hit counter script

مقالات مختارة - وسام سعادة

الدولة موجودة وإنكارها لتسويغ القتل عمل عدمي

الأربعاء ١٥ أيار ٢٠١٦ - 06:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

المستقبل

استسهال القول بأن الدولة غير موجودة في لبنان هو طرح عدمي. العجيب ليس أنها غير موجودة. العجيب أنها رغم كل شيء موجودة. والعجيب أكثر منطق وجودها.

التذرّع بأنّ الدولة غير موجودة وبأنه لن يعترف لها بالوجود الا اذا كانت قوية وقادرة وناجحة يأتي دائماً لتسويغ كل الأعمال والأهواء المضادة لمفهوم الدولة، أو على أقل تقدير، لجعل النهوض بهذه الدولة، واعادة تشكيل العقد الاجتماعي الذي هو الشرط الشارط لإعادة تشكيلها، والتي هي كدولة المنظومة المنبثقة عنه والمستقلة نسبياً عنه في نفس الوقت، مهمة تعجيزية.

دولتنا مبتورة، حاضرة بشكل متفاوت في المناطق اللبنانية. حاضرة في مناطق، ومتعايشة مع نقائضها في مناطق أخرى، ومتوارية تماماً لحساب منطق «الدويلة« في المناطق التي تقوم فيها «الدويلة«. لكن كل هذا لا يلغي وجودها.

دولتنا ينخرها الفساد نخراً، وبيروقراطيتها بحاجة في الوقت نفسه الى تحديث شامل لا يمكنه ان كان جدياً ان لا يكون ترشيقياً لقطاعها العام، لكن وجود هذا القطاع العام المنتفخ كثيراً بالنسبة الى دولة تعتمد اقتصاد السوق وبالنسبة الى اقتصاد غير انتاجي أساساً، هو بحد ذاته التعبير عن مفارقات وجود هذه الدولة وليس عن مفارقات غيابها. هي في مكان ما موجودة أكثر من اللازم. حتى بالنسبة لنظامها المصرفي، الدور الذي يلعبه المصرف المركزي في دولة مثل لبنان هو دور توجيهي غير معتاد في البلدان الرأسمالية بهذا الشكل. ظاهرياً قد يبدو لبنان «رأسمالية اقتصاد سوق«، وهو كذلك الى حد كبير، لكن ان دققنا اكثر، برزت معالم «رأسمالية الدولة« فيه، وان يكن، مع ضمور مناحي «الدولة الاجتماعية« الى أبعد حد.

ليس في لبنان رئيس للدولة الآن. ليس فيه حكومة تعمل بشكل طبيعي. ليس فيه برلمان قادر على التشريع قبل انتخاب رئيس. ليس فيه قانون انتخاب صالح لاجراء انتخابات نيابية. ليس فيه تجربة سلطة مراقبة لدستورية القوانين نافعة. لكن فيه دولة، وهي تعيش على تجربة دستورية كان المفترض الاحتفاء بذكراها التسعينية في هذه الأيام وهي أطول فترة متصلة في بلد عربي يمكن بواسطتها كتابة تاريخ دستوري لهذا البلد من دون أن يكون مجرد شكليات. حتى في عز الحرب الأهلية، لم تضمحل مرجعية الدستور، ولم تضمحل الدولة. انهار النظام في لبنان، نظام الجمهورية الاولى، ولم تنهر الدولة. تقلصت على بعضها البعض وتركت المتحاربين يتحاربون والى درجة معينة أدارت اجهزتها محطات رئيسية من هذه الحرب، لكنها لم تضمحل كدولة الا في الاسراف بالمبالغة التي تمنع التفكير والعمل في آن. أما في سوريا، فحدث العكس، من الأيام الأولى لانفجار النزاع، ضحى النظام بالكثير من معالم الدولة. استمر النظام واضمحلت الدولة.

في فترة الوصاية السورية كانت دولتنا بلا سيادة بشكل نافر، لكنها لم تنته كدولة. بعد فترة الوصاية، خضعت لاشرافات اقليمية متعددة ونمت في احشائها دويلة تابعة لايران لكنها لم تضمحل كدولة. حتى الآن هي موجودة ولو بهذا الشكل الذي يمكن استحضار كل المعاني السلبية لوصفه بها، لكن ان يقال انها غير موجودة وبالتالي كل شيء مسموح، وصولاً الى استحلال الأخذ بالثأر، فهذا لا علاقة له فقط بالموقف من الثأرات العشائرية. هذا له علاقة قبل كل شيء بموقف عدمي أوسع، موقف مناهض بشكل واضح لامرين في وقت واحد: وجود الدولة، التي هي غير معدومة الا بالنسبة للعدميين او للمبالغين. وضرورة اعادة تشغيل هذه الدولة الموجودة، انما المبتورة، ما هو ممكن فقط، باعادة تشكيل العقد الاجتماعي القائم في شرط من شروطه على احتكار الدولة لمنظومة العنف الشرعي.
 

  • شارك الخبر