hit counter script

مقالات مختارة - إباد أبو شقرا

خياران لـ«الفيدرالية»... سلًما أو حرًبا

الأحد ١٥ أيار ٢٠١٦ - 06:28

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الشرق الاوسط
مدينة الفّلوجة التي عانت طويلاً من احتلال تنظيم داعش المتطرف تعيش اليوم ساعات عصيبة في عملية “تحريرها”، ومدينة الّرّقة التي أعلنها التنظيم “عاصمة” له تنتظر مصيًرا مشابًها خلال الساعات والأيام المقبلة.. إذا صدقت الروايات. لا مشكلة مع تحرير المدينتين وإنقاذ أهلهما من نير جماعة إرهابية تشّوه الإسلام وتسيء إليه عبر الزّج به في مواجهة دموية تدميرية مع العالم بأسره. ولا إشكال في أن تعود الحياة الطبيعية إلى المدينتين الصامدتين الصابرتين والمناطق المحيطة بهما، ومن بعدهما، العراق وسوريا كبلدين عربيين كانا مهد الحضارة العالمية منذ آلاف السنين وقلعتي العروبة والإسلام منذ أكثر من 1300 سنة.

إلا أن القاصي والداني يدركان أن الصورة التي يرّوجها المجتمع الدولي للعمليات الحربية – الضرورية من حيث المبدأ – غير متكاملة. وإذا ما أمعّنا النظر في التفاصيل والخلفّيات السياسية المحيطة بهذه العمليات الحربية نجد أنها مقلقة، كي لا نستخدم كلمة أشد وأقسى وأكثر وضوًحا وصراحة. ومع أنه قد يكون من الشطط وضع نظام بغداد الضعيف ونظام دمشق القاتل في كفة واحدة، من الواجب الإقرار بأن أًيا منهما ليس جديًرا بأن يؤتمن على أمر المحافظة على حياة مدنية سوّية تحمي الأقليات والضعفاء وتضع سقًفا لسطوة الأكثرية والأقوياء والتدخل الأجنبي.

بصراحة أكثر، حكومة حيدر العبادي في العراق أضعف من أن تحمي المواطنين السنة العرب في العراق من مشاريع القيادة الإيرانية و”مفّوضها السامي” على مستوى المشرق العربي قاسم سليماني؛ إذ ليس بمقدور العبادي أو حكومته، أو الُبنية السياسية “التوافقية” الهّشة في العراق، لجم أطماع إيران وإقناع الأكراد في الشمال باحترام بقاء العراق “دولة واحدة ذات سيادة” تعتمد نظاًما فيدرالًيا حقيقًيا. ذلك أن مشروع طهران يقوم على الهيمنة الُمطلقة على كل العراق وصولاً إلى “الحدود” الكردية المحمّية أميركًيا وغربًيا. أما مشروع القيادات الكردية العراقية – مهما قالت في كلامها الدبلوماسي اللِبق – فهو الانفصال التام تمهيًدا لتحقيق حلم كيان “كردستان الكبرى” من ساحل شرق المتوسط حتى ما وراء جبال زاغروس وطوروس.

في المقابل، كشف نظام آل الأسد، الذي ما زال يرفع شعارات العروبة “من المحيط إلى الخليج” حقيقته البشعة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتبّين أنه نظام طائفي وعشائري وزبائني فاشي، لا صدق لعروبته أو اشتراكيته أو “ممانعته” أو “مقاومته”. وهو بعد قتله مئات الألوف وتهجيره الملايين من أبناء سوريا بات يعتمد في بقائه على “حماية رباعية” إيرانية – روسية – أميركية – إسرائيلية! أما “وحدويته” الانفلاشية المزعومة فتقّلصت إلى تحصين “سوريا المفيدة” والمساومة مع الانفصاليين الأكراد على كيان يتمّدد يوًما بعد يوم برعاية دولية مشبوهة.. تشّجع على الاعتقاد بأن الكلام عن “خريطة تقسيم” جديدة من المنطقة ما عاد أضغاث أحلام.

ولئن كانت هذه الخريطة التقسيمية تهدد فيُبعدها الكردي وحدة التراب التركي، فهي أيًضا تطرح علامات استفهام كبرى حول ماُيرَسم لكيانات أخرى يرى كثرة من المراقبين أنها في الأساس أضعف حصانة من العراق وسوريا، مثل لبنان والأردن، وطبًعا، ما تبقى من فلسطين.

في هذه الأثناء، يحتدم “الجدل البيزنطي” في لبنان، الُمحتّل بقوى الأمر الواقع والرازح تحت السلطة الفعلية لـ”حزب الله”، حول قانون الانتخاب المأمول لمجلس النواب. فحزب الله، ومن خلفه إيران، يصّر على التمثيل النسبي في ظل احتفاظه بسلاحه ومؤسساته الأمنية خارج سلطة الدولة. و”التيار العوني”، الذي يشّكل الغطاء المسيحي للحزب ولمصالح طهران، لديه على صعيد البرلمان على الأقل أفضلية طائفية فاقعة تماًما تقوم على انتخاب كل طائفة دينية نوابها. ووسط هذا التفاوت العجيب بين “الحليفين” تختلف أولويات كل الأفرقاء اللبنانيين بين “الدائرة الفردية” (لكل دائرة نائب)، واعتبار “القضاء دائرة واحدة” (بصرف النظر عن عدد مقاعده)، و”النظام المختلط” الجامع بين التمثيل النسبي والعددي المباشر.

(بصرف النظر عن عدد مقاعده)، و”النظام المختلط” الجامع بين التمثيل النسبي والعددي المباشر. ما يستحق الذكر أنه عندماُوضع حٌد للحرب اللبنانية (1975 – 1990 ،(التي سبقت الحربين التقسيميتين العراقية والسورية، نّص “اتفاق الطائف” التوافقي علىَبندين في غاية الأهمية ­ للأسف ­ لم يتحّقق أي منهما بعد مرور أكثر من ربع قرن عليه، هما: اعتماد اللامركزية الموّسعة، وإنشاء مجلس شيوخ. والواقع أنه لوَقِبل اللبنانيون – وسمح النظام السوري الذي كان يحتل لبنان ويصادر قراره السياسي – بتطبيق هذين البندين بصورة صحيحة لكان لبنان قطع أكثر من نصف الطريق نحو حكم مؤسساتي ووفاقي عادل وقابل للحياة. وكان من الممكن لهذا النموذج اللبناني أنُيعمم بصورة صحيحة على العراق وسوريا حيث تحّولت “العروبة البعثية” الُمنّزهة مبدئًيا عن التعصب الديني والمذهبي والعرقي إلى نظامين عائليين طائفيين.. أسقطت المصالح الدولية الأول عام 2003 بغزو وحّمامات دم وبديل أكثر طائفية، وحافظت على الثاني فوق أشلاء وطن وحلم وتعايش.

إن اللبنانيين الُمعاندين في رفض تطبيق “الفيدرالية” الصحيحة، حيث لاُغبن يلحق بالأكثرية ولا خوف يساور الأقليات، يَرون بأم العين نموذجها المشّوه، الدموي والتهجيري، في العراق وسوريا.. لكنهم مع ذلك ما زالوا يرفضون أن يتعّلموا.

إنهم يشاهدون ما يرتكبه “الحشد الشعبي” في الفّلوجة ومحيطها وما فعله من قبل في تكريت والمقدادية. ويتابعون ماَتِعد به الميليشيات الكردية الّرّقة وتل أبيض وريف حلب.. بعد جرائم “شبيحة” الأسد وحلفائهم وأسيادهم في الُقَصير والحولة ودارّيا والغوطة الشرقية، ومع ذلك يجبنون عن اتخاذ الخيار الصحيح.

أمام اللبنانيين راهًنا، بخلاف العراقيين والسوريين، فرصة نادرة للتوافق على نظام فيدرالي حضاري من دون العودة إلى تكرار تجربة الفتنة الطائفية وما جّرته من استقواء انتحاري بالخارج سبق لهم أن اكتشفوا آفاته عندما قتل أكثر من 150 ألف لبناني خلال 15 سنة. المنطقة برّمتهاُمقبلة على المجهول، والتناهش الإقليمي على قدم وساق، والتطّرف الديني والعنصري المتصاعد في طهران وتل أبيب يهدد بتفتيت المنطقة العربية، والمرجعيات الدولية متواطئة.. فمتى نستيقظ ونّتعظ؟!

  • شارك الخبر