hit counter script

مقالات مختارة - فايز سارة

الأكاذيب حول "داعش"!

الأحد ١٥ أيار ٢٠١٦ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الشرق الاوسط
كيف تتواصل الكارثة بما يحيط بسوريا بكيانها وسكانها؟ هو أحد الأسئلة التي تشغل الكثيرين في العالم، وخاصة الراغبين منهم والذين يريدون رؤية نهاية، إن لم نقل سعيدة، فعلى الأقل مقبولة للكارثة، تكون حدودها وقف القتل وعودة السوريين إلى بلدهم وبيوتهم، ووضع البلاد على سكة السير نحو نظام بديل لنظام الاستبداد والقتل والإرهاب الذي جسده نظام الأسد على نحو ما ظهر في السنوات الخمس الماضية. وإذا كانت الأسباب المؤدية إلى تواصل الكارثة السورية واستمرارها كثيرة ومتشعبة، فإن بعضها يتصل بالسوريين أنفسهم بمن فيهم النظام والمعارضة، والبعض الآخر، يتصل بالدور الخارجي، الإقليمي والدولي الذي يتابع تدخلاته في القضية السورية، وقد ارتفع مستوى تلك التدخلات إلى حد أنها صارت تتحكم بمستقبل القضية السورية وبمعزل عن السوريين أنفسهم بمن فيهم النظام والمعارضة.

ووسط البيئة المحيطة بالقضية السورية، والمؤدية إلى استمرارها وتصاعدها، ثمة عامل مهم يساهم بدور مفصلي في الكارثة، تمثله الأكاذيب المتداولة حول سوريا، وهي أكاذيب لا يقتصر ترويجها على وسائل الإعلام بما لهذه الوسائل من قدرات وسطوة في تضليل الرأي العام، بل تساهم في ترويجها وتعميمها تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين من مستويات دولية وإقليمية وسورية أيًضا، ممن لهم علاقة وثيقة بالقضية السورية، وما يتصل بها، الأمر الذي يعني بالنسبة للجمهور والمهتمين، أن هؤلاء يقولون الحقيقة بحكم علاقاتهم ومعارفهم واطلاعهم على واقع القضية السورية وتفاصيلها.

سلسلة الأكاذيب حول سوريا كثيرة، والأهم فيها أنها مقصودة ومنظمة إلى حد بعيد، إن لم يكن في كلها، فعلى الأقل في الأكاذيب الأساسية وفي مقدمتها ثلاثة؛ أولها الأكاذيب حول «داعش»، والثانية، أكاذيب حول النظام، والثالثة تتعلق بالمعارضة، والقاسم المشترك لهذه الأكاذيب أنها تقدم صورة غير واقعية، بل مغايرة لكل طرف من الأطراف الثلاثة.

ن المثال الأكثر وضوًحا في هذه الأكاذيب، هو أكذوبة «داعش»، وأساس الأكذوبة حول «داعش» الذي يتفق الجميع على كونه تنظيًما إرهابًيا متطرًفا ومتوحًشا، لكن أصحاب الأكاذيب يبالغون في قوته وقدراته وإمكاناته وامتداده، ولأن الأمر على هذا النحو فالحرب ضده تطلبت إقامة تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، قبل أن تتقدم روسيا للمشاركة في تلك الحرب بالتعاون مع حلفائها. ووسط حملة الكذب والتهويل تلك كانت تتوالى تصريحات لسياسيين وعسكريين بينهم مسؤولون أميركيون كبار، في أن الحرب على «داعش» قد تستغرق عشر سنوات، إن لم يكن أكثر، أي إنها يمكن أن تمتد أكثر مما امتدت الحرب العالمية الثانية (1939 ­ 1945 ،(في وقت تغيرت فيه قدرات العالم وإمكاناته، وخاصة الدول الكبرى وشركاءها الإقليميين، ممن أعلنوا انخراطهم في الحرب على «داعش».

والحقيقة أن «داعش» جهاز وظيفي محدود القدرات والطاقات، لم يتم السكوت عن نشوئه وتمدده فقط، بل إن أطراًفا إقليمية ودولية ساعدته مباشرة وبصورة غير مباشرة، وقدمت له كل وسائل الاستمرار، وما زالت، في وقت كانت تعلن فيه العداء اللفظي له والحرب عليه، والأمثلة في هذا أكثر من أن تعد وتحصى، والمثال الأهم ما قام به نظام بغداد في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي سمح بهروب مئات الإرهابيين من سجونه، ثم أفلت حدوده مع سوريا لتمرير عناصر التنظيم وأسلحتهم، قبل أن يقوم بتسليمه الموصل ومحيطها بما في بنوكها من أموال، وما تحتويه معسكرات الجيش العراقي من أسلحة ومعدات، وكله ما كان يمكن أن يتم لولا تفاهم إيراني مع نظام الأسد وموافقة روسية، وسكوت أميركي، ساهمت جميعها في تكريس أكذوبة «داعش».

ن «داعش» الذي يقدمونه كأسطورة، هو التنظيم الذي هزمته فصائل من الجيش الحر في ريف حلب وإدلب في عام 2014 ،وكبدته أكثر من ألف قتيل، ودفعته للانكفاء نحو الشرق، ولولا التضييق على تلك القوات في السلاح والذخيرة في حينها، لكان بإمكانها القضاء على التنظيم، وانتزاع الرقة من تحت سيطرته.

والمثال الآخر هو حرب قوات الحماية الشعبية الكردية ضد التنظيم في الأعوام الماضية. فقد استطاعت هذه القوات المتواضعة العدد والتسليح، أن تهزم التنظيم، وتنتزع منه عين العرب ورأس العين وعشرات القرى في منطقة شمال الرقة، كما هزمته في معارك كثيرة في الحسكة، بل إن الولايات المتحدة، تعّول اليوم، حسب ما أعلنت، على قيام قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل قوات الحماية الشعبية نواتها الصلبة بخوض معركة الرقة ضد «داعش»، وهي المعركة التي بدأت قبل أيام في ريف الرقة الشمالي، وتمخضت عن تراجع «داعش» عن بلدات كثيرة، وإصابة تنظيمه بخسائر بشرية كبيرة. وبخلاف حرب السوريين على «داعش» في جديتها ونتائجها، فإن حرب التحالف الأميركي وكذلك حرب روسيا وتحالفها ضده، لم تحقق أي إنجازات في الواقع. ورغم أنها قتلت عشرات من أعضاء التنظيم وقياداته في مئات من طلعاتها الجوية، فلم تتمخض عن انتزاع متر واحد من تحت سيطرته، بل هي قتلت سكاًنا مدنيين أغلبهم يعارض «داعش» في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، ودمرت قدراتهم البشرية والمادية، مما أدى إلى تقوية «داعش» وليس إضعافه.

إن التفاوت بين نتائج الحربين المختلفتين على «داعش» يكشف أساس الأكاذيب والتهويلات حوله، التي يروجها إعلام مغرض ومضلل، وتدعمها تصريحات مسؤولين سياسيين وعسكريين ممن لهم صلة وتواصل مع القضية السورية، وخلف تلك الأكاذيب ثمة حقيقتان؛ أولاهما عدم توفر إرادة سياسية وعسكرية لدى أصحابها لحرب جدية على «داعش»، وهذا ليس ناتًجا عن عجز سياسي لدى أصحاب القرارات فقط، إنما لاستخدام وجوده في تبرير سياسات وممارسات تتجاوز في بعدها المجال السوري ­ العراقي الذي يشغله «داعش» إلى مجالات أخرى، والنقطة الثانية أن بقاء «داعش»، يعطي مبررات لعدم الذهاب إلى حل حقيقي، ما زال غائًبا، وغير متفق عليه للقضية السورية، ويخفف من مسؤولية الأطراف الدولية والإقليمية وخاصة الولايات المتحدة وروسيا في مسؤوليتهما على استمرار الكارثة.

إن معركة الرقة ضد «داعش»، إذا تمت، سوف تبدل الكثير من المعطيات حول القضية السورية، وهي في المقام الأول، سوف تكشف جانًبا من الأكاذيب والأضاليل، التي أحيط بها التنظيم وكثير من جوانب القضية السورية. فقط دعونا ننتظر ونر!

  • شارك الخبر