hit counter script

الحدث - دافيد عيسى

قانون انتخاب عادل ومتوازن او فلنذهب "للفدرالية"

الأحد ١٥ أيار ٢٠١٦ - 08:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لنعترف ان هناك واقعاً مسيحياً سياسياً جديداً قد نشأ بعد إعلان اتفاق التفاهم والمصالحة بين "التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية". وهذا الواقع لا يمكن لأحد تجاهله او تجاوزه. واذا كان الثنائي المسيحي نجح قبل اشهر في اقرار قانون استعادة الجنسية بغضّ النظر عن عملية تطبيق هذا القانون ومردوده العملي، فإنه ينجح الآن في اعادة فتح ملف قانون الإنتخاب واعادته الى صدارة الإهتمام ولائحة الأوليات بغضّ النظر عمّا ستؤول اليه المناقشات النيابية وما اذا كانت ستتوصل الى وضع قانون جديد ام لا.

حسناً فعل رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما بادر الى تجميد الجلسات التشريعية طالما انها تُقابل بتحفظات واعتراضات مسيحية مثبّتاً مرة جديدة انه "صمام امان" وضابط ايقاع محترف، وحسناً فعل ايضاً عندما قرر فتح ملف قانون الإنتخاب في محاولة جديدة لوضع قانون عادل وجديد يلبّي مطلب شريحة لبنانية كبيرة وتطلعها المشروع الى استعادة التوازن والدور والمشاركة الفعلية في الحكم والدولة.
وبمناسبة العودة الميمونة الى قانون الإنتخاب فإن لنا في هذا الموضوع افكار وملاحظات ومقترحات نختصرها بالنقاط التالية:
1- قانون الإنتخابات هو جوهر الأزمة السياسية في لبنان منذ الطائف وحتى اليوم، وهو الذي يحدد الى حدّ كبير مستقبل لبنان وهوية الطبقة السياسية التي ستحكمه ولذلك لا يعود من المستغرب ان تنشب الخلافات والتجاذبات الواسعة حوله وان تكون معركة قانون الإنتخاب هي ام المعارك السياسية واكثرها صعوبة وشراسة لأنه هو الأساس والمنطلق في تحديد الأوزان والأحجام والمعادلات الشعبية والسياسية وفي اعادة تكوين السلطة من الرأس الى القاعدة.
2- اذا كان النظام اللبناني بحاجة ماسة الى اصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وادارية، فان قانون الإنتخابات الجديد هو الممّر الإجباري وحجر الزواية للإصلاح والتطوير والتحديث وتحقيق الديموقراطية وتداول السلطة والعدالة الإجتماعية.
عبثاً نبحث عن تغيير وتقدم في اوضاعنا اذا لم يحدث تغيير في الطبقة السياسية التي في معظمها عاثت في الارض فساداً واستنفذت ثقة الناس بها، وهذا التغيير غير ممكن الاّ بالإنتخابات وعن طريق قانون جديد عادل ومتوازن يؤمن صحة التمثيل ويلغي "المحادل الانتخابية".
وهنا وفي هذا المجال تقع مسؤولية اساسية على المواطنين الذين عليهم ان يشهروا في الإنتخابات النيابية سلاح المحاسبة والمساءلة على قاعدة الثواب والعقاب فيعطوا ثقتهم لمن هو جدير بها ويحجبوها عمن اساء اليهم وأخطأ في الموقف والتصرف، واما ان يكتفي الناس بالشكوى والتذمر وعند الإنتخابات يعطون اصواتهم مجدداً للذين اوصلوهم الى "التحت الذي ليس تحت تحته تحت" فهذا يجعلهم شركاء في الجريمة والمسؤولية.
3- الشكوى المسيحية المزمنة منذ 25 عاماً وتحديداً في مرحلة ما بعد الطائف من تراجع الدور والحضور وعدم المشاركة الفعلية في القرار الوطني، ومن حال التهميش والإجحاف، كل هذه الشكوى مردها الى اختلال التوازن الوطني بشقيه السياسي والطائفي نتيجة عدم تمكن المسيحيين من ايصال ممثليهم الحقيقيين الى الندوة البرلمانية، واضطرارهم للتعاطي مع نواب الأمر الواقع الذين يعانون ازدواجية الشخصية والهوية، صحيح ان هناك 64 نائباً مسيحياً من اصل 128 ولكن اكثر من نصف هؤلاء يدينون بوصولهم الى قيادات وقوى واصوات غير مسيحية وليس امامهم لضمان انتخابهم او بقائهم واستمرارهم في المجلس النيابي الاّ ان يوالوا هذه القيادات ويتبعوها ويلتزموا بسياستها غير آبهين بالمصالح المسيحية العليا.

4- كي يخرج المسيحيون من هذه الحال عليهم ان يعتمدوا خريطة طريق سياسية اول بند فيها قانون الإنتخاب الذي يضمن لهم التمثيل الشعبي الصحيح والتوازن الوطني الفعلي والصيغة التي تتيح للمسيحيين انتخاب من يمثلهم، وبالتالي الوصول الى مناصفة فعلية او الى افضل نسبة فيها.
وفي بحثهم عن القانون الإنتخابي الأفضل، على المسيحيين ان يأخذوا في الإعتبار مجمل الإعتبارات والخصوصيات والتوازنات التي تحكم المعادلة اللبنانية، من هنا فإن سعيهم يجب ان يكون في اختيار "افضل الممكن" فإذا كان نظام الدائرة الفردية او مشروع "القانون الأورثوذكسي" يعتبران الأفضل مسيحياً، فإنهما يُواجهان برفض وتحفظ من المسلمين وبالتالي لا بد من مرونة متبادلة وتدوير الزوايا والوصول الى حلول وسط تراعي حقوق ومصالح الجميع.
وهذا ما ينطبق ايضاً على المسلمين الذين عليهم مغادرة الصيغ الشمولية والدعوات الى لبنان دائرة انتخابية واحدة او الى اعتماد النسبية على اساس ان تكون المحافظات دوائر انتخابية والذين عليهم اولاً ان يقتنعوا ان قانون "60" صار من الماضي، ولم يعد يتناسب مع المتغيرات السكانية والمناطقية والتمسك به يعني الإمعان في إضعاف المسيحيين وإحراجهم لإخراجهم.
5- اذا كان الوصول الى قانون انتخابات يلبي مصالح المسيحيين وتطلعاتهم هو مسؤولية مسيحية بالدرجة الأولى فإنه ايضاً وبالقدر ذاته مسؤولية اسلامية، وبصريح العبارة نقول اذا كان المسلمون حريصين فعلاً على العيش المشترك والواحد فإن ذلك لا يكون الا من خلال وجود مسيحي فاعل ومشارك في القرار السياسي والوطني، وهذا لا يمكن ان يتأمن الاّ عبر قانون انتخابات جديد عادل ومتوازن، ومثل هذا القانون لا يمكن ان يصدر الا بمبادرة وقوة دفع من الشريك المسلم الذي عليه ان يثبت انه مدرك للهواجس المسيحية ولضرورة معالجتها وازالتها بدل ان يستمر في سياسيات وسلوكيات "مرحلة الوصاية" وكأن شيئاً لم يتغير.

فليُعطَ المسيحيون ما يطمئنهم ويريحهم عبر قانون انتخابات جديد، حتى لا تكبر الأزمة وتتعقد اكثر فلا يعود قانون الإنتخابات هو المشكلة فقط ويصبح النظام اللبناني برمته على بساط البحث والتغيير.
والمعادلة بسيطة وواضحة: قانون انتخابات عادل ومتوازن لإنقاذ "اتفاق الطائف" والا فلنذهب بكل محبة الى حل آخر الفدرالية اواللامركزية او الاتحادية او اي مسمى آخر لنظام سياسي جديد يحفظ التنوع والتعدد ضمن الوحدة ويعطي كل ذي حق حقه.

من هنا اعود واكرر ما قلته سابقآ هناك «فدراليات» كثيرة في العالم وفي دول تُعد الأكثر استقراراً وازدهاراً والأقل عرضة للتفكك والازمات، في اوروبا هناك المانيا وسويسرا، وفي الدول العربية هناك الإمارات العربية المتحدة، وفي القارة الأميركية هناك الولايات المتحدة الأميركية. وفي كل هذه الدول نظام الحكم والدولة هو «اتحادي فدرالي». فإذا كانت عبارة الفدرالية تُقلق او «تنقز» البعض في لبنان، فلا مشكلة بإبدالها بعبارة «الاتحادية» اذا كانت تجلب لهم شعور الأمان والاطمئنان اكثر. 

(نقلا عن الديار)

  • شارك الخبر