hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - طلال سلمان

الديموقراطية «تحت» والعطب الطائفي.. «فوق»!

الإثنين ١٥ أيار ٢٠١٦ - 07:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

كشفت الانتخابات البلدية التي أنجزت، أمس، جولتها الثالثة (أو الرابعة إذا ما فصلنا بين معركتي بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل..) أن «العيب» فوق، أي عند القيادات السياسية وليس عند جمهور الناخبين..
فالناس بأكثريتهم الساحقة يتشوقون إلى الانتخابات، أي انتخابات وعلى أي مستوى، برغم ما ألفوه فلم يعد يفاجئهم من تحالفات اللحظة الأخيرة بين «أضداد» أو مخاصمات طارئة بين «حلفاء» سابقين، متوقعين سلفاً أن يتبادل المرشحون الاتهامات باللجوء إلى الرشوة، وقد يصيب الرذاذ «السلطة» (التي كانوا، ربما، شركاء فيها) بالتواطؤ أو التساهل وغض النظر عن المخالفات إلخ..
والحقيقة أن هذه الانتخابات البلدية قد جرت، في الغالب الأعم، بين متشابهين أو متقاربين في الموقف السياسي (ما عدا استثناءات محدودة كمثل ما جرى في صيدا حين تكتل «الجميع» بالتواطؤ أو بهدر الأصوات على مرشحين ثانويين ولكنهم يفيدون في إسقاط «خصم الجميع» ممثلاً باللائحة المدعومة من الدكتور أسامة سعد...).
لهذا يصعب التفريق بين مشاهد الحشد الانتخابي في ظل زعامات الإقطاع السياسي القديم والمشاهد التي تابعناها طيلة النهار خلال معارك اختيار المجالس البلدية الجديدة (من دون أن ننسى المخاتير..).
وفي الغالب الأعم تكاد تنعدم الفوارق، عقائدياً وسياسياً، بين المرشحين سواء بأشخاصهم أم بالقوائم التي توزعوا عليها... وربما انحصر التنافس على ادعاء التمثيل الأكمل أو الأكثر شرعية للطائفة أو المذهب.
أوليست الأحزاب والتنظيمات التي خاضت «المعركة» طائفية بتركيبتها الشعبية، مع الأخذ بالاعتبار أن لكل طائفة ثنائيتها، ومن ظل خارج الثنائية نُظر إليه وكأنه «مرتد» أو ناقص الولاء لطائفته وحق عليه العقاب! فكرامة الطائفة هي الأساس، وكرامتها في تأكيد وحدتها التي لا تؤثر فيها الانتخابات ـ سواء أفرعية كانت أم شاملة ـ .. بل إن الانتخابات فرصة ممتازة لتأكيد انضباط الطائفة خلف «قياداتها التاريخية»... ويتصل بكرامة الطائفة، بطبيعة الحال، كرامة العائلة، فالخروج على أي منهما يجعل «المتمرد» خارجاً على الإجماع وربما اتهم بأنه «ناشز» أو «مرتد».
على هذا فإن الديموقراطية «تحت» والعيب «فوق».
ولا ديموقراطية مع الطائفية مهما ابتُدع من حيل وفنون التمويه ومحاولات لتصوير هذا التنظيم الطائفي أو ذاك بأنه من علامات الديموقراطية والتمرد على الواقع الطائفي..
لهذا تجتمع الطبقة السياسية بمختلف أطيافها على رفض إلغاء الطائفية، مع أن ذلك يعني رفض التسليم بوحدة الشعب وبأن مطلبه المحدد والمؤكد أن يتم التعامل معه بحقيقته وواقعه: إنه شعب واحد، في وطن واحد، مهما تعددت انتماءاته الطائفية.
من هنا الإصرار على قانون طائفي للانتخابات، وعلى تقاسم المناصب والوظائف من الرئاسات إلى مجلس النواب فإلى الحكومة فإلى وظائف الدرجة الأولى ـ بل وظائف الدرجات جميعاً، وصولاً إلى السعاة ـ على قاعدة طوائفية.
لكأنه يمكن الجمع بين النقيضين: وحدة الشعب والتعامل معه على أساس أنه مجموعة من الطوائف والمذاهب «تصادف» أن تلاقت على أرض واحدة، وواجهت وتواجه وستواجه، بالمصادفة، مصيراً واحداً.
مع أن الطبقة السياسية تزعم أنها تسعى لإلغاء الطائفية في حين أنها لا تألو جهداً في تعميق الانقسام الطائفي واستثماره لتوطيد مكانتها: هل يعقل أن تقتل الطبقة السياسية النظام الذي مكّنها من استعباد الشعب عبر التعامل معه على قواعد طائفية تضرب وحدته وتحرره ـ بالتالي ـ من إسار هيمنتها وتحكّمها بحاضره ومستقبله؟!
لهذه الأسباب، ونتائجها المنطقية، يتوجه «الناخبون» إلى صناديق الاقتراع في طوابير منتظمة لا مجال للتمرد... فالعصا لمن عصى!
مع ذلك كله، بل وبرغم ذلك كله، ينتظر الناخبون مواعيد الانتخابات ـ أي انتخابات وكل انتخابات ـ بشوق عظيم.. ربما لأنها فرصة نادرة لتأكيد الذات والابتهاج بفعل «اعتراف» الطبقة السياسية بهم، ولو لمرة، وبأهمية مشاركتهم في تزكية هيمنتها عليهم... ديموقراطياً!
هل من الضروري أن نضيف أن البؤس الذي يخيم على الوطن العربي الكبير، وبمختلف أقطاره والتكوينات والمكونات (!!) الطائفية والمذهبية فيها، يجعل الإخوة العرب في موقع «الحاسد» للبنانيين على «نعمة الديموقراطية» التي يتمتعون بها، ويتشهون أن يذهبوا مثلهم إلى صناديق سحرية تُرمى فيها أسماء المرشحين فتخرج منها النتائج مؤكدة فوز هذا المرشح أو ذاك، هذه الكتلة أو اللائحة أو تلك! إن مثل هذا الإنجاز اللبناني العظيم يعتبر فتحاً جديداً في تاريخ العمل السياسي، مشرقاً ومغرباً..
وربما لهذا يجد المواطن العربي، خارج لبنان، نفسه محاصراً بين خيار من اثنين كلاهما بمرارة العلقم: أن يخضع للحاكم بأمره أو يذهب إلى جهنم الحرب الأهلية... وهكذا فإنه يسلّم بأهون الشرّين وإلا فعليه أن يتوقع اندثار الدولة والوطن جميعاً، ويتمتم بحسرة: الله غالب! مع أن الله أمره بأن يعيش حراً.. ثم إنه هو من حرر، بدمائه، وطنه، غالباً، لكن تحرير ذاته أصعب لأنه قد يفرض عليه حرباً أهلية لا يريدها!
 

  • شارك الخبر