hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - العميد الركن خالد حمادة

حزب الله واستحالة تطبيق ميزان القوى اللبناني على الإقليم

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٦ - 01:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اللواء

انتهج الأميركيون في إنتاج منظومات الحكم في المنطقة مبدأ استحداث توازنات سياسية بطريقة قيصرية بين المكونات الدينية والثقافية داخل المجتمعات، مع الإستعانة ببعض القوى الإقليمية لتثبيت حالة التوازن القسري. أظهرت التجربة في كلّ من افغانستان والعراق ليس فقط عدم قدرتها على الحياة، بل احتواءها على كافة عناصر التفجر الذاتي بالإضافة الى إعطاء الضوء الأخضر للقوى الإقليمية للتمدد داخل المجتمعات العربية عبر مجموعات متجانسة معها مذهبياً أو سياسياً. إنتاج عملية سياسية بالتعاون مع إيران في العراق دون مراعاة التوازنات المجتمعية والسياسية أدت الى انهيار الدولة. الإستباحة الإيرانية للعراق بغطاء أميركي أدت الى نشوء محور أميركي إيراني إفتراضي شكّل حافزاً لدى دول المنطقة للتناغم مع السياسة الإيرانية كما سهّل استكمال التمدد الإيراني على قاعدة عدم التعارض مع المصالح الأميركية. هذا النموذج تكرّر وإن بأشكال مختلفة في أفغانستان اليمن وفي سوريا التي أصبحت أسيرة الرغبات الإيرانية لا سيما بعد خروجها من لبنان. التمدد الإيراني توسّل العبث بأمن دول الخليج العربي عن طريق إثارة النعرات المذهبية أو عن طريق انشاء خلايا نفذّت عمليات إرهابية في أكثر من مكان انسجاماّ مع التسيب الاميركي.
التوازن الظرفي الذي أحدثه الأميركيون في الشرق الأوسط، كان دائماً توازناً قلقاً يسير على حافة الهاوية، مرتكزاته مجموعة من التناقضات السياسية والدينية ورؤى مختلفة للحكم والسياسة الخارجية والمصالح الوطنية. في أفغانستان تجاذب سياسي داخلي ولقاءات أميركية مع القاعدة في أكثر من مكان، الى جانب تناقض شكلي معلن مع إيران وتعاون أمني وتجاري بينهما بما فيه تجارة المخدرات في منطقة الهازاره. مع إيران تبادل أدبيات الشيطان الأكبر والموت لأميركا ومحور الشر، وفي العراق دولة مأزومة تستفيد ايران من عائداتها النفطية ومن خيراتها بما يعوض خسائرها من العقوبات الدولية المفروضة شكلياً عليها. في سوريا سلام غير معلن مع إسرائيل ونظام سياسي يطلق خطابات الممانعة وهو على أتم الإستعداد لتخوين المعارضة السورية التي تطالب بالحد الأدنى من الحقوق السياسية، وفي الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية حذر دائم على امتداد الخليج بين العرب وإيران وتمدد ايراني على الطرف الآخر من شبه الجزيرة العربية في البحر الأحمر وعبر الحوثيين وعلي عبدالله صالح في اليمن.
ضمن هذه التوازنات صاغت إيران عبر حزب الله سياستها في لبنان، وقد تطوّرت هذه السياسة بشكل تصاعدي على وقع التطورات في الإقليم وبشكل متزامن معها لا سيما بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان تطبيقاً للقرار1559، مروراً بالتحول الكبير الذي أنتجته حرب 2006 والذي انعكس ولا يزال على عمل المؤسسات الدستورية والأمنية وأدى الى تعطيل أدوارها. التدخل الإيراني في الشؤون العربية وزج حزب الله في القتال في سوريا واليمن أدّى الى اتخاذ إجراءات بحق لبنان على المستوى الحكومي رافقتها تصريحات أكثر من مصدر خليجي وصفت لبنان بأنّه دولة مخطوفة وبأنّ حزب الله يسيطر على قرارها.
أفسح الخروج الأميركي التدريجي من الشرق الأوسط المجال أمام تمدد القوى الإقليمية التي حاولت استعادة أحلامها التاريخية وقد عبّرت عن ذلك بإثارة المشاعر القومية حيناً والمذهبية حيناً آخر. لقد قدّمت الساحتان السورية واليمنية نموذجين ساطعين لهذا النوع من الإشتباك الإقليمي والدولي، اللذين هدّدا بشكل فعلي مرتكزات الإستقرار القومي العربي. ساحات القتال في كلّ من سوريا واليمن رسمت معالم جديدة للإشتباك الإقليمي الدولي وأنتجت عناصر توازن جديدة ستصاغ على أساسها متغيرات سياسية وأمنية جديدة.
ما هي عناصر التوازن الجديدة في الشرق الأوسط؟
ــــــــ إنسحاب القوات الروسية من سوريا اعتباراً من الثلاثاء القادم والإبقاء على دور روسيا من ضمن عملية السلام بالتنسيق مع القوى الدولية الأخرى وفقاً لتصريح الرئيس بوتين، في الوقت الذي تستعيد فيه جبهة النصرة محافظة الرقة من المعارضة السورية المعتدلة التي تشرف الولايات المتحدة على تسليحها. وهذا يعني التخلي الروسي عن دعم النظام السوري وعدم الرغبة في الإستمرار في قتال ما أسمته روسيا قوى الارهاب.
ــــــ إنطلاق العملية السياسية في جنيف3 والتي وضعت على جدول أعمالها البحث في مرحلة الحكم الإنتقالي في سوريا دون مشاركة الرئيس بشّار الاسد. تتقاسم روسيا في هذه المفاوضات الى جانب الولايات المتحدة الدور الرئيسي ويتضح إنحسار الدور الإيراني لينحسر معه دور حزب الله. وزير الخارجية الأميركي جون كيري صرّح في ختام محادثات في باريس أمس مع عدد من نظرائه الأوروبيين أن «الرئيس الأسد يغرد خارج السرب ويرسل وزير خارجيته (وليد المعلم) كي يتصرف كمخرّب ويسحب من على طاولة المفاوضات ما وافق عليه الرئيس بوتين والإيرانيون.
ـــــ النجاح المضطرد الذي تحققه قوى الشرعية اليمينة والقبائل الموالية لها بمساندة ودعم قوى التحالف العربي براً وجواً بالإضافة إلى ظهور بدايات لعملية سياسية تجلّت بزيارة وفد حوثي إلى المملكة العربية السعودية والذي لم تضح أهدافه النهائية بعد بل اقتصرت حتى الآن على البحث في بعض الترتيبات على الحدود اليمنية السعودية لتبادل الأسرى.
ــــ المناورات العسكرية المشتركة تحت إسم «رعد الشمال» التي اختتمت يوم الجمعة 11 مارس/آذارفي منطقة حفر الباطن وهي أكبر تدريبات عسكرية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط وقد شاركت بها عشرون دولة إسلامية أبرزها إلى جانب دول الخليج العربي، باكستان وتركيا ومصر. هذه المناورات تشكّل معطى جديداً لا يمكن إلا التّوقف عنده لا سيما لجهة ضخامة القوى ورمزية الدول المشاركة، إلى جانب اعلان هذه القوى استعدادها للتدخل بموجب قرار من مجلس الأمن وبالتنسيق مع الولايات المتّحدة.
ــــ الدور الأميركي المرتقب في لبنان والذي عرضته السفيرة الأميركية المُقترحة في لبنان إليزابيت ريتشارد أمام مجلس الشيوخ حول دور حزب الله في تعطيل إنتخابات الرئاسة والإصرار على ملاحقة شبكته المالية بالتعاون مع الدولة اللبنانية في مجال مكافحة الإرهاب، ناهيك بأصوات الإعتراض الأميركي على تجربة الصواريخ البالستية التي قامت إيران بتجربتها منذ أيام قليلة وبقرار المحكمة الفيدرالية الأميركية بتغريم إيران بعشرة مليارات دولار لثبوت تورطها مع القاعدة في تفجيرات 11 يوليو.
ــــــ إنكسار النموذجين التركي والإيراني أو تآكلهما ليس بوصفها خطّاً سياسيّاً بل بسبب إلحاحهما على التمايز المحكوم بالمكابرة. فهما محكومان بنظامين طائفيّين، الإيرانيّ لا يكتم ذلك بل يجعله جزءاً من دينيّته ومن «ولاية الفقيه» التي تُعلي يد الغيب على يد الشعب، بينما التركيّ المسكون بالسلطنة، يتربّع في قمّته رئيس سلطانيّ، آخر همومه مصالحة الحداثة والديموقراطيّة.
ـــ إدراج جامعة الدول العربية في قرارها الصادر بتاريخ 11 آذار حزب الله على قائمة المنظّمات الإرهابية وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد اتّخذ قراراً في جلسته المُنعقدة بتاريخ 2/3 باعتبارحزب الله اللبناني بكافة قادته وفصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه منظمة إرهابية.في حين وصف مجلس وزراء الداخلية العرب في اجتماع لهم في تونس الحزب بالإرهابي، وسط تحفظ لبناني.
لقد أرسى حزب الله منذ العام 2006 معادلة سياسية في لبنان مستمدّة من ميزان قوى إقليمي تمثّل في تمدد إيران إلى أكثر من بلد عربي سواء عن طريق دعم مكوّنات سياسية داخل هذه الدول أو تحت عناوين دينية في ظلّ صمت أميركي أوحى أحياناً أنّه يخفي نوعاً من التفويض الأميركي لإيران بالتمدد واستحداث جماعات سياسية تعمل لصالحها.
ميزان القوى المحلي اللبناني بين حزب الله وخصومه السياسيين والقرار السياسي اللبناني لا يزال مستوحى من الصعود الذي عرفته إيران في المنطقة وكرّسه حزب الله بعد العام 2006 وهذا ما انعكس على الأداء الحكومي والأمني وفي مقدمة كلّ ذلك الإستحقاق الرئاسي.المشهد اليوم يفتقر اليوم إلى الإندفاعة الإيرانية ورياح التوازن الإقليمي تتبدل بما لا تشتهي السفن الإيرانية، فهل يستطيع الوهج الإيراني الذي يفتقد حالياً جزءاً كبيراً من مقوّماته الحفاظ على ديمومة تفوّق حزب الله السياسي على الساحة اللبنانية والذي يستخدمه في تعطيل الإستحقاقات الدستورية؟ إنّ أقلّ ما يُمكن أن يعيد الحدّ الأدنى من الحياة السياسية في لبنان هو قراءة حزب الله وحلفائه للمتغيرات وهذا ما يمكن ترجمته عملياً بالعودة من ميادين القتال الى لبنان والنزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.
ميزان القوى اللبناني هو ميزان محلي لا يمكن تعميمه على الإقليم وانتخابات الرئاسة في لبنان ليست لبنانية بل إقليمية.
 

  • شارك الخبر