صحيح أن البعض على معرفة قديمة بالقصة، إلا ان الاكيد لا يمكن لهؤلاء أو لأحد توقع نظرة ورؤية المبدع جو قديح في تقديم هذه الرواية القديمة الخيالية في جوّ يحاكي الواقع والعصر، بطريقة تحمل في طياتها الكثير من الجرأة بعيداً عن الابتذال او الوقاحة.
فها هو المبدع جو قديح يقدم عمله الجديد على مسرح الجميزة تحت عنوان "غرام أو انتقام" أو ما يعرف بالرواية الشهيرة Liaisons Dangereuses، ضمن ابداع لافت لجميع الممثلين الذين يشاركونه المسرحية، من الرائعة والجريئة برناديت حديب، مروراً بالموهوب غناء ورقصاً وتمثيلاً برونو طبال وصولا الى الجميلتين والساحرتين بدوريهما باتريسيا سمَيرة وسولانج تراك، مع الاشارة إلى أن الكوريغرافيا يتولّاها مازن كيوان وهندسة الصوت إميل عواد والديكور وتنفيذ الديكور نويل أبي نادر.
وقد نجح المميز جو قديح، بطريقته الخاصة والمميزة، من إسقاط الواقع اللبناني المعاصر على قصة قديمة جديدة شغلت كافة المجتمعات، على اختلاف أنواعها، فحاكى الحب والخيانة والانتقام، بكل وضوح وشفافية، مع ادخال شيء من الكوميديا الخفيفة، بعيداً عن الروتين أو الملل او النسخ.
فكانت نكهة وبصمة جو الخاصة واضحة في هذا العمل المسرحي، الذي يؤكد أن المسرح اللبناني لا يزال في ألف خير، وأن الفن اللبناني يحمل في طياته العديد من المواهب الفنية التي يجب ان يتم دعمها وإظهارها، خصوصاً لناحية التناغم الكبير الذي ظهر في أداء الممثلين والواقعية الكبيرة التي جسدوا من خلالها أدوارهم، بكل احترافية ورقي.
فأتى هذا العمل ليحترم ثقافة اللبناني، وعقله وشغفه بالفن الحقيقي، البعيد عن الابتذال، لينقله خلال ساعة ونصف من الوقت الى عالم جميل وخيالي يسمح له بالتنفس قليلاً، بعيداً عن الضغوطات اليومية والمشاكل التي يرزح بها اي مواطن.
قصة متكاملة، سيناريو متين يقارب كل مشاهد، أزياء وديكور لافتين وأداء باهر، هذا أقل ما يقال عن هذه المسرحية التي يجب ان يشاهدها الجميع، ليس فقط بهدف تشجيع المسرح اللبناني أو إغناء ثقافته، بل من اجل اغناء روحه والشعور بالتجدد والعشق للمسرح والحياة.. والحب!