مؤسف في بلد مثل لبنان، يتغنى أهله بتميّزهم الثقافي والعلمي، أن يكون بينهم من يدّعي هذا التميّز وفي الوقت نفسه يتباهى علناً بأنه لا يؤمن بعلم الإحصاء، وتحديداً بعمل شركات الإحصاء واستطلاعات الرأي التي تنجزها لصالح القوى السياسية المنخرطة والمتنافسة في العمليات الانتخابية الديمقراطية التي هي أساس إنتاج السلطات الرسمية المولجة إدارة شؤون الناس والمكلفة صون وحماية مستقبلهم.

المؤسف أكثر أن هؤلاء المُدّعون يعوضون عن عدم إيمانهم بعلم الإحصاء من خلال إطلاق العنان لمخيلتهم في تحليل الأمور بكثير من اللف والدوران والمكابرة، وذلك بناءً على خلفيات خاضعة لتأثيرات المصالح الحزبية والطائفية والشخصية حتى لو كانت تخالف المنطق والعلم أولاً والواقع تالياً.

في المراحل الثلاث التي مرّت من الانتخابات البلدية والاختيارية والتي شملت محافظات بيروت والبقاع وجبل لبنان والنبطية والجنوب، سُجلت مفارقات ووقائع عديدة لافتة ومؤثرة ومفاجئة، وكان منها ما فرفط التحالفات السياسية ومنها ما خلخل المبادئ الحزبية، وعلى الرغم من مساوئها مرّت مرور الكرام.

إلا أن الواقعة الأبرز والتي تستحق أن ترقى إلى مصاف الحدث، تمثلت في دقة وموضوعية ومصداقية نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة "ستاتيستكس ليبانون Statistics Lebanon" التي لم يتردّد مديرها العام الخبير الإحصائي ربيع الهبر في استباق الانتخابات الفرعية لمدينة جزين والإعلان، في برنامج "كلام الناس" على شاشة الـ "أل بي سي آي" مع الإعلامي مارسيل غانم، عن نتائجها، مع تحديد فائق الدقة للنسب المئوية التي سينالها كل مرشح من المتنافسين، مستنداً إلى الدراسات العلمية والاستطلاعات الميدانية التي أجراها، لتأتي النتيجة بعد الانتهاء من فرز الأصوات مطابقة إلى حدّ مذهل ولتؤكد أهمية ومصداقية علم الإحصاء في تحليل وقراءة الواقع وفوائده في تفادي مخاطر اتخاذ الخيارات وبناء التقديرات والاستسلام للتوقعات غير المدروسة علمياً.

ربما بات جديراً بالقوى السياسية أن توسّع مجال استفادتها من علم الإحصاء واستطلاعات الرأي العلمية لتكون معياراً أساسياً في مرحلة إنتقاء المرشح المناسب للخيار المناسب في اللائحة المناسبة.

بالتأكيد، ليست المسألة ضربة حظ، لأنه: إذا حضر علم الإحصاء بَطُلَ الحظ.