hit counter script

مقالات مختارة - نبيه البرجي

أنظمة وتلعب أوراقها الأخيرة

الأحد ١٥ أيار ٢٠١٦ - 06:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

الازمات هنا لا تذهب الى الثلاجة. يفترض ان تبقى امام الملأ، وفي العراء، بانتظار ان تقوم الساعة. لا احد سأل ما اذا كان العالم الاخر بحاجة الى كل تلك الجماجم. منذ 2500 عام، قال هيرودوت ان المنطقة على خط الزلازل. ربما لان فيها ترعرع الغيب. ربما لان فيها ترعرع ...العدم.
ثمة انظمة في الشرق الاوسط وتلعب اوراقها الاخيرة. تصف باراك اوباما بأنه «رجل فيينا». لو كان رئيسا اميركيا حقيقيا لفعل بطهران ما فعله هاري ترومان بهيروشيما، ولوضع موضع التنفيذ النص التوراتي، وترك لصواريخ التوما هوك ان تحوّل دمشق الى ارض يباب، ولكان اودع الصولجان بنيامين نتنياهو الذي لا ينظر، على كل حال، الى العرب سوى كونهم قطعانا ما دون البشرية ولم تغادر البداوة قط...
لا احد يلتفت الى النصائح التي تأتي من اناس في الغرب تريد الخلاص لهذا الشرق، بأن تتخلى دول المنطقة عن لوثة الدم، وهي نفسها لوثة الغيب، وتعقد العزم على اقامة نظام اقليمي يدفع بالمجتمعات نحو القرن بدل ان تبقى، هكذا، على تخوم القرون الوسطى...
وزير الخارجية الفرنسية الاسبق اوبير فيدرين لا يعتقد ان البيت الابيض والكرملين معنيان كثيرا بتناثر الجثث، بل وبتناثر الدول في المنطقة. الصراع الجيوستراتيجي بينهما لا يزال ضبابيا، ومن الصعب الرهان على التوصل في وقت قريب الى بلورة رؤية مشتركة لقواعد النظام الدولي، ودائما انطلاقا من ضجيج المصالح في الشرق الاوسط كما في الشرق الاقصى...
يدرك لماذا تراهن تل ابيب على «ابدية الازمات»، وهي التي تعتبر ان التوتر الايديولوجي عامل اساسي في ولادتها كما في بقائها، لكنه لا يفهم لماذا الاتراك والايرانيون والسعوديون ضالعون في تلك الغرنيكا التي تدمر الجميع دون استثناء. الانظمة التي لديهم انظمة ايديولوجية بالدرجة الاولى. وحين تنتهي الشيوعية الى ما انتهت اليه، وهي التي نشأت من تفاعلات الثورة الصناعية، كيف للايديوجيات الاخرى القابعة على ضفاف الغيب ان تبقى؟
ليس فيدرين الوحيد الذي يرى ضرورة ازالة الصدأ الايديولوجي من العقل السياسي، او العقل الاستراتيجي، في الشرق الاوسط. حتى زبغنيو بريجنسكي يحذر من تداعيات تلك اللحظة البربرية التي قد تكون اشد هولا من الخطيئة الاصلية. المشكلة لا مسيح اخر لكي يضع حدا للجلجلة...
اين هي واشنطن الان؟ تبتدع اقتراح قانون تحت عنوان « العدالة من رعاة الارهاب». المقصود المملكة العربية السعودية، مجلس النواب يوافق على الاقتراح، ونواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتنافسان على تحميل الوهابية، وهي الاطار الايديولوجي للسلطة في المملكة، مسؤولية انتاج كل تلك الظواهر الارهابية...
الا يكفي كل هذا لكي يقتنع اصحاب الرؤوس الحامية بأنه آن الاوان للخيار الاخر، والتوجه الى لغة جديدة في العلاقات بين بلدان المنطقة وحيث يبدو واضحا ان من مصلحة القوى الاقليمية ان تتفكك الخارطة العربية والذهاب بالصراع الجيوبوليتيكي الى حدوده القصوى. هكذا تمضي سوريا والعراق واليمن، وبخطى حثيثة الى التجزئة.
ولنقل مع القائلين ان الايرانيين، بنظامهم المعقد حيث التعايش الملتبس، بل والتعايش العجيب، بين الهاجس القومي والهاجس الايديولوجي، يمثلون خطرا على العرب، مع انهم في وضع اقتصادي، وفي تجاذب داخلي، يجعلهم اقرب الى التفاهم منهم الى المواجهة، ولما كان حسن روحاني على رأس الدولة، ولما كان محمد جواد ظريف في وزارة الخارجية. والاهم لما كان اية الله خامينيئي يدلي بين الحين والاخر بمواقف تستشف منها الرغبة في اقامة علاقات متوازنة مع العالم.
هل البديل، والحال هذه، في اسرائيل؟ لم يعد بالامكان اخفاء ما يحدث في الظل، وهو اكبر بكثير من ان يكون خطيرا. ثمة ديبلوماسيون اسرائيليون في اوروبا، ومعهم صحافيون طالما عرفوا بعلاقاتهم مع تل ابيب، يتحدثون علنا عن انقلاب دراماتيكي وشيك في المشهد السياسي او الاستراتيجي في الشرق الاوسط...
انهم يتحدثون عن مرافىء عربية باتت مستعدة لاستضافة قطع بحرية اسرائيلية، ربما تمهيدا لاقامة قواعد في تلك المرافىء، وعن محادثات رفيعة المستوى من اجل ارساء علاقات استراتيجية تقوم على ثنائية «المال العربي والعقل اليهودي». في هذه الحال من يجر الاخر، العقل ام المال؟
ثمة امير عربي بارز وقال ان هذا منطق الاشياء، منطق التاريخ ومنطق الايديولوجيا ايضا. الغريب قوله لتوماس فريدمان «انه منطق القرآن يا صاحبي»!!

  • شارك الخبر