hit counter script

الحدث - شارل جبور

رسالة مصارحة إلى عرابة "الطائف"

الإثنين ١٥ شباط ٢٠١٦ - 06:13

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

شكل الموقف السعودي القاضي بوقف تسليم لبنان الهبات المالية المقررة لدعم الجيش والاجهزة الأمنية صدمة سياسية كبرى، لأن الخطوة السعودية غير متوقعة، ونقلت لبنان من مرحلة إلى أخرى، ويتوقف على حكمة اللبنانيين إدارة هذا التطور الجديد بما يبدد الهواجس السعودية، ولا يدخل البلد في مواجهة جديدة تعيد السخونة إلى الوضع السياسي، بما يهدد الاستقرار الهش ويدفع الأمور إلى مزيد من التدهور السياسي والأمني والاقتصادي.
وقبل مصارحة المملكة ببعض الحقائق والوقائع التي لا بد منها في هذه اللحظة، يجدر التنويه بداية بدور السعودية في لبنان لناحية سعيها لإنهاء الحرب اللبنانية ورفضها دعم فريق على حساب آخر ورعايتها لاتفاق الطائف ووقوفها إلى جانب الدولة في كل المحطات والمفاصل، خلافا لطهران التي تسلِّح "حزب الله" وتموِّله، الأمر الذي يُضعف الدولة ويُبقي السيادة منتقصة والاستقلال غير ناجز.
ولكن قرار المملكة الأخير لا يُشبه كل القرارات التي سبقته وكانت تتعالى فيها على الإساءة والانقسام، مبديّة الاستقرار اللبناني على أي اعتبار آخر، ومصلحة الدولة على أي عامل آخر، وهذا من دون الانتقاص من حق الرياض الطبيعي اتخاذ أي قرار تراه مناسبا ويتصل بسياساتها وشأنها الداخلي ومنطلقاتها، ومن دون إغفال أيضا طبيعة المرحلة التي تشهدها المنطقة وتحدياتها، ومن دون التقليل من أهمية وجود قيادة سعودية جديدة قررت الانتقال من الديبلوماسية إلى الحزم، إنما ما يجدر قوله في هذا السياق يتمثل بالآتي:
أولا،ً السعودية التي رعت مشكورة اتفاق الطائف لم تسجل اعتراضا علنيا على سورنة هذا الاتفاق على أثر التسليم الأميركي لدمشق بالوصاية على لبنان، وتذكيرا بأن دور "حزب الله" توسّع في هذه المرحلة تحديدا، بل تم تشريع ما يسمى بمقاومته مع تفاهم نيسان وصولا إلى غض النظر عن استمرار هذه المقاومة بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام ٢٠٠٠، وبعد الخروج السوري في العام ٢٠٠٥.
ثانيا، الرياض لم تقطع علاقتها مع دمشق على أثر اغتيال الشهيد رفيق الحريري على رغم الاتهامات التي وجهت مباشرة إلى النظام السوري، ولم تتخذ أي إجراءات بحقه.
ثالثا، السفير السعودي اضطر بفعل أحداث ٧ أيار إلى مغادرة لبنان، ولم تعترض الرياض على استضافة الدوحة للقوى اللبنانية من أجل إبرام تسوية تعيد انتظام عمل المؤسسات بصيغة مرجحة للحزب.
رابعا، لم يتردد الملك السعودي بمرافقة الرئيس السوري إلى لبنان ورعاية اتفاق ال "سين-سين" ودعوة الرئيس سعد الحريري إلى المصالحة مع "قاتل والده" والنوم في منزله وسريره.
خامسا، لم تتخذ الرياض أي موقف أو إجراء بعد إسقاط حكومة الرئيس الحريري واستطرادا ال "سين-سين" وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي خلافا لإرادتها وإرادة "المستقبل".
سادسا، لم تتخذ الرياض أي إجراء بعد انخراط "حزب الله" في القتال السوري، ولا بعد مواقفه الحادة من إعلانها "عاصفة الحزم".
سابعا، أوقفت الرياض التمويل السياسي على تيار "المستقبل" وقوى ١٤ آذار على رغم ان لبنان ساحة صراع أساسية.
ثامنا، دعت الرياض باستمرار إلى تغليب الحوار على المواجهة، والتبريد على التسخين، وذهب السفير السعودي إلى حد التمني على الوزير نهاد المشنوق منذ فترة قصيرة التراجع عن قراره تعليق مشاركته في الحوار.
تاسعا، الهدف الأساس لهبة المليارات تقوية المؤسسات العسكرية والأمنية بغية تعزيز منطق الدولة على الدويلة.
عاشرا، الرياض تدرك جيدا ان ميزان القوى الداخلي ليس لمصلحة ١٤ آذار التي ستدفع الثمن الأغلى من انفراط الستاتيكو القائم.
فلكل الاعتبارات المشار إليها أعلاه يمكن القول بصراحة ان الرياض ساهمت عن قصد أو غير قصد في إيصال الوضع اللبناني إلى ما وصل إليه اليوم، وبالتالي لا يمكنها رمي المسؤولية على اللبنانيين، حيث شكل قرارها مفاجأة سياسية من العيار الثقيل لتعارضه مع كل مسارها السابق الذي شجع ١٤ آذار على تقديم التنازلات وإبرام التسويات، فضلا عن انه يدخل لبنان في مرحلة جديدة تتطلب بالحد الأدنى الجهوزية من جانب ١٤ آذار، الأمر غير القائم اليوم.
وكل فكرة الحريري بتبني مرشح من ٨ آذار تستند إلى ضرورة الخروج من ستاتيكو الفراغ من أجل إعادة تفعيل المؤسسات على قاعدة تحييد الملفات الخلافية والاهتمام بالملفات الحياتية ولو كان الثمن القبول بمرشح من ٨ آذار، وبالتالي القرار السعودي أصاب الحريري بالمباشر والذي عاد إلى بيروت بهدف واضح ومحدد وهو انتخابات رئاسية تعيده إلى السراي الحكومي، فيما القرار السعودي أعاد الملف الرئاسي إلى الثلاجة بعدما أعلنت رفع يدها عن لبنان، ما يعني ترحيل التسويات إلى مرحلة لاحقة.
وعوضا عن توجه وفد من "المستقبل" و١٤ آذار إلى السعودية للوقوف على حقيقة الأسباب التي دفعتها إلى اتخاذ هذا الموقف، وشرح دقة الموقف اللبناني وحراجته، حاولت بعض مكونات ١٤ توظيف الموقف السعودي لاستهداف الوزير جبران باسيل في محاولة لقطع الطريق الرئاسية على العماد عون، فيما باسيل كان دعا في الحوار والحكومة إلى إعادة صياغة التفاهم حول سياسة لبنان الخارجية، وأعلن التزامه بسياسة الحكومة، إلا ان المكونات الحكومية على اختلافها رفضت الدخول في هذا النقاش، وأبقت القديم على قدمه، وبالتالي تحميل وزير الخارجية المسؤولية ليس في محله، فضلا عن انه غير منطقي.
وما يجدر بالحكومة ان تؤكد عليه اليوم يكمن في احترام علاقات لبنان الخارجية ورفض التعرض للسعودية والالتزام بسياسة النأي النفس، وعدم الخروج عن الإجماع العربي مع الأخذ في الاعتبار حساسية الوضع الداخلي، لأن الأولوية اليوم هي لتفادي الاشتباك المحلي، الأمر الذي يفترض بالمملكة ان تتفهمه، فيما رفع وزراء ١٤ آذار لسقف مطالبهم لن يلقَ تجاوبا من "حزب الله"، ما يضع الأمور أمام احتمالين: ان تنتهي المسألة عند هذا الحد، فتكون ١٤ آذار قامت بما عليها. والاحتمال الثاني ان تعلِّق مشاركتها في الحكومة في خطوة تدخل لبنان في المجهول، إلا إذا كان المقصود تسعير المواجهة بغية استجلاب تدخلات خارجية لإنهاء الفراغ الرئاسي من ضمن سيناريو معد سلفا لاستبعاد عون وانتخاب فرنجية.
وبمعزل عن صحة هذا السيناريو أو عدمه لا مصلحة لقوى ١٤ آذار بتعليق مشاركتها في الحكومة، لأن العودة عن هذه الخطوة تصبح متعذرة في ظل رفض الحزب التراجع عن موقفه، ما يعني تعميم حالة الفراغ التي ستجر حكما إلى الفوضى، فيما المطلوب العودة إلى المعادلة السابقة بالتمييز بين الموقف الرسمي وموقف الحزب.
فاللحظة اليوم لا تحتمل سياسة تسجيل النقاط، إنما التروي في اتخاذ القرارات التي يتوقف عليها مصير البلد، ومحاولة تجاوز الامتعاض السعودي بموقف حكومي يحفظ ماء وجه ١٤ آذار، وزيارة إلى المملكة تتجاوز الطابع البروتوكولي إلى السياسي لوضع القيادة السعودية في صورة الوضع اللبناني.
فقلب الطاولة في لبنان غير ممكن، ومن الأفضل لقوى ١٤ آذار ان تبقى في موقع رد الفعل، وان تحافظ على الستاتيكو القائم، وفي حال سعى "حزب الله" إلى الانقلاب على الوضع الحالي يكون لكل حادث حديث، وخلاف ذلك يتطلب ترسيخ قواعد الاستقرار من خلال انتخابات رئاسية تعيد تفعيل المؤسسات وليس الدخول بمواجهات تجدد مرحلة الاغتيالات والفوضى وعدم الاستقرار وسورنة لبنان.
ويبقى ان كل قوة المملكة تكمن في حكمتها وعدم تهورها وحرصها على الاستقرار اللبناني، وبالتالي كل الأمل ان تتفهم خصوصية الوضع اللبناني، وتواصل سياستها في تحييد لبنان عن الحرب السورية وصراعات المنطقة.

 

  • شارك الخبر