hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

من اتفاق "سايكس ? بيكو" الى اتفاق "كيري- لافروف"

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٦ - 08:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ما حدث في الشرق الأوسط خلال ست سنوات من تحولات وتبدل جذري في الخارطة السياسية والجغرافية لم يحدث مثله طيلة قرن كامل يفصل بين نشوء الشرق الأوسط بحلته التي رسمها اتفاق «سايكس- بيكو» وبين تفجّر الشرق الأوسط ودخوله في مرحلة اعادة التكوين.
من ايار 1916 الى ايار 2016 مئة عام عاشتها المنطقة العربية في ظل عدم استقرار واقليات غير معترف بحقوقها وصراع «عربي - اسرائيلي» وحروب متقطعة، مئة عام اُرسيت فيها اوضاع المنطقة على اساس اتفاقية «سايكس- بيكو» ووفق خرائط النفوذ والمصالح الدولية التي رسمتها.
ولكن هذه الإتفاقية لم يقدر لها ان تكمل مئويتها الأولى وانما اصابها «ضربة قاضية» في السنوات الخمس الماضية ادى الى نسف القواعد والأسس التي قام عليها الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية .
- خمس سنوات غيرت المشهد الاقليمي.
في خلال الخمس سنوات الماضية، وهي فترة زمنية قصيرة في قياس حركة التاريخ، تغير المشهد الإقليمي بشكل كامل وانقلب رأساً على عقب، وحدثت تحولات كبيرة واحداث خطيرة، وباتت الخارطة العربية مثقلة بالنقاط الساخنة المتفجرة والقابلة للإنفجار، وصارت المنطقة مسرحاً ومركزاً لصراع دولي ? اقليمي متشابك في خيوطه وامتداداته.
تبدّدت كل احلام ما سُمي «الربيع العربي» واستحالت كوابيس واوهاماً، وقضت الحروب والتطرف على التوق الى التغيير والى الحلم بمستقبل افضل، كما اعادة المنطقة العربية قروناً الى الوراء، وصار كل شيء في مهب الريح ولم يعد الخطر مقتصراً على الأنظمة وانما صار محدقاً بالدول والشعوب وصار مستقبل المنطقة على «كف عفريت» وسط مشهد يدل عن تغيير اكيد في خرائط دول بعض هذه المنطقة.
بروز ما سُمّي بالدولة الإسلامية «داعش» ادى الى تسريع وتيرة التدهور والإنهيار بعدما تجاوز هذا التنظيم كل الحدود والخطوط الحمر وألغى الحدود «السورية ـ العراقية» قبل عامين، كما حاول إلغاء الحدود «اللبنانية ـ السورية» لكنه لم ينجح.
لكن «داعش واخواتها» نجحوا في نشر التطرف والاصولية والعنف والإرهاب، واخذوا في دربهم معظم الأقليات الدينية والإتنية، ونشأت ساحة فراغ قاتل جرى تعبئتها بالتطرف والعنف، ونمت حركات اصولية وتكفيرية، وبرزت قضية الأقليات الساعية الى حماية وجودها وامنها ومستقبلها.
اذن ثورات وحروب ما سمي «الربيع العربي» أوجدت واقعاً جديداً في المنطقة وأطاحت الواقع الذي أنشأته اتفاقية «سايكس- بيكو» وعزّزت نزعة الإنفصال والإستقلال عند مختلف الطوائف والقوميات بدءاً من العراق وسوريا، هذان البلدان اللذان تشكّلا على اساس اتفاقية «سايكس- بيكو» وشكّلا المرتكز الأساسي لمعادلة المنطقة واستقرارها سقطا في نفق مظلم وفي اتون حروب لا تنتهي، ادت الى تدمير البشر والحجر والى إلغاء الحدود المشتركة وفتحها على بعضها، من هنا من الصعب جداً بعد كل الذي حدث لا بل من المستحيل عودة الأوضاع في هذين البلدين الى سابق عهدها والى ما كانت عليه من قبل.
- نهاية العراق وسوريا اللتين نعرفهما.
العراق الذي كنا نعرفه انتهى وعلى انقاضه يقوم عراق جديد لم تُحدد معالمه النهائية بعد ولكن بالتأكيد لن يشبه «العراق السابق»، وسوريا التي كنا نعرفها انتهت الى غير رجعة.
التغيير في المنطقة حاصل وحتمي، واما الجدل والنقاش والتباين فهو لجهة ما اذا سيكون تغييراً في حدود الدول ويؤدي الى نشوء دول جديدة، ام سيكون تغييراً داخل الدول ويؤدي الى قيام انظمة وكيانات جديدة.
 - مفترق طرق حاسم وتاريخي.
المنطقة تقف عند مفترق طرق حاسم وتاريخي، بعدما سُدّت في وجهها ابواب العودة الى الوراء لذلك سيكون عليه التقدم في احد اتجاهين:
- إما في اتجاه حروب طويلة ومعقدة تختلط فيها الصراعات الدينية والمذهبية مع لعبة المصالح الدولية، وهذا من شأنه ان يكرّس الواقع التقسيمي على الأرض مع ما يعنيه من اعادة رسم حدود الدول.
- إما في اتجاه حلول وتسويات سياسية لا بدّ وان تأخذ في الإعتبار الحقائق السياسية والإستراتيجية الجديدة في المنطقة.
فالعراق الغارق في ازمة وطنية وسياسية، والرازح تحت هيمنة «ايرانية ـ اميركية» مشتركة يتجه أكثر فأكثر نحو التقسيم من خلال ثلاث مناطق واقاليم، الاولى «شيعية» في الجنوب، والثانية «سنّية» في الوسط، والثالثة «كردية» في الشمال، ولن يكون بإمكانه العودة الى سلطة مركزية قوية وموحدة.
كم ان الوضع في العراق ينسحب ايضآ على سوريا، وقد صار بين البلدين ترابط في المسار والمصير، لكن اذا كان العراق صدّر الأزمة الى سوريا، فإن سوريا هي التي ستصدّر الحل الى العراق، واذا كانت حروب المنطقة وشراراتها انطلقت من العراق فإن تسويات وحلول المنطقة ستنطلق من سوريا على اساس التفاهمات «الأميركية - الروسية» التي باتت تُعرف بتفاهمات «كيري - لافروف» وتعكس تناغماً ضمنياً ومعلناً احياناً حول خطة مستقبلية لإنشاء «فدراليات» في سوريا مع ما تقتضيه من تثبيت لوجود الأكراد ضمن مناطق سيطرتهم الحالية ومن توفير الحماية والحقوق للأقليات.
- كيانات فدرالية وتقسيمات جديدة.
تلميحات وايحاءات كثيرة صدرت عن الجانبين «الروسي والأميركي» في هذا الإتجاه، كل طرف على طريقته ولكن كلاهما على موجة واحدة.
- وزير الخارجية الأميركي جون كيري اعلن اكثر من مرة انه اذا لم تنجح المفاوضات سيكون من الصعب الإبقاء على سوريا موحدة.
- ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تحدث تكراراً عن فكرة انشاء دولة فدرالية وعن صوابية اقامة كيانات فدرالية وفق تقسيمات ادارية وجغرافية جديدة ولكن ليس على أسس قومية.
وفي الواقع لا يخفي الأميركيون ميلهم وانحيازهم الى إحداث تغييرات على ارض العراق وسوريا، وتغيير خارطة المنطقة انطلاقاً منهما.
نائب الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث بصراحة عن تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم مع إعطاء الإقليم الكردي وضعاً خاصاً ليصبح «شبه دولة»، وهذا ما جعل مسعود بارزاني يقول: ان اتفاقية «سايكس - بيكو» ماتت ونحن من سنقرر مصيرنا، والسفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد كان رجح خلال محاضرة له في معهد دراسات الشرق الأوسط ان تكون النتيجة النهائية تقسيم سوريا بين الفصائل والقوى المختلفة الى ست مناطق بينها منطقة يسيطر عليها العلويّون وحزب الله على طول الحدود مع لبنان وعلى ساحل البحر المتوسط ومنطقة يسيطر عليها الأكراد في الشمال والشمال الشرقي ومنطقة تسيطر عليها ما يسمى بالدولة الاسلامية «داعش» في الشرق.
مهما يكن من أمر فإن مجرد إثارة الحل الفدرالي لسوريا يكرّس الواقع الذي يفيد بإن اتفاقية «سايكس- بيكو» انتهت عملياً و«خدمت عسكريتها» قبل ان تكمل مئويتها الأولى وان عملية اعادة رسـم خريطة جديدة تجري في دول المنطقة حدوداً وكيانات.
وهنا يبقى السؤال هل ما بدأ في العراق وسوريا سيتواصل في ليبيا واليمن وفي لبنان والأردن؟
المؤكد في كل ذلك ان عصر «سايكس - بيكو» البريطانية الفرنسية انتهى لتبدأ في الشرق الأوسط عصر تفاهمات «كيري ـ لافروف» الأميركية ـ الروسية.
 

  • شارك الخبر