hit counter script

- روبير فرنجية

رسالة إلى غادة عيد: وماذا عن الفساد الدرامي؟!

الإثنين ١٥ آذار ٢٠١٦ - 06:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ما أقوله اليوم بعد ربع قرن في العمل بالصحافة الدرامية ليس موجهاً لمنتج محدد ولكاتب محدد ولمخرج محدد ولا أقصد به أي ممثل أو ممثلة، بل أي نجم ونجمة. لكن في المقابل ما أكتبه ليس مكانه ضيعة كحلون ولا أبطاله راجح وزيون. لا أنسج أطراف ثوبه من خيال وإن كان جسم الوسط الدرامي " لبيساً". الدراما اللبنانية بعد الطائف ليست كما قبله. والدراما اللبنانية أيام مسلسل الـ"13" حلقة ليست كما أيام المطولات، والدراما اللبنانية حين كان تلفزيون لبنان المنتج ليست كما دراما اليوم بتواقيع نجوم الإنتاج بل أقطابه (مع خرزة زرقاء).
اليوم أكثر من أي يوم تدور في "كواليس المدينة" وبالإذن من الإعلامية غادة عيد في الهمس والعلن حكايات الغبن والإختلاس والإفلاس والإقتباس والحقوق المهدورة والنصوص المغدورة. حكايات الديون المتراكمة والشركات الداعمة والمدعومة، الساندة والمسنودة.
يا زميلتنا غادة عيد وأنت تنتقلين من برنامج "الفساد" إلى الدراما لا بد أن تعرفي أن في هذا القطاع الفساد الدرامي ليس محدوداً ولا معدوماً.
في الدراما التلفزيون يأكل حق المنتج والمنتج يأكل حق الكاتب والمخرج والممثل. وشركات الإستفتاء أو شركات الولاء الإستفتائي هي الناطقة الحصرية بإسم المشاهد. تجعل من مسلسل سخيف بطلاً ومن مسلسل نظيف ضحية.
في الفساد الدرامي هل ستسألين متى يسدد التلفزيون للشركة المنتجة؟ مع بدء العرض وأي عرض؟ الأول الثاني أم الثالث؟هل تعلمين أن المنتج يتقاضى في رمضان 2015 بدل حلقات مسلسل رمضان 2013؟ وفي عالم الدراما المنتج مديوناً للممثل والتلفزيون مديوناً للمنتج.
هذا المنتج لا يقصر ولأن "العين لا تعلو على الحاجب" ولا يستطيع أن يعادي مديراً تلفزيونياً فيردها للممثل والكاتب وللمخرج. كيف؟ إليك بعض التفاصيل.
هل تناهى إليك عزيزتي غادة أن الكاتب يتقاضى على الورق تقسيطاً وتقطيعاً وليس على عدد الحلقات. لماذا كل هذا الإستغراب على وجهك وأنت اليوم تخوضين غمار الكتابة؟
الكاتب يقدم للشركة المنتجة نصاً بثلاثين حلقة فيقوم المنتج بتقطيعه وتفريغه إلى خمسين. لكنه لا يحق للكاتب إلا بثلاثين فيما العشرين هي من نصيبه فقط.
وماذا عن الممثلين الذين يكتشفون بسياراتهم جميع جغرافيات القرى النائية لتصوير مشاهدهم. ليس لهم دواماً محددأ. يجلسون في غرفة بالإعارة من البيت الذي تحول إلى استديو ينتظرون دورهم. ويطول الإنتظار أغلب الأحيان ساعات لتصوير لقطة. لا يحق لهم التأفف ولا "النق" لكي لا يغضب سعادة المخرج أو سعادة المنتج ويعاقبه بوضع اسمه على اللائحة السوداء لائحة المستبعدين. كل ما يحق للممثل المنتظر التهام "الشاطر والمشطور" أو ارتشاف قهوة في فنجان بلاستيكي يحرق اليد لكي لا تطالب بفجان آخر.
قد تسألين ومتى موعد تقاضي بدل الأتعاب؟ هل أثناء التصوير أو بعده أو عند العرض أو بعده؟ على الممثل أن يكون "حربوقاً"، يكسر يده ويتسول مستحقاته، مثل أن يذرف دمعاً كالتي نراها في مشهد حزين (من دون قطرة) ويقول للمنتج: أستاذ جاء موسم الشعانين ونريد أن نشتري بنطلوناً لحفيدنا، أو حضرة المنتج الكبير لقد دخلت زوجتي شهرها التاسع ونريد مبلغاً للتحضيرلحدث الولادة. دائماً يحتاج الممثل إلى تبرير لماذا يطالب بمستحقاته؟ وهذا الشعور ينتاب المنتج وهو يطالب المسؤول المالي في المحطة التلفزيونية: انتاج الدراما بخطر. الدراما تنهار مرروا لنا دفعة لنمرر لكم حلقات جديدة.
كأنني عزيزتي غادة أسمعك تهمسين: ولماذا لا يتمسك الممثل بالعقود؟ القانون لا يحمي المغفل. ربما معك حق لكن في الدراما الحق ليس معك، أية عقود وكم من ممثلين عرضوها واستعرضوها في المحاكم وبعضهم كسب لكن النتيجة كانت "العين لا ترفع فوق الحاجب" وصحت الأغنية: "جينا لحلال القصص ليحل قصتنا لقينا عندو قصة يا محلا قصتنا". وماذا عن الإتفاق على طريقة الزواج الماروني قبل كثرة "البطلان" و"الهجر" بين بعض المنتجين ومدراء البرامج في بعض التلفزيونات على طريقة أغنية وليد توفيق "تجي نقسم القمر أنا نص وانت نص؟" ولن نقول أخطر من ذلك.
الدراما اللبنانية ليست في احتفال ولا في عيد يا غادة. الفساد يتسلل إلى قطاعها في أحيان كثيرة. لا شك أنك تسمعين بهموم الدراما وأنت التي تربعت على عرش الهواء المثقل بالهموم 13 سنة. سمعت عن طبخات الكاستينغ والمحسوبيات. سمعت عن ذاك المخرج الذي يقحم صاحبة القد المياس في كل عمل درامي من توقيعه ليس لأنها خريجة معهد تمثيل ولا موهبة خارقة، يستبعد الكفاءات من أجل المحسوبيات العاطفية جداً. ولن نقول أخطر من ذلك.
المخرج ليس دائماً ظالماً للدراما ففي كثير من الأحيان هو المظلوم خصوصاً حين يضغط عليه المنتج لتسليمه الحلقة بيوم ونصف. حين يُنفذ مشهد عرس بعدد كومبارس لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. حين تطرده ربة منزل من قصرها لأن التقنيين كسروا منفضة.
اختبرت يا غادة شغف الكتابة الدرامية ومخاضها وتدركين اليوم مأساة الكاتب الذي يرسم شخصياته وينحت حواراته فيجيئه مدير انتاج جاهل أو مخرج مراهق يريد العبث بنصه لأنه لا يجيد قراءة غير كتب الأبراج والطبخ وكل ما طالعه في حياته مغامرات تختخ ونوسة وقصص "عبير".
عزيزتي غادة عيد: ليس كل كاتب درامي بريئاً وعملاقاً ومحترفاً. لا داعي لإستعراض بعض الكتاب الذين يدبلجون بأقلامهم. فنرى الخادمة تنطق سجعاً والسائق شعراً والطالبة الجامعية استاذة محاضرة. وقصص الغرام لا يقع فيها عمال محطات المحروقات ولا بائع الكاز ولا "عبدو الدكنجي". مسلسلات تكثر فيها الحوارات وتجف الأحداث.
وماذا عن الكاستينغ الذي يجعل ابنة الخمسين طالبة حقوق سنة ثانية على عتبة الستين تحمل دون شفاعة القديسين. لقد عملت غادة في صحيفة "نداء الوطن" والاعلام المقروء أكثر من 15 سنة ولا يفوتك كم من متطفلين على المهنة وينتسبون لها عبر لوحات "صحافة" على سياراتهم. هؤلاء يسيئون الى الدراما فيحملون المبخرة ويمسحون جوخ رداء المنتج الميسور من أجل الحصول على بعض الدولارات التي يحرم منها بطل العمل أو كاتبته لإسكات الأصوات والأقلام الساذجة.
بعد كل هذا العرض متى عرض حلقتك عن الفساد الدرامي في ملفات "الفساد" المتسلسلة وأن تغير اسم البرنامج فقط؟!
 

  • شارك الخبر