hit counter script

مقالات مختارة - الاب جورج مسوح

المسيح القائم، أمس واليوم وإلى الأبد

السبت ١٥ نيسان ٢٠١٦ - 15:04

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 الفصح الجديد أزال الفصح القديم وأنهى وظيفته. الفصح الجديد هو قيامة المسيح من بين الأموات بعد صلبه بناءً على ما أثاره اليهود ضدّه من اتّهامات دينيّة وسياسيّة. أمّا الفصح القديم فهو الفصح اليهوديّ، أي خروج النبيّ موسى على رأس قومه من أرض الفراعنة إلى أرض فلسطين. والفصح، لغةً، يعني العبور. فموسى عبر البحر الأحمر سالمًا، أمّا المسيح فعبر بقيامته من الموت إلى الحياة. وما فصح موسى سوى تقدمة لفصح المسيح الظافر.
 الفصح الجديد أبطل الفصح القديم، من حيث إنّ القديم يهيّئ الطريق للجديد وليس له قصد بذاته من دون هذا الجديد. فإذا حضر الجديد تنتفي فاعليّة القديم. مع الفصح القديم بدأ العهد القديم، ومع الفصح الجديد بدأ العهد الجديد الذي جعل العهد الأوّل قديمًا. من هنا أدركت المسيحيّة أنّ العهد القديم بما ورد فيه من نبوءات هو مجرّد تمهيد لمجيء المسيح. لذلك، بعد مجيء المسيح لا ننتظر تحقيق أيّ نبوءة واردة في العهد القديم، وبخاصّة تلك التي لها أبعاد سياسيّة أو عدوانيّة أو استئثاريّة بالأرض ومَن عليها. فعبارة "شعب الله المختار"، أو عبارة "أرض الميعاد"، كما يفهمهما اليهود والمتصهينون هما عبارتان عفّى عليهما الزمن، وكلّ مَن يقول بهما يجانب الصواب والحقّ.
 النبوءة تبقى نبوءة طالما لم تتحقّق، أمّا لحظة تحقّقها فتبطل النبوءة أن تبقى نبوءة. النبوءة تنتهي صلاحيّتها يوم تصبح أمرًا واقعًا. فكلّ النبوءات التي تتحدّث عن المسيح قد انتهت مهمّتها وبات انتظار تحقّقها هباءً منثورًا. فالمسيح هو أرض الميعاد، وهو الهيكل، وهو المخلّص، وهو تحقيق الانتظارات كلّها... هكذا تعامل المسيحيّون منذ البدء مع تفسير الكتاب المقدّس، ونجد صدًى لذلك مع الرسول بولس الذي شبّه اجتياز موسى البحر الأحمر بالمعموديّة، واعتبر أنّ الصخرة التي شرب منها التائهون في الصحراء لم تكن سوى المسيح نفسه (كورنثوس الأولى 10، 1-4).
 لم تتحقّق نبوءات العهد القديم في شخص يسوع المسيح وحسب، بل وجدت الخليقة غايتها فيه. فالقيامة هي خلق جديد، "إنْ كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة. فالقديم قد اضمحلّ، وكلّ شيء قد تجدّد" (كورنثوس الثانية 6، 17)، "والعالم القديم قد زال" (رؤيا يوحنّا 21، 4). أمّا الصورة الإلهيّة التي خُلق عليها الإنسان وشوّهها بالخطيئة والعصيان، فأعاد الخالق صنعها بعد اتّخاذ كلمته الطبيعة الإنسانيّة والارتقاء بها إلى حضن الألوهة. الخلق الأوّل لا يكتمل إلاّ بالخلق الجديد على مثال المسيح القائم من بين الأموات.
 لقد أدركت اليهوديّة بمؤسّساتها وقادتها الدينيّين والزمنيّين الخطر الذي يشكّله يسوع المسيح ضدّها، فاتّخذت الحكم المبرم بقتله وشرعت في تنفيذه توًّا. والأناجيل تحفل بالأخبار التي تلقي بالمسؤوليّة الجرميّة على عاتق المؤسّسة الدينيّة اليهوديّة. غير أنّ الخوف من التهمة بمعاداة الساميّة يجعل بعض القيادات الدينيّة المسيحيّة في العالم الغربيّ تساوم على دم المسيح مبرّئة اليهود من جريمة صلبه. غير أنّ اليهوديّة، ومَن يمثّلها اليوم رسميًّا، لم تندم على قتل المسيح، لذلك قد تصحّ تبرئة المولودين يهودًا، لكن لا تصحّ البتّة تبرئة المؤسّسة الدينيّة اليهوديّة ممّا جنته أيدي القائمين عليها زمن المسيح.
 ليس من نبوءات عن المسيح ومجيئه بعد صلبه وقيامته. فالمسيح حاضر وليس غائبًا أو مغيَّبًا كي ينتظره أحباؤه، فالربّ الذي يغيب، بالنسبة إليهم، ليس ربًّا، والإله غير الحاضر ليس إلهًا. المسيح لم يصعد إلى السماء كي ينظر إلى الناس من عل، هو ساكن في كنيسته وفي أتباعه، وهو حاضر في كلّ مَن هو جميل الروح في الدنيا. المسيح حاضر "الآن وهنا"، أي في كلّ آن وفي كلّ مكان، لذلك كلّ مَن يتلهّى بالبحث عن علامات آخر الزمان ومتى سيأتي المسيح سوف يخيب بلا أدنى شكّ. المسيح حاضر لمَن شاء حضوره وغائب لمَن شاء غيابه.
 

  • شارك الخبر