hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

جعفر فضل الله: لخطاب مقاوم عقلاني مؤثر ووحدوي

الجمعة ١٥ أيار ٢٠١٦ - 13:39

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ألقى السيد جعفر فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"جاء احتلال فلسطين من قبل الصهاينة بغطاء من القوى الغربية استهدفت في استراتيجيتها تأكيد تفوق الكيان الصهيوني العسكري والأمني، والذي قام على رؤية توسعية تعتبر حدود دولته من النيل إلى الفرات، ما عرض الأمة لنكسة بكل معنى الكلمة، لا نكسة سياسية واستراتيجية فحسب، وهو لحظة إعلان الكيان في عام 1948، وإنما نكسة حضارية تاريخية، كرست، لعقود، سيادة منطق الضعف الذاتي للأمة أمام ما يرسمه الآخرون ويخططون له ويحركونه من مشاريع على أرض الواقع".

أضاف: "25 أيار 2000 شكل نقطة التحول الاستراتيجية، عندما أجبرت ثلة مؤمنة العدو الصهيوني على الهروب من لبنان، من دون اتفاق أو شروط. هذه الثلة المؤمنة استثمرت معادلة القوة الإلهية: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون)، وحركت أدواتها لتحقيق معادلة النصر الإلهي: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، فكان الواحد منهم صدى لقول الله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون)".

وتابع: "على هذا كان لائقا بالشعوب العربية والإسلامية أن تحتفل بهذا اليوم، وأن تشعر باستعادة الكرامة المهدورة التي لم تفلح القوى الرسمية الدولية والعربية والإسلامية في حفظها، وأن تتحسس سقوط هيبة هذا الكيان، بما يعزز فرص استعادة الأرض والحقوق. وقد كان من المفترض لهذا الانتصار أن يحرك التغيير ربيعا للشعوب في اتجاه إعادة بناء الأنظمة، على خطى التحرير الكبير لفلسطين والمنطقة، إلا أن خطط الاستكبار العالمي للالتفاف كانت جاهزة، بدءا من احتلال العراق الذي أريد أن يتبعه سقوط المنطقة كحجارة الدومينو، كما أريد للشعوب أن تدخل في أتون الفتن حيث استثمرت كل التناقضات الداخلية التي سادت الأمة خلال قرون، وخصوصا استشراء العصبية المذهبية والطائفية والقبلية والحزبية في مناحي الحياة العربية والإسلامية".

ورأى ان "كل ذلك كان يؤكد حقيقة واحدة، وهي أن الانتصارات التاريخية تخذلها البنية الهشة للدول والمجتمعات والأمة، وتحولها إلى حالة يثور حولها الجدل بدلا من أن تكون محل إجماع، مقدمة لنزعها من وجدان الشعوب، وصولا لحذفها من دائرة الصراع الاستراتيجي في خط التحرير".

وقال: "لم نكن نتصور أن يتحول الشحن المذهبي والطائفي إلى مستوى تصبح فيه "إسرائيل" أقرب مودة للذين آمنوا، وأكثر صداقة من أهل القبلة والقرآن وشركاء الجهاد والقضية! هذا العدو الصهيوني الذي تاريخه قتل الأنبياء والأولياء والمجاهدين، ونقض العهود، والتآمر على الرسالات".
أضاف: "في كل الأحوال، هذا الأمر يجعلنا ندرك أهمية العمل الجدي على الوحدة الإسلامية التي تخرج الحالة المذهبية من حالة الحوار الشكلي إلى صوغ المشاريع المشتركة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو علمية، ويؤكد لنا كم كنا في حاجة - في كل دول المنطقة - إلى تفعيل عناصر البناء الاجتماعي، والإصلاح السياسي، والنهوض الثقافي، واحتضان الطاقات الإبداعية، وتحريك المشاريع الاقتصادية، واستثمار الثروات الطبيعية، لصون انتصار الأمة، والمراكمة عليه في تحقيق انتصارات قادمة".

واعتبر ان "هذا الأمر ليس مسؤولية فصيل مقاوم، وإنما هو مسؤولية الأمة والشعوب وخصوصا الحركات الإسلامية؛ مهما كانت الاختلافات والتناقضات، فإن مصير الحركات الإسلامية واحد في مشاريع الهيمنة على المنطقة، وهو شيطنتها مقدمة لضربها".

وقال: "خذلان الانتصار شهدناه أيضا في لبنان. كان يكفي لبنان عشر هذا الانتصار الذي تحقق في عام 2000 لينتقل إلى موقع متقدم ودور فعال، لا في المنطقة فحسب وإنما في العالم؛ ولكننا وجدنا أن البنية اللبنانية الهشة، التي كفل النظام السياسي الطائفي استمراريتها، جعلت من هذا البلد عاجزا حتى عن استثمار مياهه، فضلا عن استخراج نفطه وغازه". تحصين هذا الانتصار يبدأ من إقرار نظام لتكوين السلطة على قاعدة أن يكون الشعب ممثلا تمثيلا صحيحا فيها، لا أن يكرس النظام السياسي حالة التهميش والإقصاء الذي يفسح في المجال للاعبين الدوليين والإقليميين للنفاذ إلى داخلنا من خلال ذلك. ومع الأسف، فقد أصبح البلد مرتهنا لطبقة من السياسيين تعيد إنتاج نفسها في كل مرحلة عبر قانون انتخاب غير منطقي ولا عصري، وتحترف كل الوسائل والأدوات التي تفقد اللبنانيين القدرة على التطوير والتغيير والإنجاز".

أضاف: "في ذكرى التحرير، نحتاج إلى استعادة قضية فلسطين كثقافة، لا تقف عند حدود المقاومة العسكرية فحسب، وإنما تعمل على تفعيل كل أنواع المقاومة، فكريا وثقافيا وإعلاميا وفنيا واقتصاديا وسياسيا وقانونيا؛ ليشعر كل فرد من أفراد الأمة بأنه يستطيع أن يقدم شيئا في مسيرة التحرير، وإبقاء الذاكرة حية في مدى الأجيال".

وختم: "إن مثل هذه الثقافة المسلحة بالإرادة قادرة على مواجهة الشركات المعولمة التي تقتحم أسواقنا، وتدخل سلعها التي لا تشكل حاجات حقيقية لنا إلى يومياتنا، لنتشرب ثقافة الاستهلاك واللهو واللامبالاة، حتى بتنا لا نعرف كيف نعيش بلا كل ذلك، والعديد من هذه الشركات يدعم العدو، وبعضها يدعم جيشه الذي يقتل شعبنا ويسفك دماءنا، ويدمر البيوت على أطفالنا ونسائنا، ناهيك عن ضرورة التأسيس لخطاب مقاوم عقلاني ومؤثر ووحدوي يواجه الخطاب الذي يستجدي السلام الدافئ مع العدو في ذهنية احترفت اقتناص فرص التخاذل لتقدم المزيد من التنازلات بالمجان، على حساب الأمة والتاريخ والأديان والرسالات والشعوب".
 

  • شارك الخبر