ولا زيارات للبيوت ولا جذب للأنصار ولا اتصالات تنسيقية. ذابت الماكينة بين الماكينات التابعة لتيار العزم والوزير محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي. الأولى معروفة بنشاطها، والثانية بتنظيمها والثالثة بشعبيتها. أما ماكينة المستقبل فلم تجِد ما تقدمه، مكتفية بالاعتماد على الثقل المالي للرئيس نجيب ميقاتي من جهة، وزعامة كرامي من جهة أخرى. نادراً ما يُمكن التعرف إلى مندوبين مستقبليين مهمتهم التموين من طعام وغيره أو إعداد قوائم للناخبين ومراقبة سير العملية الانتخابية. هم فقط يحسنون إخفاء ما يحصل في الغرف الخاصة للعمل الانتخابي المشترك فلا يعطون المعلومات إلا بـ«القطارة». يستعينون على ضعف ماكينتهم بالكتمان. فلا مال ولا خطاب مذهبي ولا مغتربون. «ليس من السهل التوجّه إلى أناس لم نخاطبهم منذ أعوام»، يقول أحد من يعملون في ماكينة المستقبل «البائدة». لكنه يُطمئن النفس بأن «الأمور ستجري كما يشتهي التيار». لا يقنَط من رحمة الله التي منّت على الرئيس الحريري برضى التيارات الأخرى فمنحته قوتها. يجلس آخر وحيداً على باب مركز انتخابي. يُشير إلى أنها «المرّة الأولى التي يشعر فيها بأن الحريريين على لائحة «لطرابلس» هم الحلقة الأضعف، وأن الماكينة الزرقاء عاجزة أمام إمكانيات الماكينات الأخرى، حتى بات عناصرها مستضعفين»!
القلق بدا ظاهراً على وجوه هؤلاء الذين فقدوا الثقة بالنفس. وقفوا على الهامش يراقبون بتوتر شديد سير العملية الانتخابية حتى ساعات ما بعد الظهر خوفاً من تشطيب الأسماء المحسوبة على الحريري في لائحة الائتلاف. فكل الماكينات كان لديها بصمة واضحة على الأرض، باستثناء ماكينتهم. مشهدية اختصرت موقع تيار المستقبل بين الأحزاب والتيارات داخل المدينة. شاخ الحريري باكراً في طرابلس مقابل خروج القوى الأخرى بعناوين وشعارات ساندتها في تجميع قواها. بدا في ورطة حقيقية لم تكشفها سوى الانتخابات البلدية التي حملت في طياتها عقاباً وترجمة للخوف من تياره في آن واحد. لن يجِد إجابات واضحة عن الأسئلة التي سيبدأ بطرحها على كوادره في طرابلس. يعرف أن المشكلة تعنيه هو بالدرجة الأولى، منذ أن فقد القدرة على كسب تأييد أناس «خبزوه وعجنوه» فلم يستحصلوا منه إلا على فتات! قد يفسّر هذا الأمر اضطرار تيار المستقبل بشخص رئيسه اللجوء إلى إنتاج شراكة بلدية مع سياسيين كانوا حتى يوم أمس من ألدّ أعدائه، بهدف الحفاظ على مواقعه، بعدما احتكر التمثيل لسنوات. ما فعله الحريري لم يكُن يقظة متأخرة، هو ببساطة محاولة لنفخ الروح في جسد تيار يبدو كأنه يحتضر.
 

  • شارك الخبر