hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - حبيب افرام

من هو المخطوف؟

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٦ - 10:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يصعب عليّ أنْ أكتب عنه بصفة الغياب. فهو حاضرٌ معنا في روحه في أسره في سرّه.
يوحنا ابراهيم مطران ومرشد وصديق وأخ ورفيق نضال. كانت قضية مسيحيي الشرق وقدرهم وغدهم هاجسنا، ونهضة السريان في الكنيسة والمؤسسات وصمودهم في أوطانهم أرقنا. في كل هذا، كان الفكر والرأي والتواصل والانفناح والعلاقات والحوار مع مراكز القرار وسيلة لفهم أكثر تجذراً للواقع للمخططات لما يُرسم لهذا الشرق.
المطران رجل دولة يجسّد المصالح العليا لوطنه، غيرعابئ بشيء، مع السلطة والمعارضة، مع أصدقاء سوريا ومع من تعتبرهم خصوماً، مع العرب والاتراك والايرانيين والغرب. صوت صارخ للتنوع للتعدد.
نهضوي، يقرأ، ينشر – أكثر من مئتي عنوان في دار نشر – يكتب يحاضر حوَّل مطرانيته قلب الحدث السياسي والفكري في حلب.
كنا نتبادل الكتب والمحاضر والرؤية والرأي. دائماً لديه جديد. دائماً في حراك. اذكره في بعض محطات.
حذَّرته مرة في فيينا ونحن نسير تحت زخات مطر خفيف اثر مؤتمر شاركنا فيه من كثرة حراكه، قلت له وضعكَ لا يعجبني أنت وحيد في غابة. أنت هدف سهل لكل القوى. ضحك وقال أظن ان لدي ما يكفي من اتصالات مع الجميع لأحمي نفسي، أصلاً أنا باقٍ في حلب لألعب هذا الدور الوفاقي ولأبرهن اننا نساهم في صناعة غد سوريا.
دعاني مرة الى القاء كلمة في أربعين الكاتب السرياني ابروهوم نورو في كنيسة في حلب وتعرّضت مع الراحل روبير كبريال الى حادث سير كاد يودي بنا على طرق حمص. قال لنا أمامكم نضال طويل لم يحن بعد وقت الترجل. لن تتركوني.
كنت معه في استقبال العماد ميشال عون في زيارته التاريخية لحلب. دعاه الى حفل غداء في دار المطرانية. عندما رآني الجنرال سألني انتَ هنا؟ قلت له أنتَ في دارنا، دار كل السريان. وكان المطران سعيداً جداً بالبعد المشرقي للعماد، وقال لي انه رهان حقيقي قد ينقل الموارنة الى قيادة مسيحيي الشرق اذا وعوا أهمية هذا البعد.
كنّا في مطعم ياباني في بيروت مع أمين عام اللقاء الارثوذكسي مروان أبو فاضل نتحاور حول لبنان هل ما زال واحة لكل مضطهد؟ هل يمكن له ان يلعب دور الحاضن للمسيحية المشرقية؟ هل هو وطن لجوء لمعذبي الشرق؟ هل ينوء تحت الديموغرافية الفلسطينية وحتمية التوطين المقنع، وتحت الاحتلال السلمي للنازحين السوريين؟ وفجأة دوى انفجار كبير على مقربة تبين انه عملية اغتيال اللواء وسام الحسن. أوصلته الى الفندق قائلاً يبدو لي اننا لن نرتاح. نحن خلقنا بيتنا الخطر.
كل همومه في لقاءاتنا ندواتنا والحوارات كيف نوقف حرب سوريا؟ كيف نصل الى حل سياسي؟ لن يربح أحد. كلنا سنخسر؟ لن يلغي أحد أحداً؟ سندفع من لحمنا الحيّ ثمن تحويل سوريا الى ساحة. سنبكي سوريا الدولة وليس النظام. والنسيج الاجتماعي وليس فئة.
كنت متشائماً جداً في مصير مسيحيي سوريا. أقول له نحن حلقة ضعيفة دون مشروع، دون أصدقاء، دون حلفاء، دون قوى اقليمية داعمة، دون إرادة مقاومة، منقسمون، عقل شعبنا صار في جواز سفر وليس في الهوية. لكنه كان يعطيني دائماً جرعات ايمان، أنا الذي كنت أظن أني أحمل قضية المسيحيين المشرقيين في عقلي وقلبي. يوحنا ابراهيم ايمانه أقوى وأصلب. من رحم انه يؤمن بالعجائب.
صعقني خبر اختطافه. مسّني في دمي. لم تحركني مسألة مثل اختفائه. لم أترك وزيراً ولا رئيساً ولا مسؤولاً ولا أمنياً ولا سفارة ولا اعلامياً ولا كاتباً ولا مفكراً ولا باحثاً ولا رجل دين قد يساعد في معرفة الحقيقة وفي اطلاقه، مع المطران اليازجي، إلا وحاولت. لم نسكت في بيانات ومظاهرات وندوات وطلات واذاعات وجرائد ومجلات. نسأل من هو المخطوف؟ العقل العربي والاسلامي أم المطرانان؟ نسأل ولا من يجيب ولا من يهتم؟ سرٌ ولا حقيقة.
. بالأيام بالليالي بالقلق. بالأخبار الكاذبة بالسكوت بالصمت. لمْ نعد نفهم شيئاً. أصلاً انه شرق يتفتت بالكامل، على انقاض دول وحدود وجماعات تفتش كلها عن غد أفضل عن حقوق عن بقاء.
المطران يوحنا ابراهيم اختصارٌ وتجسيد للمسيحية المشرقية المعلقة على صليب. لا تموت فتدفن ولا تقوم وتدحرج الحجارة الى أمل جنة. الى الحرية من السجن الى الوطن المعمّد بالكرامة كرامة كل انسان وكل اثنية وكل دين وكل مذهب.
هل نحتفل معه يوماً ما بحريته وبحُرية اوطاننا؟

(كلمة حبيب افرام رئيس الرابطة السريانية في الكتاب الذي صدر عن جامعة لندن بعنوان المطران يوحنا ابراهيم، التنوع الحوار والعيش المشترك)
 

  • شارك الخبر